الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الطاقة المتجددة.. ضرورة ملحة

الطاقة المتجددة.. ضرورة ملحة
9 ديسمبر 2014 22:19
شهد العالم في عام 2014 تحولات كبيرة على صعيد مواجهة تغيّر المناخ، إذ استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال شهر مايو الماضي «اجتماع أبوظبي رفيع المستوى»، الذي سعى إلى حشد زخم أكبر لإنجاح «قمة الأمم المتحدة للمناخ». وترافق انطلاق هذه القمة في سبتمبر الماضي بنزول الملايين إلى الشوارع في مختلف أنحاء العالم ضمن أكبر تظاهرة للمناداة بمواجهة ظاهرة تغيّر المناخ. وفي نوفمبر، وجهت «اللجنة الدولية للتغيرات المناخية»، الجهة العلمية المعنية بدراسة الاحتباس الحراري، تحذيراً بضرورة أن تسارع الدول إلى خفض الانبعاثات الكربونية أو مواجهة التداعيات والكوارث. ويجتمع خلال الشهر الحالي ممثلون عن 193 دولة في العاصمة البيروفية ليما بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي حاسم قبيل انعقاد «قمة الأمم المتحدة للمناخ» في باريس العام المقبل. ويشير ذلك إلى تبلور فهم عالمي بأن الوقت قد حان للتحاور بجديّة واتخاذ قرارات فاعلة بشأن قضايا المناخ. وبدأت الحكومات ترقى إلى مستوى هذا التحدي. ففي نوفمبر الماضي، أعلنت حكومتا الصين والولايات المتحدة - أكبر اقتصادات العالم والمسببين الرئيسيين لانبعاث الغازات الدفيئة - عن مضافرة جهودهما لخفض مستوى انبعاثاتهما الكربونية. كما تعهدت أكثر من 20 دولة بتقديم 10 مليارات دولار أميركي إلى «صندوق المناخ الأخضر»، مما يتيح فرص الاستفادة من مليارات الدولارات في مشاريع الاستثمار الخاصة بقطاع التكنولوجيا النظيفة. وفي غمرة هذه التطورات، يسود توجّه متنامٍ؛ وهو أن الأعمال في مجال الطاقة المتجددة لم تكن أفضل حالاً من اليوم مع استمرار تراجع تكاليف تقنيات الطاقة المتجددة. وخلال الأعوام الخمسة الماضية، تراجعت أسعار ألواح الطاقة الشمسية بنسبة 75%، وأصبحت طاقة الرياح البريّة الخيار الأقل تكلفة لتزويد شبكات الكهرباء الجديدة في العديد من بلدان العالم، بما فيها الدول التي تنخفض فيها تكلفة الغاز الصخري مثل الولايات المتحدة؛ الأمر الذي يؤكد أن الطاقة المتجددة باتت الحل الأمثل لتغذية المناطق خارج إطار الشبكات الكهربائية. من جهة أخرى، أصبحت التكنولوجيا النظيفة من أبرز التوجهات السائدة، حيث إن قيمة الاستثمارات العالمية في توليد الطاقة المتجددة تجاوزت نظيراتها التي تعتمد على الوقود الأحفوري على مدى 3 سنوات متتالية، فوصلت قيمتها إلى 250 مليار دولار سنوياً بزيادة 5 أضعاف ما كانت عليه قبل 10 أعوام. وتتسع اليوم مصادر تمويل الطاقات المتجددة بشكل سريع، ومن المتوقع أن تصل قيمة السندات الخضراء إلى 37 مليار دولار بحلول نهاية العام الحالي، وهذا يتجاوز ضعف المستويات المسجلة في عام 2013، ومن المتوقع أن تصل إلى 100 مليار دولار بحلول 2015. ويؤكد تقرير صدر مؤخراً عن «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» أننا نمتلك اليوم التكنولوجيا والخبرات المعرفية والعملية التي تمكننا من مضاعفة الحصة العالمية للطاقة المتجددة من 18% إلى 36% بحلول عام 2030. وإن هذه الجهود - إذ ما ترافقت مع إجراء تحسينات لكفاءة الطاقة - ستشكل درعاً يحمينا من كوارث المناخ، وتضمن الحصول على الطاقة بتكلفة منخفضة. ولكن لماذا القلق إذا كانت الطاقة المتجددة ذات تكلفة منخفضة بطبيعة الحال؟ أليس من الطبيعي أن تبدي الأسواق اهتماماً بهذا التوجه نحو الطاقات النظيفة؟ للأسف.. الإجابة مخيبة للآمال. فبدلاً من مضاعفة الحصة العالمية للطاقة المتجددة في 2030، تتوقع «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» أن لا تتجاوز هذه الحصة 21% فقط بحلول ذلك العام في ظل ظروف العمل الاعتيادية؛ وهذا غير كافٍ لتلافي تغيرات المناخ الكارثية. ويشير ذلك إلى أن القضية لم تعد تقتصر على التكلفة فحسب، وإنما أصبحت تستدعي إعادة النظر في نظام الطاقة بشكل عام. وفي حين نقوم بتوليد الكهرباء التقليدية في منشآت مركزية ضخمة، تمتاز الطاقة المتجددة بأنها متنوعة وقابلة للتوزيع، كما أن التدفق الكهربائي يصب في كلا الاتجاهين. وقد بات المستهلكون بمثابة منتجين للطاقة؛ وتشهد الأسواق دخول لاعبين جدد بما فيهم تجار التجزئة، وشركات التكنولوجيا، ومؤسسات المجتمع. من جهة ثانية، تتطلب هذه التغييرات اعتماد نماذج أعمال ونظم إدارة جديدة، وعدادات ذكية، وتقنيات متقدمة للتخزين، فضلاً عن ابتكار نظم جديدة للتوصيل والربط المشترك في الشبكات المتطورة، وتوفير طرق جديدة للتمويل العام للحد من المخاطر. ويتعين على الحكومات التركيز على موضوع التوازن والتكافؤ عبر إعادة النظر في دعم الوقود الأحفوري. ومن هذا المنطلق، فنحن بحاجة ماسة لدعم المباني الخضراء والسيارات الكهربائية والوقود الحيوي، خصوصاً أن ثلاثة أرباع الطاقة التي نستخدمها موجهة للتدفئة والنقل. وليس من السهل القيام بذلك، ولكن العالم نجح سابقاً في استبدال نظم الطاقة محققاً نقلات نوعية على صعيد الازدهار الاقتصادي. لذا يمكن السير على نفس الخطى مجدداً، وكل ما نحتاج إليه لذلك هو سرعة اتخاذ وتطبيق الإجراءات. إن الدعم الراسخ الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة لـــ «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة»، والرؤية المتبصرة التي تمثلها من خلال مدينة «مصدر»، تشكل أمثلة تحتذى للأفكار المبتكرة والطموحة التي يرتكز عليها هذا التحول. ولا شك في أن اعتماد البلدان على الوقود الأحفوري لتحقيق الازدهار يعكس صوابية الرهان على المصادر المتجددة، ويوجه رسالة قوية إلى العالم بأسره. ولكن ينبغي أن نتخطى موضوع الرسائل والأقوال وننتقل للتركيز على الأفعال. فقد حان الوقت للانتقال بشكل عملي إلى نظم الطاقة المتجددة، وليس بمقدورنا تجاهل الأمر أكثر من ذلك. * مدير عام «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©