الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سدرة التاريخ والقدرة

سدرة التاريخ والقدرة
15 نوفمبر 2012
هذه الأعشاش، مسامير في لوحك المحفوظ، وأساطير تلون الفصول بلون الزقزقة، والحفيف هديلُ يُؤنس ويحْرِسُ ويغرس، ويكرِّس، ويؤسس للمعنى حكايةٌ وروايةٌ ووشايةٌ وغِوايةٌ وبدايةٌ، ويسردُ اللغة محفوفة بالقداسة والفراسة. هذه القيامة على رؤوس الأشهاد، تغدق وتُغرقُ وتحرقُ قماشة الزمن، بزعيق وشهيق، والله وحدهُ يعرف كيف تنمو الأغصان، عندما ترتوي من رحيق وبريق وعندما تستولي الرعشة أطرافا وأطيافاً، وأسيافاً. هذه المهرة الرهيبة تصْهل بالخضرة وأبد القيام والمقام والأحلام، وترفع النشيد مقامات صوفية عُرفية معرفية، متعافية الأمنيات، مترامية في التحديق متسامية في التشويق، غارسة في الأرض وتدْ الإنتماء، متفشية في الفضاء، قصيدة عصْماء، مُتوحدة مع الوجودِ في سُنبلة وعود، متأملة النسيج الإلهي بحنكة الكائنات المُهذبة وفِطنة الأحباب الأوفياء. هذه خُصلة وخِصلة، هذه فاصلة وبوصلة، هذه قبلة وقُبلة، هذه نخلة ونحلة، هذه صوْلة وجوْلة، هذه فضيلة وفاضلة، هذه قبيلة ومقبلة، هذه جدْيلة مُجندلة، هذه سليلة وسِلسِلة، هذه جدارٌ وسواٌ، ومنارٌ وأطْوارٌ ومسارٌ وحِوارٌ وادْوارٌ، هذه المشهد والمعْبد، والمرْقد، والمرْصد، والمسْند، والأبدُ، والشهدُ، والحدُّ، والسد والسِّد، والنَّهد. رقية الحالمين هذه رقية الحالمين بوعد وعهْد، الذاهبين في أتون الحكاية الرهيبة، الخائضين في مناهل وسواحل، المحدِّقين في عيون الطير المغرد، المتسائلين عن حبيْبة خبأت رسالتها العاطفية عند رمْل الجذر، الراكضين خلف عصفورة خانها الجناح فانكسرت. هذه السِّدْرةُ تحفظ الحروف الهجائية عن ظهر قلب، وتلقن الحمام الهديل، وتحكي للصغار، عن وحشية الليل، عندما تنام الأغصان والأشجان، وتصحو أم الدِّويس تبحث عن قلوب أشفّ من أوراق السدر، لتغرق الأحداق بالأشواق، لدفء ووطء، ومِخدَع لا يخدع، ومَرْتع لا يُفرع، ونفرةُ الملتاع، لعيونٍ كِحلها من أثمد الحرقة. هذه السِّدْرةُ قُدرة وسفَر على سنام الزمن، هي مآب قوسين من وريد وشريان، هي خلفَ الجدران غابة تحرس كائناتها بالظل، هي سماء وارفة بالأخضر، نجومها عصافير، والأجنحة سحابات أرقّ من عينَي إمرأة عاشقة.. هذه السِّدرةُ كأنها التاريخ، بفُصوله وسِدوله وهطوله، وذبوله وجفوله، ونحوله، وفِضوله، كأنها التاريخ الحاكم المخاصم، المتفاقم، كأنها التاريخ المفتش عن سطوره في ثنايا وسجايا وطوايا، الناهض من تربة وترائب، المحتفي بأحلام الناس العاشقين، السارد والشارد في الخضم والأعم، المُحتفي بأحلام الناس العاشقين، السارد والشارد في الخضم والأعم، المتبتل عند محاريب الوَلَه، واللهفة العارمة عند النقطة الجازمة. هذه السِّدرةُ لقطة الحلم، نقطة الحرف، هذه أشواق الجذر للتراب، وتسرب الماء في المآقي احتراقاً.. هذه جزيرة على رمل الذاكرة. هذا الهديلُ الأبدي، يرسم لوحة ملونة بالأمل، ويُغري