ترسل إلي مدرسة ابنتي ذات السنوات العشر ابنتي لا المدرسة تعليقاتها وتنويهاتها في كراس خاص تحمله الطفلة معها. هذا حل رائع لأنك تعرف طريقة الأطفال في إبلاغ الأخبار المهمة .. إما أن ينسوا الأمر تماماً أو يخبروك به بعد فوات الأوان، أو ينقلوا لك رسالة مغلوطة .. ذات مرة قالت لي ابنتي إن امتحانات آخر العام تبدأ غداً وكنا في أيلول (سبتمبر) لهذا بدأت أقلق بصدد سياسة الحكومة الجديدة التي اختصرت السنة الدراسية إلى أسبوعين. عندما ذهبت إلى المدرسة عرفت أن الرسالة تقول ´امتحانات الشهر تبدأ بعد أسبوع .. لا تسألني عن كيفية تحول هذه الرسالة إلى تلك، فأنت لا تعرف الأطفال. عندما تنقل لي جدولاً علقوه في المدرسة، أكتشف أن الأسبوع كله أيام ثلاثاء والعطلة يوم الأربعاء والخميس والجمعة .. الخ.
لهذا أرحب بشدة بتلقي هذه التنويهات لأنني أفهم ما يحدث بالضبط. منذ شهر تلقيت الرسالة التالية:
ـ نزف لكم نبأ حصولنا على ترخيص وزارة التعليم، وبهذا صرنا مدرسة معترفًا بها!
أصابني القلق .. إذن فابنتي منذ ثلاثة أعوام في مدرسة غير معترف بها؟ ولماذا لم يقولوا هذا؟ ولماذا تسمح لنا وزارة التعليم بتقديم الأوراق إلى مدرسة غير معترف بها؟ لكن الخطاب يؤكد أن المشكلة قد حلت والحمد لله فلا داعي لإثارة المشاكل.
ظلت ابنتي تذهب إلى المدرسة المعترف بها مؤخراً، حتى أحضرت لي خطاباً يقول:
ـ نزف إلى أولياء الأمور نبأ إزالة مصنع الطوب الذي كان يسبب كل التلوث الذي تشكون منه .
هل كان هناك مصنع طوب؟.. متى؟.. لقد زرت المدرسة عشرات المرات ولم أر مصنع طوب ولا تلوثاً..على كل حال هم يؤكدون أن المشكلة حلت.
ظلت ابنتي تذهب إلى المدرسة المعترف بها التي لم يعد جوها ملوثاً، حتى جاءت تحمل الرسالة التالية:
ـ لم يعد هناك داع للقلق من حوادث الطرق المتكررة أمام المدرسة، لأننا وضعنا مجموعة من المطبات الصناعية. هنيئاً لكم .
هل كانت هناك حوادث؟ يبدو أن ابنتي نجت بمعجزة إذن، كانت في مدرسة ملوثة الجو وغير معترف بها، وكانت الحوادث تدور أمامها بلا انقطاع. هنيئاً لي أن كل هذا قد زال، إنَّ الغد يبدو رائعاً، بعد أيام جاءت الرسالة التالية من المدرسة المتحمسة:
ـ بخصوص عدم وصول كتب اللغة الفرنسية والرياضيات والعلوم، نحيط علم السادة أولياء الأمور بأننا في سبيلنا إلى حل هذه المشكلة .
أنا لا أدرس لابنتي، لذا هرعت أسأل أمها عن هذا الموضوع، فقالت لي إن الخبر صحيح، لكن لا تقلق لأن المدرسة وعدت بحل هذه المشكلة.
لابد أن هذه المدرسة كانت جهنم منذ أسابيع ثم صارت جنة الفردوس، المشكلة أنني لم أعرف ولم يقل أحد من قبل إنها جهنم. هكذا ظلت ابنتي تذهب إلى المدرسة الآمنة المعترف بها التي لم يعد جوها ملوثاً، والتي ستحل مشكلة الكتب غير الموجودة، حتى جاءت بنبأ جديد:
ـ ´بصدد ما قيل عن تفشي وباء الجديري في المدرسة، نزف إليكم النبأ أننا سنقوم بعمل حملة تطعيم عما قريب، برغم أن الخبر غير صحيح .
