الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تلك البلاد التي تشبهنا

تلك البلاد التي تشبهنا
22 نوفمبر 2012
على الرغم من الأوضاع والتحديات المشتركة بيننا وبين دول جنوب شرقي آسيا على مستوى التنمية واللغة ومشروع بناء الدولة القومية، إلا أن معرفتنا بواقع تلك الدول مثل سنغافورة وأندونيسيا وتايلند واستراليا والصين ظلت لا تتعدى في الغالب المعلومات السياحية أو المعرفة بالتطور الاقتصادي لبعض لتلك البلدان، في حين أن اهتمامنا بتشكيلاتها العرقية ولغاتها ومستويات التنمية فيها ظل غائبا، بسبب ضعف الدور السياسي الخارجي، لتلك البلدان، وتركيزها على قضاياها المحلية، لذلك فإن كتاب “اللغة والقومية والتنمية في جنوب شرقي أسيا”، الذي قام بترجمته (مشروع كلمة) التابع لهيئة السياحة والثقافة في أبوظبي يعد مصدرا مهما لمعرفة ما تواجهه تلك البلدان، من مشاكل وتحديات على المستويات الثلاث اللغة والقومية والتنمية، وما قدمته من حلول لها يمكن أن تطلعنا على عدد من الحلول المقترحة لمواجهة تلك المشكلات والتحديات التي نشترك بها جميعا. إن أهمية الكتاب الذي هو خلاصة ورشة عمل شارك فيها أكثر من عشرة باحثين ومختصين في تلك القضايا من دول جنوب شرقي آسيا، وقام بجمعها والتقديم لها لي هوك غوان وليو سيرياديناتا، تنبع من البحث المركز في أهم القضايا المطروحة على تلك البلدان، وفي مدى الترابط القائم بين جوانب تلك القضايا الثلاث والحلول المقترحة لها، ومدى نجاعتها للخروج من المشاكل المتولدة عنها، لاسيما على صعيد تحقيق التنمية المنشودة فيها. جدل اللغة والقومية يبدأ الكتاب بتعريف المصطلحات الثلاثة التي يحملها عنوانه مبينا أن الربط فيما بينها يعد حديث العهد في تلك الدول، مع التركيز الملحوظ على إظهار التباين الكامن على مستوى العلاقة بين مصطلحي القومية والتنمية، مقابل مصطلحي اللغة والقومية، خاصة وأن فكرة القومية حديثة العهد في تلك الدول، حتى إنه من الصعب معرفة ما تعنيه تلك الفكرة بصورة كاملة، نظرا لأن هذا المصطلح نبع من رغبة شعوب تلك البلدان في التحرر من الاستعمار وبناء مفهوم للهوية القومية. من هنا فإن مفهوم القومية الحديث العهد يصبح صعب التحقق في عقود قليلة من الزمن. ويذهب الباحثون إلى القول بأن تطوير مشروع الدولة القومية لابد أن ينجم عنه تهديدات متزايدة بسبب المشكلات المرتبطة بحقوق اللغة للأفراد الذين يعيشون داخل حدود الدولة الوطنية لكل بلد منها. وبعد أن يقدم الكتاب تعريفا لمفهوم التنمية الحديثة فإنه يتناول تاريخ عملية التنمية في تلك البلدان التي ظلت على مدار قرون تشهد عمليات تنمية تدريجية، الأمر الذي جعل منها تنمية غير حديثة، كالتي يعرفها العالم الذي يتطور بسرعة شديدة، لاسيما في ظل العولمة التي باتت تخرج عن نطاق سيطرة الجميع. تحديات التنمية الداخلية تزداد مشكلة التنمية تعقيدا في تلك البلدان نتيجة وقوعها تحت ضغط شديد لسعي الجميع وراء النمو ومحاولة العالم الذي يعمل بشراسة لتحقيق التنمية والتطور، لذلك يرى الباحثون أنه إذا لم تستطع هذه البلدان أن تطور نفسها، فإنها سوف تواجه مشاكل حقيقة مع شعوبها، وبالتالي فسوف يزداد التوتر بين الدولة والمجتمع. في ضوء ذلك تبدو تلك الدول إزاء ضغوط قوية على قياداتها السياسية، حيث تظهر نتائج ذلك في مشكلات بناء القومية وتحقيق التنمية بسبب وجود لغات وقوميات متعددة داخل كل بلد من تلك البلدان، إضافة إلى وجود اللغات الفرعية والجماعات شبه القومية فيها. إن موضوع اللغة لا يرتبط بمفهوم الدولة القومية وحسب، بل هو يتجاوزه إلى عملية التنمية، فقد ساهمت عمليات بناء الدولة في تعزيز مكانة بعض اللغات الأجنبية كالانجليزية، وأضعفت لغات، وقضت على لغات أخرى. من هنا فإن الضغوطات التي تمارسها عملية التنمية