السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

الكاس في فاس

7 ديسمبر 2011 23:39
تعرف فاس عند المغاربة على أنها مجمع العلماء وموطن الروحيات، وعند الأثريين والنحات على أنها من حصون التاريخ المنيعة، ففي المدينة صدى من صوت الحضارات القديمة، بل إن المنظمات الإنسانية الشغوفة بحفظ الأثر الذي يحيل على أزمنة غابرة تضع مدينة فاس التي طوت قبل فترة قرنها الثاني عشر في عداد التراث الإنساني. فاس التي تتوسط المغرب مثل الثريا، هي أيضا مدينة الإبداع في أروع تجلياته، فمن زواياها تخرج الفقهاء، ومن جوامعها الفكرية تخرج مفكرون ومبدعون، ومن أزقتها وحواريها أطل على كرة القدم المغربية والعربية نجوم كثر سطعوا بألف ضوء في سماء الإبداع. ومع أن لفاس كل هذا العمر الطويل وكل هذه الأصوات التي صدحت في معاقل الفكر والأدب والسياسة إلا أنها لم تعش مثل الذي عاشته ليلة الأحد الماضي وناديها الأم المغرب الرياضي الفاسي يحقق إنجازاً كروياً غير مسبوق بفوزه لأول مرة في تاريخه الطويل بكأس الاتحاد الأفريقي. كان المدخل للاحتفال بيوم سيظل بلا شك خالداً في ذاكرة مدينة هي ذاتها ذاكرة الفن والكرة والخلق، تلك اللوحة الكاليغرافية الجميلة التي رسمتها جماهير فاقت الأربعين ألف متفرج، فأبدا لم يعرف ملعب فاس الجديد الذي أنشئ قبل عشر سنوات تدفقاً للجماهير بمثل ذاك الكم وبمثل ذاك الحماس وبمثل ذاك التصميم على هندسة سمفونية رياضية كبيرة. كانت اللوحة عربون وفاء من جماهير شغوفة لناد متعطش للألقاب، لذلك كان كل الذي شاهدناه يعبر مثل الطيف من صور فنية وكروية يرمز إلى أننا بصدد مطالعة جنس جديد في فن الملاحم، إذ برغم ما كان عليه النادي الإفريقي التونسي من إصرار وحزم وعزيمة لإعطاء تونس نورسا ثانيا هدية لثورة الياسمين، بعد الأول الذي قدمه بيد الترجي الرياضي، إلا أن النمور الصفر وهذا هو لقب لاعبي المغرب الفاسي استلهموا من تراثية فاس ومن عبقها التاريخي ومن سحرها الكوني ما قدمهم خلال المباراة بصورة أنطولوجية فكان الحظ والصدف وكل الخيال معهم، بل وقائدهم نحو اللقب الأفريقي الذي أخرج أهل المدينة من ثغورهم الجميلة ومعابدهم الروحية ومراتعهم الفكرية ليقضوا ليلة بيضاء أشرقت بالفرح وتلألأت بالأنجم وسطعت بشمس الأمل. غنت فاس بكل أريحية للعيد الكروي، وقال ما كانت عليه المدينة الملتزمة من بهجة بأن للرياضة ولكرة القدم تحديدا فعل المغناطيس الذي يجذب نحو الاحتفال دون مقدمات، فهل فهم الساسة ورجال المال أن لحظة فرح تهديها كرة القدم للناس لا تقدر بثمن؟ هل فهم من بيدهم مقاليد الأمور أن ما يعطوه من دعم مادي، لوجستيكي ومعنوي لا يساوي كل أجواء العيد التي يعممها الفوز بلقب رياضي على سكان مدينة وعلى شعب بكامله؟ أرجو أن يكونوا قد فهموا الدرس. بدر الدين الأدريسي | drissi44@yahoo.fr
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©