سألت ابنتي عما إذا كان هناك وباء جديري في المدرسة، فقالت في فخر إن (هيثم) و (آسر) و (غادة) و (أحمد) و (محيي) أصيبوا بمرض يملأ أجسادهم بالبثور، لكن المدير يؤكد لهم أن هذا ليس الجديري... ولماذا لم تقولي هذا ؟.. لأنها نسيت.
كان هذا الكلام منذ ثلاثة أيام قبل أن ترتفع حرارتها، ثم يمتلئ جسدها الصغير بالبثور وترقد في الفراش.
الآن أجد نفسي مضطراً إلى نقلها من هذه المدرسة، لأنني أتوقع أن يصلني بعد أسابيع خطاب يقول:
ـ ´نؤكد لكم أننا قبضنا على السفاح الذي كان يذبح الأطفال ويصنع منهم مربى .
أو: ´نزف إليكم أن هيئة الطاقة الذرية تؤكد أن موقع المدرسة لم يعد ملوثاً بالإشعاع النووي بعد انفجار المفاعل المجاور للمدرسة .
أو: ´نزف إليكم قيام منظمة الصحة العالمية بحذف المدرسة من قائمة المناطق الموبوءة بفيروس إيبولا والحمى الصفراء والإيدز .
دعك من شعوري بأنني غائب عن الوعي، وأب غير مسؤول لا يعرف شيئًا على الإطلاق. أو ربما قررت أن أبقي ابنتي حيث هي باعتبار المدرسة قد صارت أفضل بكثير مما كانت، ولا يمكن أن يحدث شيء جديد بعد هذا كله .. فما رأيك أنت؟
حركات الناس ليست اعتباطية
أحمد أميري
هل تعتقد أن ´حركات الناس اعتباطية؟ كلا ليست كذلك، فهي جزء من لغة أجسادهم التي يصعب تزويرها كما تستطيع ألسنتهم أن تفعل.
يوضّح آلن بيز في كتابه ´لغة الجسد أن لكل جزء من الجسم البشري إيماءاته أو حركاته، وأهم الحركات هي التي تصدر من اليد إلى الوجه.
فإذا وضع أحدهم يده على فمه أثناء حديثه، فاعلم أنه يكذب ويحاول تغطية كذبه بيده. وقد يكون ذكياً فيغطي فمه بسعلة مفبركة أو تثاؤب وهمي أو يمسح طرفي شفاهه. وإذا لمس أنفه فإنها مجرد محاولة لتطوير حركة لمس الفم، فهو يتذكر أن حركة الفم حركة بدائية، فيقوم بتغييرها إلى لمسة خاطفة للأنف. ولم أجد في الكتاب شيئاً عن حركة إدخال الإصبع في الأنف للوصول إلى منابع النيل.
أما إذا كنت أنت المتحدث وهو يأتي بتلك الحركات، فهذا يعني أنه لا يصدق كثيراً مما تقول، وعليك أن تؤكد صحة كلامك بشهادة أربعة رجال عدول.
ويأخذ حكّ العين حكم لمس الفم أو الأنف، لكن الحك يختلف بحسب الجنس، فالرجال، على عكس النساء، يحكّون عيونهم بقوة. والطرفان يتحاشيان النظر في عينيك وأنت تصغي إليهم، لكن الرجال ينظرون إلى جهة أخرى أو إلى الأرض، بينما النساء ينظرن إلى السقف، كأنك تجلس مكان ´اللمبة .
أما إذا كنت ´تبربر وحك المستمع أذنه أو اخترقها بـ دريل الإصبع أو داعب شحمة أذنه أو غطى أذنه براحة يده، فهو إما يريد أن يقول لك: ´كفاية لست موافقاً لما تقول، وإما ´بَسْ جاء دوري في الكلام. وإذا حك رقبته فيعني أنه يشك في كلامك، وإذا سحب ياقته فهو إما يحاول مداراة اكتشاف كذبه، وإما هو غاضب أو محبط.
