السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حضورك حلم وغيابك كابوس (1)

حضورك حلم وغيابك كابوس (1)
7 ديسمبر 2014 00:01
رحل بوخلف.. نعم رحل.. بكل هدوء وسكينة كما كان شخصه الهادئ ونفسه الساكنة، رحل وقد أخذ من الكثير قطعة من أكبادهم، وأخذ من الأكثر أكبادهم وقلوبهم بأكملها، وأخذ من هذا الوطن دمعة غالية لا يستحقها إلا القليل من أمثاله. هكذا هم الرائعون دائماً عجلون، لماذا لا ينتظرون حتى تشبع النفس منهم وتمتلئ الروح من شغف حضورهم؟.. أحياناً يخال لي أنهم من فرط روعتهم يخشون أن تملهم النفوس التي يسكنونها والأرواح التي يملكونها فيعجلون بالرحيل. كم كان حضورك سيدي حلماً جميلاً لا نود الاستيقاظ منه، وكم كان غيابك كابوساً يجثم على صدورنا، لم يتركنا بعد، ولن يفعل بسهولة. لم ترض أن تلعن الظلام الذي غيب الثقافة والتراث كما فعل غيرك، بل أشعلت من فكرك وجهدك شمعة، لم تلبث إلا أن حولتها مبادراتك الكثيرة، ومجهوداتك الوفيرة لشمس تضيئ العالم العربي، وتعشي بنورها ظلام الجهل الثقافي. فعلاً أتساءل بيني وبين نفسي المكسورة، كيف سيكتب «بومانع» رائعته الوطنية المقبلة وأنت لست على يمينه يناقشك وتناقشه وتشجعه عليها؟ وكيف سيكون قصر الحصن بدونك ونحن نسير باتجاهه في مهرجانه مرتدين «الخزام» وأنت لست بيننا؟ وكيف يكون للشعر العربي أمير جديد بغيابك؟ ومن سيسلم بيرق الشعر لراعي الحفل الختامي ليهديه لمستحقه الجديد؟ ومن سيشكل حروف الكلمة في مشروعها للترجمة؟ وهل سيصبح لطعم الرطب في مزاينته مذاق وأنت لم تحضر قطفه و«خرفه»؟ قليل فعلاً من يفتقدهم البشر بحق، والأقل من يفقده الإنسان والحيوان، أما بوخلف فهو فقيد الإنسان والمكان، وفقيد النبات والحيوان. نعم أيها الراحل على عجل، أنت فقيد إخوتك وأصدقائك، وكل من عرفته وعرفك، وكل من لم تعرفه وسمع عنك، وكل من لم يعرفك ولم يسمع عنك. نعم أنت فقيد قصر الحصن بتاريخه العظيم الذي استدعيته من خلود التاريخ، إلى خلود الواقع الرائع. نعم أنت فقيد النخيل الباسق، وثمرة الطيب، ومزاينته الاحتفالية، والروح التنافسية التي تغني طرباً وفرحاً بهذا العرس الموسمي الجميل. وكم أنت فقيد «الطير» والصقارة التي منحتها على صدرها وسام الاعتراف التاريخي بها كتراث عالمي من قبل «اليونسكو». حميد الحميري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©