الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

محاكمة محمد علي بقوانين العصر الحالي ظلم كبير

22 ابريل 2007 01:00
القاهرة - محمد عز العرب: رغم مرور أكثر من قرنين على تولي محمد علي حكم مصر، مازال الحاضر الغائب في التحليل والتفسير لمأزق الدولة الحديثة· فهناك اتجاه يتحيز لأسطورة محمد علي والآخر يتجاهل تجربته ويقلل من أهميتها على اعتبار أن دولته كانت احتكارية بما لا يسمح بأن تكون تحديثية· وفي ندوة ''محمد علي ومشروع بناء الدولة الحديثة'' بمركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة، قالت د· منى البرادعي - عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - إن تكوين امبراطورية لـ''محمد علي'' مركزها مصر لم يكن عملا عفويا وإنما استلزم تسخير الطاقات المتاحة في وادي النيل، بحيث فرض نظام الاحتكار أي تركيز معظم الدخل الإنتاجي القومي في يد الحاكم، واستعان في تحقيق مشروعاته بفريق من الأجانب وخصوصا الفرنسيين، وأنشأ جيشا وأسطولا كبيرين مما أدى إلى تحالف الدول الأوروبية ضده لمنع قيام دولة عربية كبرى· وأوضح د· سيف الدين عبد الفتاح - أستاذ النظرية السياسية بجامعة القاهرة - أن مشروع النهضة في عهد محمد علي يقوم على القوة العسكرية والقدرة الاقتصادية والبعثات التعليمية والنواحي الثقافية منتقدا البنية الفكرية المصرية السائدة في ذلك الوقت لدعم نظرية الرجل العظيم والحاجة إلى الاستبداد، بالإضافة إلى ما قام به بعض أعضاء البعثات العلمية من دعاية لطريقة حكم محمد علي· ويرى د· أحمد فارس - مدير إدارة البحوث بوزارة الإعلام المصرية - أن هناك أكثر من عامل ساعد محمد علي على إخماد الانتفاضة الشعبية ضده في منتصف عام 1809 أهمها غياب وعي الجماهير بحقوقها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعدم صدق معظم القيادات الشعبية في التعبير عن المصالح الحقيقية للمواطنين نتيجة لفساد معظم هذه القيادات ونفاقها للحاكم وحرصها على مصالحها الخاصة، وسياسة الترهيب التي انتهجها محمد علي إزاء معارضيه، والتي أثارت الرعب في قلوب المواطنين خاصة بعد نفي عمر مكرم· وذكر أن محمد علي بعد تخلصه من الزعامة الشعبية أصبح يستمد قوته من احتكاره لمصادر القوة الاقتصادية وامتلاكه للقوة العسكرية، فضلا عن منصبه الرسمي الذي مكنه من الهيمنة على هاتين القوتين، وتركزت كافة القوى الفاعلة في يديه وأصبحت له السيطرة الكاملة على مصادرها ومنافذها· وأكد د· أحمد فارس أن سياسات التنمية التي انتهجها محمد علي تشفع له في عدم ديمقراطية نظام حكمه، فعمليات التنمية والتحديث تجعله مؤسس مصر الحديثة وإذا كانت سمات الحكم الفردي وغياب الديمقراطية ما تزال تتسم بها معظم النظم السياسية في العالم العربي بما في ذلك مصر، فإن تلك السمة تبدو طبيعية لنظام الحكم في عهد محمد علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر· وترى د· نازلي معوض - أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة - أن أهم أسباب نجاح التجربة النهضوية في عهد محمد علي اهتمامه بالتنمية البشرية، حيث تسلم موروثا ثقيلا تمثل في إهمال العنصر البشري وخصوصا التعليم إبان حكم المماليك والعثمانيين فعم الجهل وتفشت الأمراض الاجتماعية وكان لإنشاء المدارس وإرسال البعثات واستقدام الخبراء الأجانب اثر كبير في بعث ثورة التنوير التي مازلنا نعيش آثارها· أسس النهضة وقال د· سعيد إسماعيل علي - أستاذ التربية بجامعة عين شمس - إن الجيش الذي كونه محمد علي وفقا للنظم الحديثة لم يكن بإمكانه الامتداد خارج الحدود المصرية إلا عن طريق التعليم، فالمعارك الحربية تجاوزت أن تكون كرا وفرا وتحت ظلال السيوف والرماح، وقامت على استخدام قنابل وبارود مما اقتضى وعيا ومعرفة، مشيرا إلى أن الجيش المصري في عهد محمد علي أوقع الرعب لدى الدول الأوروبية ورفع الراية العربية الإسلامية وحاصر الأطماع الغربية التي كانت تتزايد يوما بعد يوم· وأكد