وإذا رأيته يضع إصبعه في فمه، فهو يحتاج إلى طمأنته، فالإنسان يعود إلى حضن أمه مع هذه الحركة حين كان يشعر بالطمأنينة عندما يلقم ثدي أمه. والأمر كذلك مع وضع قلم في فمه أو سيجارة أو طرف ´الموبايل، لكنه إذا بلع ´الموبايل ، فهذا يعني أنه كان جائعاً وليس خائفاً.
وتوقع منه قراراً إذا حك ذقنه أو ضربه ضربات خفيفة. أما إذا أسند رأسه بيده، فهذا يعني أن نمل الملل بدأ يمشي بين عينيه. أما إذا قرع الطاولة بأصابعه، أو الأرضية بالقدم، فتعني أن صبره نفد، وكلما كان النقر أسرع، كانت كمية الصبر تنفد بشكل أسرع.
وإذا وضع يده على وجهه من دون أن يسند رأسه، فيعني أنه يقيّم ما تقوله، لكن إذا وضع السبابة عمودياً باتجاه الأذن وأسند الذقن بالإبهام، فهذا يعني أن لديه ملاحظات سلبية أو يريد أن ينتقدك.
ويختلف الوضع عند ´النظّاراتي و´الدوّيخ ، فهو سيضع ذراع النظارة أو السيجارة/ المدواخ/ الغليون في فمه، وكلما حشا فمه بالأشياء، فاعلم أنه متردد ويريد أن يأخذ وقتا مستقطعا للتفكير.
وإذا لطم جبينه أو مؤخرة عنقه فهذا يعني أنه يعتذر، لكن انتبه لأن حك مؤخرة العنق تستعمل لإخفاء الكذب أو كمؤشر على الغضب أو الإحباط، ويرافقها تجنب النظر في عينيك. وعموماً من يحك مؤخرة عنقه شخص سلبي أو انتقادي، لكن الذي يلطم جبينه أو يحكّه شخص صريح وهادئ.
ويعتبر الذراع أفضل أجزاء الجسم للاختباء، وهذه الحركة طفولية المنشأ، حين كان الطفل يختبئ خلف عباءة أمه أو تنورتها أو طاولة التلفزيون، وحين كبر أخذ يطوي ذراعيه فوق صدره ليكون تعبيراً عن عصبيته أو سلبيته أو دفاعيته أو عدم ثقته أو عدم شعوره بالأمان أو يكون غير موافق لما يدور من حوله.
فإذا كنت مع شخص يختبئ خلف حاجز ذراعيه، تستطيع أن تجبره على تغيير وضعيته الدفاعية بمناولته قلما أو كوب شاي أو قنبلة يدوية. المهم أن تضعضع قلعته الجسدية.
وإذا كانت ذراعاه مطويتان فوق صدره ويداه في وضعية ´البوكس ، فهو في حالة عدوانية ودفاعية. ولا يختلف الوضع إذا كانت راحتا يديه تمسكان بذراعيه المطويتين على صدره، وكذلك إذا مسك ذراعه الأخرى. أما إذا طوى ذراعيه ورفع إبهاميه إلى أعلى فيعني أنه هادئ ومتحكم بأعصابه.
وقد يحاول ´تحوير هذه الحركة بالاختباء خلف أشياء أخرى موجودة فوق ذراعه أو قريبة منه، مثل ساعة يده، خصوصاً إذا كانت أصلية، أو كُم كندورته أو أزراره أو هاتفه أو حقيبتها النسائية.
أما إذا وقف وتماسكت يداه، فيعني أنه يشعر بالحرج وبعدم الثقة بالنفس، وهي حركة تعيد له الأمن والهدوء كما كانت يدا أبيه يهدئ من مخاوفه أو قلقه حين كان صغيراً محاطاً بـ البامبرز.
عدد اليوم
