السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإحسان إلى الجار واجب مهما كان دينه

الإحسان إلى الجار واجب مهما كان دينه
21 نوفمبر 2013 21:17
وضع الإسلام نظاماً فريداً للاجتماع، لحمته التراحم والتعاطف، وسداه التكافل والتكاتف، ومبناه على التعاون على البر والتقوى، والتناهي عن الإثم والعدوان، وقيام كل مسلم بما يجب عليه تجاه من يعامله أو يصل إليه. وقد عظم الله حق المسلم على المسلم، وحق القريب على قريبه، وحق الجار على جاره. والجار في نظَر الإسلام معين، ناصر، حارِس، أمين، يشارك في الأفراح والأتراح، يواسي ويعزي في المصائب والأحزان، يرشِد، وينصح، يتعاون مع جاره على البر والتقوى. يوضح المفكر الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي أن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث النبوية ربط الإيمان بإكرام الجار، بل نفى عن الذي لا يأمنُ جارهُ أذاه الإيمان، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ” وفي رواية أخرى “لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ”. الآداب الشرعيّة ويؤكد أن للجار على الجار في القِيَم الإسلاميّة، وفي الآداب الشرعيّة حقوقٌ تُشبِهُ حقوق الأرحام، ومن هذه الحقوق المواصلة بالزيارة، والتهادي، أن يُهْدِيَ كلٌّ منهم الآخر هديّة تعبيراً عن المودّة، والعيادة حين المرض، والمواساة حين المصيبة والمعونة حين الحاجة، وكف الأذى، والمعاشرة بالمعروف مع الجار، وليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى، بل المعاشرة بالمعروف تعني أن تحتمِل الأذى، وفرق كبير بين أن تمتنع عن إيقاع الأذى بالجار، وبين أن تحتمل الأذى منه، واحتمال الأذى يتضمن المناصرة بالحق، النصح للجار، تهنئة الجار، وتعزِيته، ومشاركته في المسرات والأفراح، ومواساته في المصائب والأحزان. أقرب الناس ويقول الداعية الإسلامي الدكتور سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق: الجار هو أقرب الناس إلى الإنسان، وأكثرهم ملابسة له، ومعرفة بأحواله- بعد أهله وقرابته- بل لربما كان الجار في حالات كثيرة، أقرب إلى جاره، وأكثر إعانة له من القرابة والأصهار، فإن أهل البيت حين يفاجؤون بمشكلة، أو تحل بهم نازلة، ويحتاجون فيها إلى إغاثة عاجلة، فإنهم يهرعون مباشرة إلى جارهم، بحكم قربه منهم، وملاصقة داره لدارهم، ومن هنا يتبين شدة حاجة الجار إلى جاره، وقوة تأثيره فيه، وعظم حقه عليه، وأن القيام بحقه من أوجب الواجبات. ولكن هذا الحق العظيم- كما يقول الدكتور عبدالجليل- أهمله كثير من الناس اليوم، وانشغلوا عنه بخصوصياتهم وحب ذواتهم، وقعدوا عن القيام به بسبب أثرتهم وأنانيتهم، ولم يرعوه حق رعايته بسبب جهلهم وضعف إيمانهم، وتربع الدنيا على قلوبهم، فأصبحوا لا يعيشون إلا لأنفسهم، ولا يهمهم إلا مصالحهم، غير مكترثين بما يجب عليهم تجاه إخوانهم وجيرانهم، فماتت فيهم عواطف الأخوة والمحبة، وخفتت في نفوسهم أخلاق السماحة والنجدة، وخلت قلوبهم من المعاني الإنسانية الجميلة، وربما حملهم حب الدنيا والمنافسة على حطامها على إيذاء جيرانهم وظلمهم، والاعتداء على مصالحهم، وغمطهم حقوقهم. ويضيف: والجار كما قال الحافظ بن حجر “واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصديق والعدو، والغريب والبلدي، والنافع والضار، والقريب والأجنبي، والأقرب داراً والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها، ثم أكثرها، وهلم جرا”، وقد دلت النصوص الشرعية على أن الجيران ثلاثة، الأول جار