السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجموعة «البريكس»... وصعوبة اللحاق بالغرب

مجموعة «البريكس»... وصعوبة اللحاق بالغرب
22 نوفمبر 2012
بوشير شارما مدير وحدة الأسواق الناشئة بشركة مورجان ستانلي لإدارة الاستثمارات على مدار السنوات الماضية كان التوجه الأكثر تداولاً في الاقتصاد العالمي هو ما أطلق عليه صعود الباقي وأفول الغرب من خلال اقتراب العديد من الدول النامية من الاقتصادات المتقدمة. وبالطبع كان المحرك الأساسي لهذا التوجه الأسواق الصاعدة الأربعة التي عُرفت باسم “بريكس” في إشارة إلى البرازيل وروسيا والهند والصين، بحيث بدا وكأن العالم يشهد إحدى اللحظات المفصلية في تاريخه اثر ما بدا أنه لحاق القوى الاقتصادية المهمة في العالم بالدول المتقدمة، بل وشرعت في تجاوزاتها أحياناً، هذه التوقعات عادة ما ارتكزت على معدلات النمو العالية التي حققتها الدول الصاعدة ابتداء من أواسط العقد الماضي، والتي كان الخبراء يتوقعون استمرارها إلى فترة غير محددة في المستقبل مقارنة مع التباطؤ الملحوظ في اقتصادات الدول الصناعية المتقدمة. وبالاعتماد على هذا التحليل، ظهرت الصين كقوة اقتصادية عظمى على وشك تجاوز الولايات المتحدة لتصبح الاقتصاد الأول في العالم، وهي الملاحظة التي تعامل معها الأميركيون على محمل الجد، كما يدل على ذلك استطلاع الرأي الذي أجراه معهد “جالوب” خلال السنة الجارية وأشار إلى أن 50 في المئة من الأميركيين يعتقدون بأن الصين هي الاقتصاد العالمي الرائد، رغم أن حجم الاقتصاد الأميركي يتخطى نظيره الصيني بضعفين فيما الدخل الفردي الأميركي يتجاوز دخل الفرد في الصين بأكثر من سبع مرات. لكن وعلى غرار باقي التوقعات السابقة التي حفلت بها الدراسات الاقتصادية في الماضي مثل توقع صعود اليابان خلال الثمانينات كقوة اقتصادية أولى في العالم تثبت الحقائق والمعطيات اللاحقة أن تلك التوقعات بعيدة عن الواقع ولا تستقيم مع التحليل الاقتصادي الرصين، فمع دخول الاقتصاد العالمي في أسوأ سنة له منذ 2009 بدأ النمو الصيني يتباطأ بسرعة ملحوظة لينخفض عن مستوياته السابقة ذات الرقمين إلى ما يناهز 7 في المئة، أو أقل خلال السنة الجارية، هذا في الوقت الذي تعثرت فيه باقي اقتصادات مجموعة البريكس ليتدنى معدل النمو في البرازيل منذ 2008 من 4.5 في المئة إلى 2 في المئة. وفي روسيا من 7 في المئة إلى 3.5 في المئة، أما الهند فقط هبط فيها معدل النمو من 9 في المئة إلى 6 في المئة. والحقيقة أنه لا شيء من هذه المعطيات يدعو للاستغراب، لأنه من الصعب في جميع الأحوال الحفاظ على نسبة نمو عالية لأكثر من عقد من الزمن، لكن يبدو أن الظروف الاستثنائية للعقد الأخير جعلت من هذا الاحتمال سهلاً، فبعد مرحلة من الأزمة خلال التسعينيات وبفضل التدفق السهل للمال على الصعيد الدولي قفزت الأسواق الناشئة إلى الواجهة بشكل جعل من جميع الاقتصادات فرصاً ناجحة للاستثمار. وبحلول عام 2007 بدا وكأن الركود اختفى تماماً من الساحة الدولية، ولم يعد موجوداً، إلا أنه اليوم تبخرت الاستثمارات والتدفق السهل والسريع لرؤوس الأموال وشحت الاستثمارات في الأسواق الصاعدة، بحيث رجع الاقتصاد العالمي إلى وتيرته العادية في النمو مخلفاً وراءه عدداً من الخاسرين وبعض الفائزين. وبالطبع ينطوي هذا التغير الجوهري على بعض التحولات المهمة على الصعيد العلمي، لا سيما في ظل ارتباط الاقتصاد والمال بالقوة، وتأثير ذلك كله على توازن القوى على الساحة الدولية. لكن قبل كل شيء لابد من الاعتراف أن فكرة التقارب، أو لحاق الاقتصادات الناشئة في العالم بنظيرتها المتقدمة هو ضرب من الخيال، فمن بين 180 دولة يتابعها صندوق النقد الدولي هناك 35 دولة فقط تندرج تحت بند الدول المتقدمة، فيما أسواق الباقي هي ناشئة، بل أغلبهم ظل في وضع الدول الناشئة لعقود طويلة. ومن المتوقع أن يبقى على هذه الحال لفترة طويلة قادمة. وفي هذا السياق يلتقط “داني رودريك” الاقتصادي من جامعة هارفارد، هذه الحقيقة بشكل واضح، فقد أظهر أنه قبل عام 2000، لم يقترب الأداء الاقتصادي للدول الناشئة مع تلك المصنفة في خانة الدول الصناعية، بل إن الدخل الفردي بين تلك الدول تصاعد في الفترة مابين 1950 و2000، ومع أن جيوباً قليلة استطاعت اللحاق بالغرب من ناحية تحسين الدخل الفردي فقط، إلا أنها اقتصرت في الغالب على دول الخليج