المُقل، ويطرحُ الأسئلة المتفاقمة ويفتح نافذة للتأمل.. هذا البُعد المترامي في الأفق، يمد غُصناً وفناً، ولحناً، وسُنناً وسَكَناً، وحناناً وجودياً، يطوق الإخفاق بالأشواق ويُذيع خبر الجذر والحِبْرَ والدهر، والعمْر، والبَدر، والبِذر، والفِكر، والقَدَر، والمَطَر، والسهَر، والخِصر والنحرِ، والقتر والقهر، والسورة والصور، والثغر والسَّمر، والسفر والطور، والحُوَر، والأمرَ، والطين والحَجَر، وما مرّ واستولى واستقر، وَحفَر وعبّر، وسوَّر وحوّر وثابَرَ، وغامر وبادر وساوَرَ وحاوَرَ وجاهرَ وبهَرَ ودوَّرَ وطوَّرَ. هذا السليل من دمٍّ وألمٍ، وقيم وشيم وحكمٍ وذِممٍ وزخمٍ وكلِمٍ وقلم، ونجمٍ وغيمٍ، وكظْمٍ ولجْمٍ، وسقمٍ وغمٍّ، وحُلْمٍ وشكْمٍ، ورَدْمٍ، وحزمٍ وجزمٍ وحَسْمٍ وشهْمٍ وسَهْمٍ. هذا النبيل من نخوة الذين صاغوا من العُرُقِ عذوقاً، ونسجوا من التعب ماءاً يُغدق الجِذر رخاءً، ويلون الأغصان بالأخضر، ويكسو الحياة بساطاً من حيوية ويُرسخ في أتون التاريخ أيقونة، ترتلُ آيات الرَّفرفة وتهدي للوجود قدرة الإنتماء. هذا النجيبُ من وجيبِ وصبيب وخبيبٍ ولبيبٍ، ونحيبٍ ودبيبٍ ونديبٍ، وقريبٍ وحبيبٍ، وأريْبٍ، وصوْيبٍ وسَكَيبٍ، هذا الوتد من غرسٍ، ونبسٍ، ومِنْ تداعي الأعضاء حُباً ووجداٍ، وسُهداً وقُرباً وبُعداً. مرهم القلب مِعصم الحب، درهم الدرب، مَعْلم القُطب، سِلّم الحدْب، مُبهم الخطب، مُدْهم الخطب، مِلجم الركب، مِنجم الخصب، مِحْزم الحَطَب، هي سدرة جارفة عازفة غارفة نازفة، عارفة راصفة، زاحفة راجفة، راسغة، راشفة، وارفة واقفةٌ، تزرع الكون بأشرعة ومجاديف، وتكيلُ بالنبق لهفة المتسللين والمتسلقين، والزاحفين على رِكاب ومناكبٍ، وصواخبٍ ومراكبٍ ومناقبٍ وصواحبٍ وسواكبٍ وسحائبٍ، وذوائبٍ وقوالبٍ ومقالبٍ وسوائبٍ، ومآربٍ ومضاربٍ، ومحاربٍ، ومساربٍ، ومشاربٍ وعواقبٍ وكواكبٍ. هي سدرةُ المُنتهى والمبتدأ والأول والآخر، والحُلم المتطور المُسورُ بقيم الأحباب والأصحاب، والانخاب والأسْباب، هي سدرة الفيء المسائي، والقهوة المزللة بالهيْل والزعفران، المُدللة بالينوع والعنفوان المُكللة بالنبوغ والصوْلجان، المُسجلة في نواميس الذكر.. هي سدرةٌ في الحنين، مشاهدٌ وشواهد، وسواعد وأوابد وقواعد، ومقاعد، وفوائد، وقصائد ورائد، وموالد وشرائد، ومواقد، ومكائد، وطرائد، ومراقد. هي سدرة تجوسُ في الحنايا كأنها اللوعة، تشعل الرأس، تُزمل النفس تفضي إلى تاريخ صريح بتصْريح تنبؤ بأن الجذر وريد الأرض، واللون سِحْنة الحياة ومن مرّوا من هنا، كانوا هناك، في الصميم والأديم، يُطهرون الرمل من دُمّلِ البقايا والنفايات، يغسلون الأغصان بالأشجان ويمْلحون الأرض، بِعرقِ الأرق، ويُرتلون آيات الله شكراً على نعمة الإخضرار. هذه السِّدْرةُ مثل الحُلم، تنمو بجذورٍ وأسئلة تكبر في تربة الرأس، تتفرع ويدفع وتكرعُ من كؤوس وحِروز، وتخضرُّ وتحضرُ تُجذرُ الأغصان وتصْبرُ، وتَقْدرُ على اليبابِ تحفلُ بالأصْحابِ والأحباب، وتحتفلُ في كل يومٍ بالوجوه، وتغسلُ العيون بالفرح. عفوية الكائنات هذه السِّدْرةُ، مثل توقِ الفِكرة، تحبلُ بالثمرات والنّبرات تتفتح إزدهاراً في النهار، وفي الليل تخبئ العَويل في حقيبة الظلام، وتحكي للعصافير حِكاية السّهر، ومُفاجآت الضواري، وتنسجُ للفِراخِ حرير الدّفء والطمأنينة، وفي الصباح تنشرُ رائحة الحرية بعفوية الكائنات السخيّة، وتطيب الأجنحة بعرقِ وخفة الريح الجانحة للفياء والخلود.. هذه السِّدْرةُ مثل كلمة تنضج عندما توضح العبارة، تكتسح السطر، كفضاء مُعلق ما بين السماء والأرض، كبحرٍ يسبحُ في دماء الموْجة العارمة، يؤججُ صوْلته العارمة، هذه السِّدرةُ مثل رغبةٍ متفاقمة، تحرقُ وتسرقُ، وتمرقُ وتُغرقُ، وتحدقُ، وتُسفرُ عن مناخاتٍ أشبه بالحنين إلى مكانٍ وزمانٍ، تتجلدُ صبراً عندما تهبُّ ريح مباغتة، وتُحصى عَدَدَ النجوم الغائبة ساعة حُضور القمر. هذه السِّدْرةُ أنثى والِهةٌ غيابتها بأصْلابِ الترابِ، كولْوَلة العصافير في الليل، شوقاً والتياعاً، لضوء يُمشط الرموش ببريق أنيق.. هذه السِّدْرةُ أنثى تُحضر في كل ليلة المعنى والمغزى وتغزِل حرير الزلزلة تفْرش مِلاءة الإحْتواء بأناة وتؤدة، وتنظر إلى الأفق بلهفة العُشاق، وأشواق الوالهات للحظة الحاسمة. هذه السِّدْرةُ أنثى محجبة، سافرة بالصِّبا، وعنفوان المرحلة، تغْسل الأطراف باللهفة وتشهق في وجه العاصفة شهقة الذروة القصوى، ثم تطفئ الجَسَدْ، حبل مَسَدْ، وتتشهد، مُبسملة مُحمدِلة، شكراً للعطاء، شكراً بعد ارتخاء، شكراً لانتماء الروح للروح. هذه السِّدْرةُ أزميلُ زمن، ورحى دقيق العمر، وشراع نفض قماشته في وجه الريح، واستوى جبلاً من طين البذرة، متوارياً في الوجود، هامة تسندُ قامة.. هذه السِّدْرةُ الفارس يهش مفاصل التاريخ، بأعداد الخصوبة، يُفتش عن جواد في الذاكرة كان في ذاتِ زمنٍ، يخلب اللب، ويسلب القلب، ويُطرب الدرب، بِخطى الجامحات، الرافلات شموخاً ورسوخاً. هذه السِّدْرةُ مذهبٌ ومنكبٌ وصحائف وكتب وأسْورٌ من ذهب، تكثر الغبارُ فيزدادُ بريقاً، تنتابها الأسرار فتبدو قداً أنيقاً، تحيط بها الأخبار، تصيرُ خبراً عريقاً، هذه السِّدْرةُ كتابٌ مقدسٌ، تتلوه النجوم، وتُفصح عن نوره الأقمار، هذه السِّدْرةُ الدارُ والمدادُ، والأسرار والأخبار والأنوار والأدْوار والأطوار، والأقدارُ، والأنهارُ والتجار والأطيارُ.. هذه السِّدرة عقلٌ باطن، يحفظ ويسردُ، يُدرك ويغردُ، يكظمُ ويغرد، يكتمُ ويجردُ. هذه السِّدْرةُ الظل والتكوين، الجذرُ والمَعين، الغصنُ ولتلحين، هذه السِّدْرةُ الفضاء المزنجلُ بخلاخيل الخلود، المزمل بتراتيل الوجود، المسَرْبل بأخاييل الزمن الكؤود، ولهذه السِّدْرةُ المنطقة الخضراء في الذاكرة، النقطة والمنطق، في فلسفة الاكتواء، هذه السِّدْرةُ الشَّغَبُ الأصيل لطفولة تبحث عن ذاتٍ فوق الأرْض، تسأل عن “أنا” غيرَ مصْفودةٍ بأغلال اللاءات المتراكمة كأنها الرّمل، المتزاحمة كأنها النمل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©