على تلك الدول تتعارض مع الضغوط التي تمليها عملية بناء الدولة القومية فيها، حيث يعود ذلك إلى حد كبير إلى أن مشروع التنمية، يتطلب حاجات للتمتع بمستوى معيشة جيد، لكي لا يثور الشعب على قيادة الدولة، إضافة إلى أن المهارات اللغوية المطلوبة لتحقيق التنمية لا تماثل الاحتياجات اللغوية لتحقيق التضامن القومي. إن تلك التعارضات كما يرى الدارسون لم تنشأ من انعدام الحدود على المستوى الاقتصادي، بل نجمت عن تزايد الإقبال على تعلم اللغات العالمية كالانجليزية على حساب اللغات القومية. ويكشف الدارسون عن مدى الصلة التي أظهرتها العولمة بين اللغة والتنمية وتحديدا بالنسب لمسألة امتلاك المعرفة العلمية لأغراض التنمية الاقتصادية، كما تجلى في محاولات سنغافورة اتخاذ الانجليزية وسيطا للتعليم منذ الاستقلال، وفي قرار الحكومة الماليزية جعل الانجليزية وسيطا للتعليم في مادتي الرياضيات والعلوم، إضافة إلى ما قامت به دول جنوب شرقي آسيا لإعادة التفكير في سياسة اللغة القومية الخاصة بها. اللغة القومية إن الإشكاليات التي طرحتها مسألة اللغة القومية في تلك البلدان استدعت منها البحث عن حلول جدية لها، وهو ما يحاول الباحثون في جزء آخر من الكتاب مناقشة الكيفية التي تم فيها اختيار اللغة القومية والسياسة التي وضعت لأجل ذلك، والوضع الذي آلت إليه اللغات الأخرى غير القومية، سواء منها اللغات الإقليمية أو العالمية. وفي الفصلين التاليين يحاول الدارسون دراسة مجال سياسة التعليم ثنائي اللغة في الفلبين، وكيف لم تتحول لغة الأغلبية في إندونيسيا إلى لغة قومية للبلاد بعد الاستقلال، إضافة إلى مناقشة التقييم المتغير لمكونات الأدب القومي. أما بالنسبة إلى سنغافورة متعددة الأعراق فقد عملت الدولة على تأكيد وظيفة اللغة في بناء الدولة القومية في إطار الهوية السنغافورية الأصيلة، لكن ذلك كما يرى الدارسون لم يمنع الدولة من دعم ثنائية اللغة الأم والانجليزية. وفي ماليزيا ارتكزت اللغة الملاوية إلى فكرة القومية المتجانسة لغويا، إلا أن ظروفا حالت دون انتهاج سياسة استيعابية محددة، بعد أن برزت ضرورة الوصول إلى اتفاق بين الأعراق المختلفة، ما أدى إلى تقييد لغة الملايو كلغة قومية، وتقييد سياسية التعليم. وتعتبر تايلاند المتنوعة لغويا وثقافيا مثالا آخر على تلك السياسات، إذ شهدت محاولات استيعاب حقيقية في البداية، تلاها تشكل ترتيب هرمي من أجل تحقيق الوحدة والأمن القومي على أساس وجود لغة واحدة وثقافة واحدة أدى إلى نشوء ترتيب هرمي للمجتمع الملاوي. وتعد مينامار من أكثر دول جنوب شرقي آسيا إشكالا على مستوى الأعراق التي تعيش بها، والتي يبلغ عددها 135 عرقا، ترافق مع اختلاف كبير في لهجاتها ولغاتها بحيث أصبحت اللغة مصدرا كبيرا للمشكلات التي تواجهها، الأمر الذي دفع حكوماتها المتعاقبة منذ الاستقلال إلى محاولة بناء مشروعها القومي انطلاقا من تاريخ وثقافة الأغلبية العرقية، وهي جماعة البورميين. لقد ركزت تلك السياسة على سياسة اللغة وبناء القومية عبر محاولة الدولة تدريس اللغة البورمية في مجتمعاتها المختلفة، دون أن تقابل تلك السياسة بالاستياء، نظرا لكون تلك الأقليات العرقية كانت تستطيع أن تدرِّس لغاتها إلى مرحلة ما قبل الدراسة الجامعية. ومع الانتقال إلى مرحلة الحكم الاشتراكي التي اتسمت بالصرامة في بناء الدولة القومية فإن تلك السياسة قد اختلفت، وكذلك كان الأمر في مرحلة مجلس الدولة للسلام التي اعتبرت فيها اللغة البورمية لغة رسمية للبلاد من أجل الحفاظ على وحدة البلاد. الكتاب: اللغة والقومية والتنمية في جنوب شرقي آسيا المؤلف: مجموعة من الباحثين إعداد: لي هوك غوان وليو سيرياديناتا ترجمة: ياسر شعبان الناشر: مشروع كلمة - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©