الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رواية «وول ستريت»

رواية «وول ستريت»
15 نوفمبر 2012
رغم كل التقدم التكنولوجي الذي كان يمكن استخدامه من أجل مزيد من رفاهية البشر، فإن العالم يعيش الآن لحظات من الخوف بل ويمكن أن نقول من الرعب من مستقبل يبدو غامضا، ساعدت هذه التكنولوجيا على صنعه من خلال أدوات جعلت العالم قرية صغيرة مليئة بالطرق السريعة التي تخترق الحواجز والحدود لتنقل الأنباء السيئة تماما كما تنقل الأنباء الطيبة، وإن كانت السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين جاءت بأنباء سيئة أكثر من أنبائها الطيبة... رغم أن الأمل كان يتجه نحو استغلال تلك الأدوات الجديدة للوصول إلى مزيد من التقارب بين شعوب هذه الأرض بعد ما قيل من انتهاء الحرب الباردة وإمكانية توجيه الموارد الطبيعية لخدمة هذه البشرية، إلا أن هذه الأحادية في قيادة العالم بعد اختفاء الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى دفعت الرأسمالية إلى مزيد من التوحش، والبحث عن المزيد من المكاسب حتى لو كان الثمن سعادة أصحاب رؤوس الأموال أنفسهم فقط برؤيتهم للتكدس الذي يصيب أموالهم، فتحول العالم إلى فريسة مزدوجة من رؤوس الأموال والتكنولوجيا، أصبح العالم فريسة للعلماء ورجال الأعمال. وفي طريق البحث عن إجابة عن العديد من الأسئلة المطروحة على الساحة في العالم الغربي الآن تابعت العديد من الإنتاج العلمي والثقافي والإبداعي ولم يقتصر بحثي في المكتوب باللغة الأسبانية فقط باعتبارها اللغة الاجنبية التي أجيدها ولغة البلد الذي أقيم فيه وأتابع الدنيا من خلال وسائل اعلامه، بل وامتد بحثي إلى ما هو مترجم إلى هذه اللغة أيضا من كتب تلقي ولو ببعض الضوء على هذا الواقع المرعب الذي يعيشه المواطن الغربي، وقبل أسابيع قليلة صدرت الترجمة الاسبانية لرواية “مؤشر الخوف” للكاتب روبرت هاريس لتجسد تلك الرؤية التي ترى أن الأزمة الاقتصادية التي تطحن العالم الغربي وتنعكس آثارها على العالم أجمع نتيجة فراغ الكرة الأرضية من صراع حقيقي من أجل البحث في رفاهية الإنسان، وان الصراع تحول الآن إلى تحالف: العلماء ورجال الأعمال، ولكل منهم هدفه في مواجهة جميع سكان الكرة الأرضية المساكين. وكلمة “المؤشر” مع مرور الوقت وتصاعد الأزمة الاقتصادية دخلت إلى لغة التعامل اليومي، فأصبح من الاعتيادي الحديث ان يبدأ الحديث الصباحي في الباصات والمترو والقطارات عن “مؤشر البورصة” صعودا وهبوطا، والحديث عن “مؤشر حد المخاطرة” أيضا صعودا وهبوطا، حتى تحول الحديث عبثيا، لأن الناس ترى أن هذا “المؤشر” أو ذاك يدفع حياتهم نحو مزيد من التدهور، وأن من يقفون وراء حركة هذا المؤشر لا هدف لديهم سوى الاستمتاع برؤية النتائج الكارثية الناتجة عن تلك الأزمة. في هذه الرواية “مؤشر الخوف” يتجول الكاتب في عالم شارع رأس المال “وول ستريت” حيث الصراع على رؤية مؤشر البورصة في صعود أو هبوط، وكلما صعد المؤشر أصاب البعض بالفرح والبعض الآخر