الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسئلة العلاقات السودانية - الإيرانية!

17 نوفمبر 2012
إن أهم وأخطر “توابع” حادث ضرب مجمع اليرموك الحربي في السودان أنها قد كشفت حقيقة الأزمة الداخلية التي يعيشها تنظيم “الإخوان المسلمين” في السودان. كان الناس عامتهم وخاصتهم يتحدثون قبل الهجوم على مصنع اليرموك عن “خلافات” وصراعات وعن تيارات مختلفة داخل المجموعة الحاكمة الفعلية وكانوا يتحدثون عن صقور وحمائم ومتشددين شديدي التطرف والعنف وعن “إخوان” طيبين ودعاة اتفاق ومصالحة مـع المعارضة. وكان البعض يمضي في تسمية قادة هذه التيارات المختلفة من أعضاء وقادة التنظيم، وقد شجعهم على ذلك ما نشر وكتب من تعليقات عقب مذكرة المصارحة والنقد التي وجهها بعض كوادر الحزب وخاصة أولئك الذين جاهروا برأيهم حول فساد النظام وخيبة أملهم في بعض رفاقهم الذين أصبحوا عنواناً ورموزاً للثراء ونهب المال العام ومشاركة “الأجانب” في تملك أراضي السودان الزراعية. وجاء حادث اليرموك ليدمر ليس المجمع الصناعي الحربي وحسب، بل ليؤكد ما كان الناس يتداولونه عن أحداث وحكايات وعن صراعات وخلافات التيارات المختلفة داخل التنظيم الحاكم وما يقوله الكتاب والصحفيون والسياسيون العالمون بأحوال الحزب والمبشرون بتصدع النظام ودخوله دائرة الانهيار الذي سيقود إلى حرب “أهلية إخوانية”. وقد أكدت ذلك تلك الربكة والفوضى واختلاف أحاديث وتصريحات المسؤولين بعد الهجوم الإسرائيلي على اليرموك وقد بدت الحكومة في حالة مرتبكة والأدلة على ذلك جاءت على ألسنة المسؤولين. فمثلاً يعلن وزير الخارجية “كرتي” ربما وفق خطة لإضعاف التيار المناوئ له ولجماعته أن الخارجية ليس لها علم بزيارة البارجتين الإيرانيتين إلى بورتسودان وقد قرأ النبأ في الصحف علماً بأن الخارجية كان قد سبق لها واعتذرت لإيران عن عدم استعداد السودان لزيارة بوارجها ومع ذلك فقد تمت الزيارة بموافقة لا يعلمها حتى الوزير المسؤول عن السياسة الخارجية. ويكرر القـول فـي لقـاء مـع قنـاة “الشـروق” أن عدم التنسيـق بين الأجهزة الحكوميـة هو أحد نتائج هـذا الصراع الحزبـي فالقيـادة منقسمة علـى نفسهـا حول العلاقـة مـع إيران وبالتالي “حماس” و”حزب الله” وكل توابع وسياسـات إيران التـي تقلـق العالم العربي، وخاصة دول الخليج الصديقة للسودان، وتيار آخر يريد التحالف مع إيران ومستعد للذهاب إلى أبعد من ذلك. بل ثمة من يقول إن هنالك تحالفاً مؤكداً بين السودان وإيران لم يعرض على كل أعضاء مكتب قيادة التنظيم. ويؤكد ذلك حديث النائب الثاني لرئيس الجمهورية الدكتور الحاج آدم (العائد من جديد للتنظيم الحاكم الذي خرج عليه مع الترابي وكان أحد أركان حزب المؤتمر الشعبي ومسؤوله في دارفور) فقد قال أمام مجلس ولاية الخرطوم (برلمان الخرطوم): “إننا سندعم “حماس” وسنعمل مع إيران ولا يخيفنا الهجوم على اليرموك”، ذلك في وقت كان وزير الخارجية يؤكد للسفراء العرب (خاصة سفراء دول الخليج) أن السودان لن يسمح لإيران بأن تجعل منه قاعدة للهجوم على أي بلد عربي. وفي وقت كان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة يعلن عقب الهجوم على اليرموك عن اختراق في القوات المسلحة (اضطر للتراجع عنه ونفيه فيما بعد)... والنظام الحاكم لم يقل للسودانيين كيف ولماذا هاجمت إسرائيل بلدنا وما علاقـة ذلك بزيارة البوارج الإيرانية إلى ميناء بورتسودان وبقائها لمدة يومين ودعوة المواطنين هنالك وحسن استقبال طاقمها لهم خاصة الأطفال الذين تجولوا في البارجتين. إن وزراء السلطة ومعهم مجلسهم التشريعي (البرلمان) مشغولون بتبادل الاتهامات ويحاولون صرف نظر السودانيين عن العلاقة مع إيران... التي أصبح لها وجود حقيقي في السودان ولها أنصار تحولوا إلى شيعة، ولها مراكز ثقافية منتشرة حتى في أحياء أم درمان الشعبية، ولا يهمها أمر السودان فما تريده أن يكون لها حضور إقليمي، وكأن حكومة السودان مستعدة لتحقيق ذلك تحت دعاوى الثورة الإسلامية ومحاربة إسرائيل والدفاع عن الفلسطينيين... والنظام الذي يواجه مصاعب حقاً ويعرف خلافات حول تقاسم ثروات السودان بين مجموعاته الممسكة بمفاصل السلطة قد يصل به الأمر إلى حرب داخلية، فكل مجموعة من الحكام الفعليين لها “قواتها المسلحة. ففي التاريخ القريب أن الأحزاب العقائدية قد أدخلت بلادها النفق المظلم بحروبها الداخلية وخير شاهد هو اليمن قبل الوحدة وسوريا. وليس أمام الشعب السوداني سوى مخرج واحد، هو التغيير وأن يعد نفسه لتحمل مسؤولية البلد وحفظه من الفوضى والاقتتال عند حدوث التغيير السياسي... والتخوف من أن يقوم السودان المتصدع بإحراق الوطن كله بنيران الفتنة لا معنى له والشعب السوداني بتجربته الطويلة والناجحة مع أمثال هذا النظام قادر على ذلك وأكثر. ولا شك أن أي تغيير أو تحديث يقتضي التوافق والتفاهم بين جميع ألوان الطيف السياسي السوداني، ووضع أجندة غايتها ونهايتها الأولى والأخيرة، تحقيق المصالح الوطنيـة العليـا، بأكثر الطرق فاعليـة وسلمية. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©