الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا اللاتينية··· وشفا حرب قادمة

أميركا اللاتينية··· وشفا حرب قادمة
9 مارس 2008 01:47
ها قد عاد الهدوء مجددا إلى القارة اللاتينية بعد نزع فتيل الأزمة الأخيرة بإعلان المصالحة بين فنزويلا وكولومبيا على هامش قمة ''الريو''؛ فلسنوات عديدة لم تشهد أميركا اللاتينية حرباً حقيقية، لكن مجموعة من القادة، الذين يبدو أنهم حنوا إلى زمن الحروب، يهددون بتعكير صفو هذا الهدوء بعدما عبأت فنزويلا والإكوادور قواتهما على حدودهما مع كولومبيا، وعلى غرار رجال الدين المهتمين فقط بأمور ما بعد الحياة، يتظاهر باقي قادة المنطقة بالاهتمام بالمشكلة من خلال ترديد العبارات الرتيبة نفسها عن احترام السيادة الوطنية للدول، كان آخرها قيام ''منظمة الدول الأميركية'' بإنشاء لجنة للتحقيق في الحادث· كانت الذريعة التي اختارها ''هوجو شافيز'' لتبرير حشد قواته على الحدود الكولومبية -رغم أن الأمر لا يمس بلده إطلاقا- هي ''القتل الجبان'' الذي أقدم عليه الجيش الكولومبي في نهاية الأسبوع الماضي لعناصر متمردة تحصنت داخل الأراضي الإكوادورية، والأكثر من ذلك حذر ''شافيز'' من أنه إذا خرقت القوات الكولومبية الحدود الفنزويلية كما فعلت مع الإكوادور فإنه سيرد بإرسال جنوده ودباباته وطائراته التي اشتراها من روسيا، ولم تكتف ''كاركاس'' و''كيتو'' -عاصمة الإكوادور- بحشد قواتهما، بل قطعتا علاقتهما الدبلوماسية مع ''بوجوتا''، وفيما يرى بعض المحللين بأن المشكلة الأساسية تكمن في الرئيس الكولومبي ''ألفارو أوريبي'' الذي خرق الحدود الإكوادورية، وبأن تركه دون عقاب سيحول أميركا اللاتينية إلى بؤرة ملتهبة للصراع شبيهة بالشرق الأوسط، تبقى الأسباب الحقيقة للنزاع أبعد من ذلك· والحقيقة أن العوامل الأساسية وراء الانتقادات الموجهة للرئيس الكولومبي ''أوريبي'' تكمن في علاقاته الوثيقة مع ''واشنطن'' وتعاطيه الفاتر مع يساريي أميركا اللاتينية الذين إما يقدسون ''شافيز''، أو يخافون من انتقاده علناً خشية المس بمؤهلاتهم اليسارية· والواقع أن لا أحد بمنأى عن المسؤولية، إذ انتهكت كولومبيا فعلا سيادة الإكوادور بخرق حدودها، وهي تعترف بذلك، كما انتقدت حكومات أميركا اللاتينية هذا الانتهاك وعبرت عن عدم رغبتها في الانجرار إلى مشاكل كولومبيا الداخلية وصراعها المستمر مع المتمردين· لكن فنزويلا والإكوادور انخرطتا في الصراع بتهديداتهما الخطيرة وبتحريكهما لقواتهما المسلحة، بل إن الرئيس السابق للمكسيك ''فيسينتي فوكس'' صرح الأربعاء الماضي في جامعة ''ستانفورد'' قائلا: إن الرئيس الفنزويلي ''قريب جداً من المتمردين الكولومبيين، وهو جزء من المشكلة''، والمؤكد أن مقتل ''راوول ريس'' -صديق ''شافيز'' والقائد البارز الذي يحتل المرتبة الثانية في ''القوات المسلحة الثورية الكولومبية''، يوم السبت قبل الماضي- شكل ضربة قوية للمليشيات المسلحة التي تحارب الحكومة الكولومبية منذ سنوات عديدة· لكن الحادثة يجب أن توضع في سياق الصراع المستمر بين الحكومة والمتمردين والذي دام لأكثر من أربعة عقود، فقد ألحقت المليشيات الثورية المناوئة للحكومة والأخرى اليمينية التي شُكلت رداً عليها الكثير من الأذى للشعب الكولومبي، وفي كثير من الأحيان مارست تلك المليشيات القتل العشوائي واختطاف المدنيين العزل، غير أن العنف تراجع بشكل واضح في عهد الرئيس ''أوريبي''؛ وبفضل الدعم الأميركي المكثف للقوات الحكومية تقلصت أعداد المليشيات المسلحة من 16 ألف جندي إلى قوة صغيرة تتراوح بين 6 إلى 8 آلاف رجل، ومع أن القوات المسلحة الثورية ادعت على الدوام أنها تسعى إلى إطلاق ثورة اشتراكية، إلا أنه طيلة الخمس عشرة سنة الأخيرة تحولت المليشيات إلى منظمات تتاجر في المخدرات وتحتمي في البلدان المجاورة، وقد كان لافتاً قبل بضعة أسابيع أن ''شافيز'' منح مباركته للقوات الثورية الكولومبية، معتبراً أنها ''جيش حقيقي يملك مشروعاً سياسياً بوليفاريا'' في إحالة إلى هدفه الخاص بإقامة اشتراكية ''بوليفارية'' في أميركا اللاتينية، ودعا الرئيس ''أوريبي'' وآخرين إلى الاعتراف بتلك المليشيات على أنها قوات وطنية مشروعة· وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك الأوصاف التي أطلقها ''شافيز'' على حكومة ''أوريبي'' من أنها ''دولة إجرامية وإرهابية''، يتضح رفض فنزويلا للرئيس الكولومبي المنتخب على حساب جماعة مسلحة يرفضها معظم الكولومبيين، فقد أعادت الغالبية الساحقة للمواطنين في كولومبيا انتخاب الرئيس ''أوريبي'' الذي جعل من القضاء على المليشيات الثورية هدفه الرئيس، وحسب آخر استطلاعات الرأي عبر 83 بالمائة من الشعب الكولومبي عن تأييدهم للهجوم الذي شنته القوات الحكومية على المتمردين يوم الأربعاء الماضي، ومن جانبها تصنف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلا عن العديد من الحكومات القوات الثورية الكولومبية ضمن ''التنظيمات الإرهابية'' بسبب انخراطها في عمليات قتل واختطاف المواطنين، واستهدافها للمؤسسات السياسية في كولومبيا· ومن ناحيته رد الرئيس ''أوريبي'' على الانتقادات الإقليمية قائلا: ''إننا لسنا دعاة حرب، لكننا لسنا ضعفاء أيضاً ولا يمكننا أن نسمح للإرهابيين، الذين يتخذون من بلدان أخرى ملاذا لهم، بسفك دماء مواطنينا''، والحال أنه إذا لم يستطع القانون الدولي الترخيص للدول بالدفاع عن نفسها كما هو الأمر في هذه الحالة، فإنه سيفقد كل معنى في وقت يحتاج فيه العالم لقوانين قابلة للتطبيق ومراعية للواقع· ويليام راتليف باحث في مؤسسة هوفر التابعة لجامعة ستانفورد الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©