باليأس الذي يدفع بعضهم إلى الانتحار، أي تحول مؤشر البورصة إلى مؤشر للخوف بالنسبة للجميع، فمن ينتظر المكاسب يظل خائفا أثناء مراقبة المؤشر وكذلك الخاسرون يراقبون المؤشر على أمل تعويض الخسائر، وخرج هذا الخوف من نطاق المضاربين في البورصة إلى المواطن العادي الذي ما أن يفتح عينيه حتى يهرول إلى بحثا عن نشرات الأخبار للاطمئنان على وضع “مؤشر الخوف”. في هذا المناخ تقول الرواية إن أحد العلماء العباقرة في مجال التكنولوجيا الحديثة إلى المضاربة في البورصة، واخترع برنامجا اليكترونيا من تلك التي تعمل بها الحواسيب يملك القدرة على التعرف والإحساس على شعور الخوف الذي يسيطر على مناخ المتعاملين في البورصة ويعرف اتجاهاتهم ويراهن في اتجاه الربح، أي يكسب صاحب البرنامج فيما يخسر المتعاملون الآخرون. ولاستكمال القسوة اخترع هذا العالم أيضا “صندوق استثمارات” وهميا ووضعه في إطار المنافسة في البورصة ليجمع من خلاله الأموال التي يريد، وبدا بطل الرواية “هوفمان” كما قال النقاد نوعا من “فرانكشتين”، أي وحش بشري ينمي ما يريد ويقضي على ما يريد في إطار بحثه عن سعادته الخاصة، فكان يحصل هوفمان من خلال برنامجه الاليكتروني الذي أطلق عليه اسم “WIXAL-4” على مكاسب خرافية. تظل أموال هوفمان تتضخم وتزداد أرباحه في البورصة ومع هذا التزايد تنقلب أحاسيسه باتجاه مزيد من العداء تجاه البشر، وتصبح أحاسيسه مجرد معادلات، ويعيش واقعا غير واقعي، يتحول واقعه الخاص إلى شيء بعيد عن الواقع المحيط به ويعيشه البشر، فالبرنامج الالكتروني يحلل المناخ المسيطر على البورصة والمتعاملين فيها ويوجه أموال صندوق الاستثمارات نحو المكاسب على حساب خسارة الآخرين بالطبع، دون أدنى إحساس بالذنب، فالمكاسب تحولت إلى هدف في حد ذاته، إلى أن تأتي لحظة يقرر فيها البرنامج الالكتروني أن تكون له حياة خاصة مستقلة فيخرج عن سيطرة مبدعه ويبدأ في التعامل بشكل منفرد. قد توحي رواية “مؤشر الخوف” أنها رواية بوليسية، لكن كلما تعمق القارئ في صفحاتها أدرك أن الشخصية الخيالية التي أبدعها المؤلف لا تقل حيوية عن أي شخصية روائية أخرى، وأن الكاتب تعمق في فهم وول ستريت وطرق العمل في المضاربات في بورصة الأوراق المالية، إلى درجة أن القارئ يعتقد أنه يقرأ رواية واقعية جدا، حتى البرنامج الالكتروني يتشكل أمام القارئ متخذا هيئة واقعية، ربما ساعد على هذا أن قارئ اليوم غارق أيضا في عالم “الفضاء الافتراضي” حتى أصبح يمثل واقعا موازيا. “مؤشر الخوف” رواية تذكرنا بروايات مصاصي الدماء أو الرجل الذئب، ولكن هذه المرة فإن مصاص الدماء أو الرجل الذئب هو إما رجل أعمال يضارب في البورصة أو عالم تكنولوجيا عبقري يلعب باختراعاته في البوصة مضاربا أيضا، وربما يكون صاحب البرنامج الاليكتروني هو نفسه رجل الأعمال المضارب في البورصة لنكتشف أن العالم قد أصبح فريسة لتحالف مكون من علماء التكنولوجيا ورجال الأعمال المضاربين في البورصة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©