له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم القريب، له حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، الثاني جار له حقان، وهو الجار المسلم، له حق الجوار، وحق الإسلام، والثالث جار له حق واحد، وهو الجار الكافر، له حق الجوار. وقد اختلف العلماء في من يشمله اسم الجوار على أقوال كثيرة، ومن ذلك ما جاء عن علي- رضي الله عنه- أنه قال: “من سمع النداء فهو جار”، فكل من يسمع صوت مؤذن الحي الذي يؤذن بدون مكبر صوت، فإنهم يعتبرون جيرانًا، وقيل: من سمع إقامة الصلاة، فهو جار، وقيل: من صلى معك صلاة الفجر في المسجد فهو جار، وقيل: من جمعتهم محلة أو حي، فهم جيران، وقيل: حد الجوار أربعون داراً من كل ناحية. كف الأذى وتشير الدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إلى أن حق الجار على ثلاث مراتب أدناها كف الأذى عنه، ثم احتمال الأذى منه، وأعلاها وأكملها إكرامه والإحسان إليه. أما المرتبة الأولى: وهي كف الأذى عنه، فهي أقل ما يجب على الجار تجاه جاره، فإنه إذا لم يحسن إليه، فلا أقل من أن يكف أذاه عنه. وأما المرتبة الثانية: فهي احتمال الأذى منه، والتغاضي عنه، والتغافل عن زلته، وعن عثمان بن زائدة قال: العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في التغافل، فحُدث بذلك أحمد بن حنبل، فقال: العافية عشرة أجزاء، كلها في التغافل، والمعنى أن السلامة من أذى الناس، لا يكون إلا بالتغافل عن شرورهم، والتغاضي عن ظلمهم وغشمهم، وعدم مؤاخذتهم بكل ما يصدر منهم. وأما المرتبة الثالثة فهي إكرام الجار والإحسان إليه، والإحسان إلى الجار معنى واسع تدخل فيه أنواع كثيرة من المكارم والفضائل التي أمر بها الإسلام، فكل ما يجب للمسلم على المسلم من حقوق فإنه يجب على الجار لجاره المسلم من باب أولى وأحرى، لأن له حق الإسلام وحق الجوار أيضًا. ومن ذلك محبته والتودد إليه، والسلام عليه، وطلاقة الوجه معه، وعيادته إذا مرض، وتشيعه إذا مات، ونصره إذا ظُلم، وكفه عن الظلم والمعصية بقدر الاستطاعة، ومواساته وبذل المعروف له، وتفريج كربته، وإعانته عند حاجته، وتعزيته عند المصيبة، وتهنئته في الفرح، وإدخال السرور عليه، والإهداء إليه، والنصيحة له ولأولاده وأهله، وتعليمه ما يجهله من أمر دينه ودنياه، وموعظته بالحسنى، وإعانته على طاعة الله تعالى، ودعوته إلى الإسلام وترغيبه فيه إن كان كافراً، وألا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، وأن يستر عليه ما ينكشف له من عوراته. حق الشفْعة أوضح المفكر الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي أنه من أبرز الحقوق التي منحها الإسلام للجار حق الشفْعة، وقد اعتبره بعض العلماء حقًّا مُلزِما، أيْ إذا كنتَ تسْكن في بيتٍ، ولك جار في الطابقٍ نفسه، وأراد الجار أن يبيعَ بيته يجب أن يسألك قبل كل شيءٍ، فهو ملزم أن يبيعه لك بالسّعر الرائج فإذا باعه لِغَيرك يمكن أن تُقيم عليه دعوى، والقاضي يلزمه بِفَسخ البيع وبيعِهِ لك، وفي القرآن الكريم آيةٌ دقيقة توصي المسلم بجاره، فيقول الله جل جلاله: “وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا”، وقد انقسم المفسرون في تفسير “والجار ذي القربى والجار الجنب” إلى فريقين، الفريق الأول فَهِم الجار ذا القربى هو الجار الأقرب والقريب الملاصق، الآن الأبنيَة الحديثة في مستوى واحد، أنت في شقّة، وهو في شقّة، هذا هو الجار الأقرب، والجار ذي القربى، وأما الجار الجنب فهو الذي جانبك، أيْ ابتعد عنك.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©