د· عاصم الدسوقي - أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان - أن سبب انتكاسة تجربة محمد علي هو الخارج وليس الداخل، حيث ازداد نفوذه وخطورته على التوازن الدولي وهدد مصالح الدول الأوروبية، وهو ما تكرر مع تولي الخديو إسماعيل حكم مصر من عام 1863الى عام ،1879 فحينما أراد إحياء دور الدولة القائدة في المنطقة استخدمت انجلترا سلاح الديون ضده وانتهى الأمر بعزله ثم احتلال مصر· وقال اللواء زكريا حسين - المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية - أن مصر كانت مطمعا لكل الامبراطوريات، وحلم الكثيرون من الأجانب بحكمها، ونجح بعضهم في الاستقلال بمصر وكان أولهم احمد بن طولون وآخرهم علي بك الكبير، وأصبحت مصر في أواخر القرن التاسع عشر فريسة تتصارع عليها بريطانيا وفرنسا، إضافة إلى تركيا التي كانت تعاني الشيخوخة، وواكب هذا الصراع ظهور شخصية أجنبية طامعة في حكم مصر وهو محمد علي· وذكر أن إحدى المهام التي حرص محمد علي على تحقيقها هي القضاء على الزعامات الشعبية التي ساعدته وأجلسته على كرسي الحكم، وكانت فكرة بناء جيش وطني حديث قوي إحدى أولوياته، حيث جند المصريين ليكونوا العنصر الرئيسي في بناء القوة المسلحة بعد مرور أكثر من ثلاثة وعشرين قرنا من حرمان المصريين من ان تكون لهم اي قدرة عسكرية· وأوضح أن فترة حكم محمد علي مثلت تطورا في القدرة الذاتية لمصر في مجالات متعددة في مقدمتها البناء العسكري للقوة البشرية المصرية، والذي واكبه تطور مصاحب في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية وكانت أطماع محمد علي وحروبه سببا في خسائر مصرية جسيمة في الأرواح والعتاد وترتب عليها مرارة بالغة لدى شعوب البلدان التي امتدت أطماع محمد علي إليها· ويقول د· محمد صفوت عبد الدايم -الخبير بالمركز القومي للبحوث - إن عهد محمد علي من فترات الازدهار التي مرت بها الدولة المصرية باعتبارها نقطة الانطلاق إلى إنشاء مدرسة الري الحديثة التي مازالت تقوم حتى اليوم على رعاية نهر النيل كمورد المياه الرئيسي الذي تعتمد عليه البلاد في تلبية احتياجات شعبها من إنتاج زراعي ومياه شرب وشؤون منزلية وصناعة وتوليد كهرباء ونقل البضائع· وذكر أن محمد علي بدأ حقبة مغايرة على خلاف من سبقوه، حيث اعتبر الاقتصاد أساس السياسة وأن قوة الدولة تتحقق من الصادرات وليس من الواردات، وان التصدير يعني زيادة الإنتاج وتنوعه لتلبية حاجة الاستهلاك المحلي، واستطاع محمد علي خلال عشرين عاما أن يحدث انقلابا في الاقتصاد المصري، وكانت مياه النيل محورا أساسيا في بناء الدولة المصرية الحديثة· أخطاء شائعة ويرى د· علي الدين هلال - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة - أن أحد الأخطاء الشائعة في التحليل السياسي تقييم فترة تاريخية سبقت بمعايير اليوم دون النظر إلى الظروف التي كانت قائمة وقتذاك، أو معرفة طبيعة المرحلة وحدود القيود التي فرضتها موضوعيا ونفسيا على الحاكم، والتي لم يكن من الممكن تخطيها، داعيا إلى إدخال عنصر الإطار التاريخي والظروف السائدة· وقال انه في عهد محمد علي كانت أوروبا مقسمة بين عدد من الامبراطوريات وهي الروسية والعثمانية ولم يكن لأي منهما أن تدعي الكثير من ملامح النظام الديمقراطي، وحتى في البلاد التي شهدت تطورا ديمقراطيا كإنجلترا وفرنسا كان حق الاقتراع مقيدا بشروط مالية واقتصادية، وكانت أكثر الدساتير ديمقراطية في القرن التاسع عشر كالدستور الاميريكي والدساتير الفرنسية باستثناء دستور 1793 الذي لم يطبق تقيد حق الانتخاب بشرطي النصاب المالي والكفاءة· وتساءل د· هلال: إذا كان ذلك هو الوضع في بلاد تمتعت بدرجة أعلى من النضج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي، هل يجوز علميا نقد محمد علي في إطار الواقع المصري على انه لم يقم نظاما ديمقراطيا بالمعنى الحديث· وقال إن الحركة الشعبية التي أوصلت محمد علي إلى الحكم حلقة هامة في الكفاح