العربي الغنية بالنفط، ولم تبدأ عملية الاقتراب إلا بعد عام 2000 لتعود الهوة بين الجانبين منذ بداية عام 2011. ولسنا هنا بصدد تقديم قراءة سلبية للاقتصادات الناشئة بقدر ما هو عرض موضوعي للحقائق الاقتصادية، فعلى مدار العقود التي تلت عام 1950 فقط ثلث الدول الناشئة استطاعت تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5 في المئة، أو أكثر، وأقل من ربع تلك الدول استطاع الحفاظ على نفس وتيرة النمو طيلة عقدين متتابعين، وخمسها حافظ على النمو لثلاثة عقود متتالية، وفقط ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند وهونج كونج أبقت على نفس معدل النمو لأربعة عقود متلاحقة. فحتى قبل بدء الحديث عن مجموعة دول “البريكس” ما كانت البرازيل مثلاً تستطيع الاستمرار على نفس نسبة النمو المتمثلة في 5 في المئة لعقد كامل من الزمن، أو أن تحافظ روسيا على عقدها الثاني من نفس نسبة النمو. لكن ومع افتتاح العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كانت الأسواق الناشئة، قد تحولت إلى عمود أساسي في الاقتصاد العالمي إلى درجة نسينا معها حداثة المفهوم على الصعيد الدولي وفي الساحة المالية، فأول مرة تم الحديث فيها عن الاقتصادات الناشئة يرجع إلى أواسط الثمانينات عندما بدأ “وول ستريت” يهتم بالاستثمار في تلك الأسواق، وقد ترافق ذلك مع عمليات انفتاح واسعة لأسواق الأسهم في تلك الدول التي سمحت للأجانب بشراء وتملك حصص من الشركات عبر اقتناء الأسهم، غير أن تلك المرحلة انتهت مع الأزمة الاقتصادية التي ضربت تلك الأسواق من المكسيك وحتى تركيا، ففي الفترة ما بين عامي 1994 و2002 خسرت أسواق الأسهم في البلدان الناشئة نصف قيمتها لتتقلص إلى 4 في المئة من التداولات العالمية. ومن عام 1987 إلى عام 2002 انخفضت حصة الدول النامية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 23 في المئة إلى 20 في المئة مع استثناء وحيد تمثل في الصين التي شهدت تضاعف حصتها إلى 4.5 في المئة، وبعبارة أخرى تنحصر قصة الأسواق الناشئة في دولة واحدة هي الصين، ثم جاءت العودة الثانية للاقتصادات الناشئة برجوع الازدهار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2003 عندما بدأ الإقلاع الاقتصادي لتلك الدول كمجموعة متكاملة لترتفع حصتها من الاقتصاد العالمي بشكل ملفت من 20 في المئة إلى 34 في المئة كما هي الحال اليوم، كما أن حصتهم من الأسهم العالمية قفزت من 4 في المئة السابقة إلى حوالي 10 في المئة اليوم. أما الخسائر الكبيرة التي تكبدتها أسواق الدول الناشئة في عام 2008 فقد استرد جزء كبير منها في عام 2009، لكن ومنذ تلك اللحظة عاد الركود مجدداً لندخل مرحلة ثالثة في تطور الاقتصادات الناشئة، وهي المرحلة الحالية التي ستتميز بالنمو المعتدل للعالم النامي وعودة حلقات الازدهار والانكماش المعروفة في النظام الرأسمالي، هذا بالإضافة إلى انهيار عقلية القطيع التي كانت تحكم الدول الناشئة ونزوعها إلى تقليد نماذج اقتصادية بعينها. ومن دون المال السهل والتفاؤل المفرط الذي غذى الاستثمار خلال العقد الأخير فإنه من المرجح أن تكون أرباح أسواق الأسهم في الاقتصادات الصاعدة معتدلة، فالمكاسب التي وصلت في العقد الأخيرة إلى 37 في المئة كأرباح على الأسهم في المعدل، ستتراجع في المرحلة الجديدة إلى 10 في المئة. وفيما عدا أسطورة التقارب مع العالم المتقدم التي راجت على نطاق واسع في السنوات الأخيرة تبقى الدول الناشئة قوى اقتصادية معتبرة في محيطها فقط، كما أن دول “البريكس” مختلفة تماماً عن بعضها البعض ولا يوجد من المشتركات ما يقربها، فهي تنتج نمواً بالاعتماد على مكونات اقتصادية متباينة وغالباً ما تفعل ذلك بالتنافس مع بعضها البعض، فالبرازيل وروسيا على سبيل المثال تعتبران من كبار منتجي الطاقة اللذين استفادا من أسعارها المرتفعة دولياً، فيما الهند التي تعتبر من مستهلكي الطاقة تعاني من هذه المسألة. وباستثناء ظروف غير متوقعة مثل تلك التي شهدناها في العقد الماضي، فإنه من غير المرجح لدول “البريكس” أن تنمو مجتمعة وتحقق انسجاماً في الأداء الاقتصادي، إذ فيما عدا الصين لا ترتبطهما علاقات تجارية متقدمة كما أن مصالحها السياسية نادراً ما تلتقي مع بعضها البعض. ينشر بترتيب خاص مع خدمة “تريبيون ميديا سيرفس”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©