الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أولاند... جهود لاستعادة الشعبية

22 نوفمبر 2012
إدوارد كودي باريس عانى الرئيس الفرنسي، أولاند، من تراجع كبير في شعبيته لدى الرأي العام خلال الأشهر الستة الأخيرة منذ توليه منصب الرئاسة، حيث فشل على ما يبدو في إقناع أغلب الفرنسيين بقدرة حكومته الاشتراكية على ضمان قيادة حازمة لإخراج البلاد من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها. فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً تدنياً في معدل شعبية الرئيس بحوالي 20 نقطة لتصل إجمالي النسبة إلى 40 في المئة، وذلك بسبب خيبة الأمل التي عبر عنها المستجوبون إزاء عدد من القضايا المهمة مثل البطالة التي تجاوزت في فرنسا عتبة 10 في المئة في حين تشير المعطيات إلى احتمال تصاعدها في ظل الإغلاق المتتالي للمعامل وبقاء النمو الاقتصادي بعيد المنال. والحقيقة أن جزءاً كبيراً من متاعب الرئيس الفرنسي وتراجع شعبيته في أوساط مواطنيه يعكس المتاعب التي يواجهها منذ توليه مقاليد السلطة في بلد على غرار دول أوروبية أخرى مجبر على القيام ببعض الإجراءات المؤلمة اجتماعياً واقتصادياً مثل رفع الضرائب وتقليص الامتيازات الاجتماعية والحد من دولة الرفاه المكلفة، يُضاف إلى ذلك، حسب المحللين، ميل أولاند إلى ترك خياراته مفتوحة لأطول فترة ممكنة قبل اتخاذ قرار مناسب، وهو ما يخلق الانطباع بأنه غير واضح في سياساته، وبأنه أيضاً متردد في اتخاذ القرارات الحاسمة، وفي هذا السياق يقول أولاند “أفهم مشاعر القلق والتوجس التي تنتاب العديد من المواطنين بشأن قدرة السياسيين على النهوض بالأعباء ورفع التحديات الراهنة”. ولمواجهة الوضع الاقتصادي غير المريح وتعاظم الدين العام اتخذ أولاند سلسلة من القرارات المهمة سعى إلى تصويرها باعتبارها أساسية لتحريك عجلة النمو الاقتصادي والتحكم في المعدلات المرتفعة للدين العام. وأكد “أولاند” أن تداعيات هذه الإجراءات يجب أن يُنظر إليها بعد مرور خمس سنوات وليس منذ البداية، قائلاً “إن الخيارات التي قمت بها تنسجم تماماً مع التزاماتي ومع أهدافي، والأهم من ذلك تتفق مع مصالح فرنسا التي أحرص على تحقيقها”. والحقيقة أن بعضاً من مشاعر عدم الارتياح التي تنتاب الفرنسيين تأتي من المقارنة التي يعقدونها بين أداء أولاند الحالي وبين سلفه، ساركوزي، المعروف عنه اتخاذه القرارات السريعة والجريئة، بحيث يبدو أن ساركوزي الذي كرهه الفرنسيون في أواخر ولايته عاد إلى الواجهة في استطلاعات الرأي العام منذ هزيمته خلال شهر مايو الماضي في الانتخابات الرئاسية، لا سيما في أوساط مؤيديه. ولعله من الخطوات المثيرة للجدل التي أقدم عليها أولاند في الآونة الأخيرة محاولته تحسين القدرة التنافسية للشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة في القطاعات الصناعية المختلفة من خلال تخفيف عبء الضرائب على الأجراء والموظفين الذين يدفعه أرباب الشركات للدولة والذي يساعد على دفع الامتيازات السخية في المجال الاجتماعي. وفي هذا الإطار صرح رئيس الحكومة، جون مارك إيرولت في الأسبوع الماضي أن الشركات التي توفر فرص عمل جديدة ستستفيد من خصومات ضريبية تستعيدها لاحقاً بقيمة 26 مليار دولار ابتداء من عام 2014 فيما سيتم رفع الضريبة على القيمة المضافة لدفع الفارق. لكن أولاند وقبل أشهر قليلة فقط عندما كان يخوض حملته الانتخابية أدان اقتراحاً مماثلاً برفع الضرائب من قبل ساركوزي، لذا جاءت خطواته الأخيرة المرتبطة بزيادة ضريبة القيمة المضافة وخفض المساهمات الاجتماعية للشركات لتفاجئ المراقبين الذين اعتبروها انقلاباً في المواقف. وفي ردود الفعل الأولية على إجراءات أولاند الاقتصادية عبر الاشتراكيون من خارج الحكومة عن انزعاجهم مما اعتبروه تضحية بالمبادئ الليبرالية من خلال تقديم هبات للشركات ورجال الأعمال، فيما سيكون على المواطن العادي دفع الفارق عبر مشترياته من المواد الأساسية التي سترتفع كلفتها بعد الزيادة في ضريبة القيمة المضافة، هذا الأمر أشار إليه “رايوند كايرول”، الباحث السياسي في لقاء له مع صحيفة “لو فيجارو” قائلاً “نحن أمام رئيس من اليسار الذي بعد أشهر قليلة على انتخابه يقوم بثورة ثقافية عندما تبنى سياسات غريبة تماماً عن اليسار الفرنسي”، هذا في الوقت الذي وصف فيه جون “لوك ميلونشو” من حزب الجبهة اليسارية، الذي صوت أغلب مؤيديه في الانتخابات الأخيرة لصالح أولاند، الإجراءات الأخيرة بأنها “عار”، أما في معسكر اليمين فقد انتقد أنصاره خطوات أولاند باعتباره قليلة ومتأخرة، فقد لاحظ المحافظون أن التقرير الذي بنى عليه أولاند إجراءاته أوصى بخفض الضرائب على الأجور بحوالي 39 مليار دولار وليس قصرها على خصومات ضريبية تسترد لاحقاً، ويضيف اليمين بأنه إذا كان الوضع الاقتصادي متأزماً لدرجة يستدعي معها التدخل، فلماذا الانتظار إذن حتى 2014، وهو التاريخ الذي حدده أولاند لسريان مفعول سياساته الجديدة؟ وتستند هذه الانتقادات في جزء كبير منها على ذلك الانطباع السائد بأن أولاند وفريقه الحكومي قللوا من شأن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بأوروبا وهونوا من تداعياتها على فرنسا، لا سيما بعدما ألمح أولاند مؤخراً بأن التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده أغلب الدول الأوروبية ومن ضمنها فرنسا إنما تندرج في إطار الحلقات الاقتصادية للنظام الرأسمالي وأن النمو سيرجع سريعاً، متوقعاً انخفاض البطالة انطلاقاً من السنة المقبلة، وفي الوقت ذاته أعلن أولاند ووزير ماليته، “ببير موسكوفيشي”، بأن فرنسا ستحترم التزاماتها تجاه الاتحاد الأوروبي بتقليص عجز الموازنة بحوالي 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الهدف الذي يرى العديد من المراقبين بأنه غير واقعي ما لم يعد النمو إلى سابق عهده. ينشر بترتيب خاص مع خدمة “واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©