الديمقراطي المصري لتقييد سلطة الحاكم المطلق، وهي شكل من أشكال العقد الاجتماعي الذي يرتب حقوقا والتزاما لكل من الحاكم والمحكوم تجاه الآخر، والنظام السياسي في عهد محمد علي اتسم بحكم فردي وتركيز للسلطات في يد الوالي وغياب الرقابة الشعبية وغياب المشاركة السياسية· وطالب د· هلال بعدم التهوين من حجم النقلة التي حققها محمد علي في الهيكل الاجتماعي المصري والعلاقات الاقتصادية والإنتاجية، حيث أقام مؤسسات الدولة الحديثة وترك تأثيرا واضحا في شكل الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيها· وأكد أن معظم إنجازات محمد علي الصناعية والتعليمية نبعت من اهتمامه بالجيش وانتهى العديد منها بعد هزيمته العسكرية، لكن مصر لم تعد إلى ما كانت عليه قبل محمد علي، حيث نتج عن هذه الإصلاحات تخلخل النظام القديم وبدء عملية تغيير اجتماعي شملت قطاعات عريضة من المجتمع وأدت إلى مزيد من الاتصال بالعالم الحديث ومعرفة النخبة المتعلمة في مصر بما كان يجري في البلاد المتقدمة، ولعل ذلك يفسر وصف كارل ماركس لمصر في عهد محمد علي بأنها العنصر الحيوي الوحيد في الامبراطورية العثمانية· وذكر أن محمد علي لم ينشئ تنظيمات نيابية بالمعنى الحقيقي، ولا يمكن أن نجد في نظام حكمه تنظيما يسمح بالمشاركة السياسية وأقربها مجلس المشورة الذي أنشأه عام 1829 من كبار موظفي الحكومة والعلماء وأعيان البلاد للاسترشاد برأيهم في المسائل الإدارية والتعليم والأشغال العمومية، لافتا النظر إلى أن عصر إسماعيل شهد بداية المؤسسات السياسية الحديثة فتكون أول مجلس نيابي وكذلك أول نظارة ''وزارة'' وصدرت اللائحة الأساسية لعام 1882 التي تعد نقطة تحول في التطور البرلماني في مصر· وقال د· حسن أبو طالب - رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي العربي- إن تجربة محمد علي في تأسيس دولة حديثة بدأت قريبة الشبه بالنموذج الأوروبي، مستعينا في ذلك بمجموعة الاشتراكيين الفرنسيين في القرن التاسع عشر المعروفين بـ ''السان سيمونيين'' وهي التجربة التي تطورت في اتجاه بناء نموذج الدولة المركزية وساعدها على ذلك طبيعة المجتمع المصري النهري الذي ارتبط تاريخيا بوجود قوة حكم مسيطرة على حركة النهر والزراعة والجباية وحماية كل من الأطراف والمركز، مشيرا إلى أن التجربة لم تأخذ فترة زمنية مناسبة لكي تضرب بجذورها في التربة المصرية، فمحاولات التوسع العسكرية التي قام بها محمد علي رغبة منه في حماية نموذجه في الحكم قادت إلى تدخلات غربية مضادة، نجحت في تحجيم التمدد العسكري خارجيا، ووقف تطور الدولة المصرية الحديثة الوليدة داخليا· ويرى المستشار طارق البشري - نائب رئيس مجلس الدولة سابقا - أن مصدر أزمة الحداثة في مصر مزدوج، ذلك أن تقهقر وضع الدولة المركزية نابع عن التدخل الأجنبي، وهو جزء من السياسة التي صيغت من قبل الدول الكبرى لإخضاع مصر منذ عهد محمد علي، فهذه من الثوابت في تاريخ مصر، الأمر الذي سبب مشاكل عديدة في تكوين الجماعة السياسية، حيث عملت على إضعاف الشعور بالهوية والانتماء، ومن هذه المشاكل ما انعكس على الحياة الثقافية والفكرية بسبب عدم القدرة على الحسم في مسألة من نحن؟ مصريون ام عرب أم مسلمون؟ ويقارن د· قاسم عبده قاسم - أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الزقازيق - بين المشروع النهضوي في عهد محمد علي والمشروع التنموي في فترة جمال عبد الناصر، حيث ارتبط المشروعان بتحدي القوى الدولية العظمى وأبرز الرجلان توجهاتهما الصراعية، وهو ما أدى إلى إجهاض تجاربهما التي كان يمكن أن تغير مسار التاريخ في المنطقة العربية، مشيرا الى ان الخلاف بين الدول الغربية يعتبر خلاف الأصدقاء ولا ينصرف إلى التفاصيل بقدر ما يتعلق بأسلوب تنفيذ هذه التفاصيل، ولعل مقولة محمد علي بعد معاهدة لندن 1840 ''كيف تضرب فرنسا نفسها؟'' حينما تخلت عن مصر تعبر عن هذا المعنى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©