الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البروفايل

البروفايل
18 يناير 2015 11:09
عبيد.. يا زمان الرومانسية الهارب الرجل الذي يقتات على الوهم، يلزم الصمت، يتأمل الوجوه والأشياء شارد الذهن، كثير الفكر، حزين القسمات، ظاهره يشي بأنه رجل مطمئن مرتاح البال قرير العين، منعزلا يعيش، وقلما يخالط أحدا، شعاره لاشيء يهم، لا بأس، خلها على الله، الله كريم.. يصفونه بالساكت، الرايق دوما، لا شيء يشغل باله.. يعشق الوحدة ويفر من الزحام. يجلس هادئا في ركن قصي، يضع يده على خده، يعبث بوجهه وشعر لحيته الخفيف، غارق في بحر الخيال وأحلام اليقظة، يسترق النظر الى وجوه زميلاته، وفجأة يلمح نظرة خجلى.. نظرة زميلته جميلة، وحين يحب عبيد يخلع رداء الحزن ويلبس قميص الفرح، يتحول إلى طفل يرقص ويغني، يذهب بعيدا يخبر البحر أولا ويلهو في الطبيعة مع العصافير والشجر والرياح والشمس والقمر والنجوم والليل محتفلا بالحب. اسم على مسمى جميلة، يا حلوة الاسم والرسم والجسم.. أول كلمات قالها بعد أن ظفر برقم هاتفها وصرخ: يا الهي أسألك السلامة والعافية أرفق بروحي فإن قلبي لا يطيق مزيدا من الأسى ولا حكاية حب جديدة. جميلة فتاة متوسطة الطول فائقة الجمال تميل الى السمرة قليلا رشيقة الجسم، لها عينان سوداوان تضحكان دائما. نظرات جميلة النادرة يجهل مغزاها ويريد فك شفرتها. لماذا جميلة؟ سألته نفسه وأجابها بقول لعبد الرحمن منيف: «يجب أن تصدقوا أن في الإنسان شيئا غامضا ومحيرا، اذ ما كدت أراها حتى ظننت إني أعرفها منذ آلاف السنين ليس ظنا ما اقوله لكم انه الحقيقة المطلقة والوحيدة». وظل السؤال يلاحقه صراع مرير ومؤلم وقاس: هل أحبها حقا؟ لعلها نزوة أو مشاعر زائفة أو إعجاب عابر؟ يصلي لله لتهدأ خواطره. وحين رأى بروفايلها قال لها: كم أنت ذكية ورائعة وراقية ومشاكسة.. أدمن متابعة البروفايل كل دقيقة. يركض وراء كلماتها وصورها، ترتعش أصابعه ويخفق قلبه بقوة يطارد البروفايل.. أنا عبيد الفريسة الساذجة والمقتول قهرا وحيرة. مرهق أنا وغارق في أوجاعي وخيالاتي، أحاول فهم حكايات البروفايل، وكل صورة لها في ذهني ألف تفسير.. صور أطفال يتضرعون الى الله. فتيات صغيرات على خلفيات وورد وأزهار وشجر وغابات وبحيرات وأنهار وبيادر قمح وسهول ممتدة يكسوها العشب وتتراقص فيها أزهار مختلفة الألوان وحيوانات، وزرقة السماء وسحب ماطرة موانئ ومطارات وسفن وطائرات ولحظات الوداع.. ساحة حرب تراق فيها دماء العواطف والمشاعر، حزن وألم وفرح.. معرض صور يتغير كل حين.. أشعار عاشقه غجرية، قلوب نابضة ورسائل مبهمة وأفكار نيرة ووعي وثقافة، عالم من الإبداع، زهد، أدعية، وابتهالات صوفية، مواعظ، أمنيات وآمال ورغبات وأشواق الروح الى الجنة.. كن لي عونا يا ربي أنا عبدك الضعيف عبيد.. وجميلة فيلسوفة وحكيمة وواعظة وشاعرة زيديني موعظة يا جميلة فأنا موغل في الخطايا.. الصحراء شاسعه وخيلي صهيلها يمزق سمعي وروحي، وأنا أركض وراءها كل الوقت، وحين يستبد بي التعب أعود.. وتقول: إنني مسافرة غدا باكرا.. غيابك يؤلمنني كثيرا.. مسافرة غدا؟ لا كنت أمزح فقط.. وأنا لا قدرة لي هذه المرة على مطارده الخيول المتوحشة.. وفي البروفايل كلام عشق وغرام عن ساكن قلبها وروحها وزهرة حياتها وسر ابتسامتها. وتكذبين، وتضحكين، وتمزحين.. أيها البروفايل المثخن بالتناقضات.. أنا عبيد مدمن البروفايل المخادع تركت البروفايل يعبث بي وهذا أكبر ذنوبي على الإطلاق. وتقول جميلة: أنت الحب والمشاعر النبيلة.. أيها البروفايل أتوسل اليك فك قيودي، والبروفايل مملوء بالخيال والجمال والحكايات والمآسي. بشر نساء ورجال وشيوخ خط الزمان على وجوههم علامات الشيب وتعب الحياة وقسوتها، وأطفال يعانون الجوع والفقر والتشرد، مرضى ملامحهم قاتمه وأيدٍ اخترقتها الإبر، وأسرّة بيضاء وقناني أدوية، وأكتب لها: سلامات عسى ما شر.. ياالله تعافي كل مريض.. قلقت عليك (البارحة ماجاني رقاد). وتقول للبلاء مرحبا لأن عاقبته خير وأنا اسأل الله العافية والسلامة. وتظل جميله تكتب غزلا عفيفا وشعرا عذبا وأشواقا مكتومة وقلبا ينبض بالحب السامي. وتخيلتها سلطانة إفريقية، وأنا عبيد خادمها الأمين أرد بجسدي الأعزل سهام القوم عنها، وأحمي عرشها العتيد، أنحني أمامها بخضوع حتى تصرفني بإشارة من يدها.. خادمها أنا مخلص ومطيع.. وتخيلتها راعية بدوية التقيت بها تحت ظل غافة على ضفاف الوادي وقت الظهيرة، تسقي غنمها من الغدير، أحرس غنمها، وأبحث عن شياه أضاعت الطريق وخرجت عن القطيع. أريد هجر البروفايل.. أريد أن أسترد حريتي المسروقة. أنا عبيد الجريح، لست مخادعا ولا ماكرا ولا شريرا، وما عدت أطيق لعب دور العاشق الولهان، ولست صاحب وجهين. مسحت رقم هاتفها وخنقت البروفايل بيدي بقوة، خيّل إليّ أن غبارا كثيفا قد تطاير غطى المكان وانجلى عن نصر مؤزر.. جلست ومددت قدمي إلى الأمام ويداي إلى خلفي، تنفست الصعداء، ثم نهضت ونفضت يدي من غبار المعركة وشعرت بنشوة النصر والإرتياح والسعادة الغامرة. سمعت خلفي صهيل خيل طالما ركضت وراءها، حاولت اللحاق بها وهربت، وحين عدت عادت خلفي كعادتها تريدني أن أحاول اللحاق بها من جديد، لكنني هذه المرة صحت بأعلى صوتي: عودي لن أعود أنا..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©