الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وثالثهما الشيطان

وثالثهما الشيطان
25 نوفمبر 2011 10:48
(القاهرة) - كانت الصدمة كبيرة في وجه «شيرين» مثل قنبلة انفجرت فجأة لتحطم حياتها وتدمر مستقبلها وتبيد أحلامها، عندما تقدم «جلال» لخطبة أختها الصغرى، بينما تم تحويل الزيجة إليها، وقرر أبوها ان يزوجها هي له لأنها الكبرى ويجب ان تتزوج أولا، وبدلا من أن تفرح كانت الأحزان تلفها وهي تحقد على أختها التي تحظى بالعرسان لانها أكثر جمالا، بينما هي لا يرغب أحد فيها، وهذا الرجل لم يكن مناسبا لها، الليلة هي الأكثر سوادا في حياتها، قالت لا ورفضت الزواج، لكن لم يستمع أحد لها، فقد تجاوزت العشرين ولم تتزوج ولن يتقدم أحد لها بعد ذلك وكلما مر العمر تناقصت فرص زواجها ولانهم - كما يرون - يعرفون مصلحتها أكثر منها فهم الأقدر على اتخاذ القرار. قد تكون الفتاة معذورة في رفضها وأحزانها، لانها تعيش في المقابر مع أسرتها منذ ولدت فيها ولا تعرف لها مسكنا غيرها، بين الأموات حياتها مثلهم لا أثر لها ولا قيمة، الفقر يطوقها، كانت ترغب في رجل، أي رجل ينتشلها من هذا «الموت» ويعيدها الى الحياة ويعيد الحياة إليها مثل كل الخلق، لكن الطامة الكبرى انها حتى بعد زواجها ستظل هنا، لأن العريس يعمل مثل أبيها، فكلاهما يقوم بدفن الموتى، والطيور على أشكالها تقع، والأب معذور أيضا، فرجل مثله لن تكون بناته مرغوبا فيهن ولا يطلبهن الا واحد من شاكلته، ومثل كل أب يريد ان يرى ابنته في بيت زوجها أيا كان هذا الزوج. اما بيت الزوجية، فلم يختلف مطلقا عن البيت الذي تقيم فيه مع أسرتها، جانب في مقبرة أحد الاثرياء القدامى الذين هجروها ولم يعد أحد من أصحابها يزورها الا عند كل حالة وفاة، الأثاث في مسكن العروس او المقبرة إناء للماء، وفراش على الأرض، وفوق هذا وذاك رجل قذر بينه وبين النظافة عداوة قديمة مستحكمة لا يمكنه التصالح معها ولا يحب الاستحمام حتى لو ألحت عليه، لم تخف عنه عدم قبولها له ونفورها منه، أفصحت عن مكنونها، لكنه اعتبر ذلك تدللا وانها سوف تتعود عليه مع الأيام، غير ان وجهة نظره لم تكن صحيحة وازدادت كراهيتها له. لم تجد المودة ولا الرحمة الى بيت العروسين سبيلا، ولم تدخل دارهما حتى بعد عدة أشهر من الزواج، هي تغلي غيظا وتفكر في وسيلة للخلاص من هذا السجن، وهو لا يلقي لها بالا ولا يهتم بها وبشكاواها، حتى ان معاملتها السيئة له لا يقيم لها وزنا ولا يهتم بها، وإن تطاولت عليه بالقول فيجعل احدى أذنيه من طين والاخرى من عجين، كانا مثل غريبين لا علاقة بينهما فقط يقيمان في مكان واحد، لم تحتمل وقررت ان تضع نهاية لمأساتها ومعاناتها بشروط قاسية عليه، أولها ان يشتري لها مسكنا مستقلا بين الأحياء بعيدا عن الأموات الصامتين. أشهرت «شيرين» كل أسلحة الأنثى لتجبره على تحقيق مطالبها التي في ظاهرها الاستقرار، وفي باطنها الاستقلال والانفصال عنه، فهي تحاول ان تجعله عاجزا عن تلبية المطالب، لكنه رضخ في النهاية وقام باستئجار غرفة لها، وإن كانت خارج المقابر إلا أنها في المنطقة نفسها وتقع قريبا منها وتذكرها بها في كل لحظة، إنما على اي حال تعتبر أفضل من ذي قبل، وان كانت لا تريد ذلك ولكن تريد الخلاص، فقررت تغيير خطة الهجوم فامتنعت عنه تماما لتبيت في الغرفة وحدها، تغلق على نفسها الباب ليبيت ليله وحيدا في الصالة الصغيرة بجوار المطبخ، إلا ان هذه الخطة لم تأت باي نتيجة تذكر، مما زاد غيظها من تبلده. ثلاثة أعوام مضت لم تغير من الوضع شيئا، بل يزداد سوءا حتى ان «شيرين» لم ترفض العرض الشيطاني عندما جاءها، رقم خاطئ على هاتفها المحمول، شاب أخطأ في الطلب لكنه وقع ضحية الأفعى التي اصطادته بعد ان حاصرته بالأسئلة التي كانت تبغي من ورائها الايقاع به، وقد نجحت الى ان تم الاتفاق بينهما على الحديث مرة أخرى، وتكرر ذلك الحديث الهاتفي مرات عدة كان من الطبيعي بعدها ان يتم اللقاء، ووجدت «شيرين» في «عامر» ضالتها المفقودة، فهناك فوارق كبيرة بينه وبين زوجها، فهذا يهتم بمظهره، ويبثها كلمات العشق والغرام، ويتغزل في جمالها حتى لو كان ذلك غير صحيح، أما عن وعوده البراقة لها فحدث ولا حرج، فهو يمنيها بحياة خيالية ومعيشة أسطورية، وهي تصدق تلك الخيالات رغم ان إمكاناته محدودة ولن تحقق شيئا من ذلك ولا أقل القليل. نسيت المرأة انها متزوجة، وعاشت حياتها حرة طليقة بعيدا عن أي قيود، ولا يهمها أب ولا زوج، فكلاهما في غياب تام عن حياتها وليس في مقدورهما الآن التأثير عليها، والغريب أنها سارت في علاقتها وتعاملت مع الموقف على انها في فترة خطوبة من حقها ان تستمتع بها كما يحلو لها وكما ترى وتتمنى، خاصة انها تعتقد أنها تخلصت من زوجها، وبدأت تعد العدة للزواج، ولم يكن ذلك يتم سرا وانما على مرأى ومسمع من الجميع، وكانت الفاجعة أنه توجه الى أبيها ليطلب يدها منه وهو يعلم أنها متزوجة، كان من الطبيعي ان يرفض الأب هذه السخافة لأن ابنته على ذمة رجل والشرع والقانون يحرمان ذلك، إلا أن العاشق لم يفقد الامل وتوجه بمطلبه نفسه لخالها فوجد الإجابة نفسها، ووصل بهما التبجح لأن يتفقا على ان يقوم بطلب يدها من زوجها ومحاولة إقناعه بان يتركها له، وكان من الطبيعي أن يرفض ولكن من غير الطبيعي أنه لم يثر وقابل الأمر ببرود مكتفيا بالرفض. لم يكن أمام الزوجة إلا طلب الطلاق، وهو الملاذ الأخير، لكن الزوج رفض لانه كل ما حدث منها تجاوز عنه ويريد ان تستمر حياتهما الزوجية، حتى وإن لم تكن مستقرة وكلها منغصات ومتاعب، واضطرت للعودة إليه مع القطيعة بينهما بعد ان حاول الأب اقناع ابنته بأنه لا مبرر للطلاق اذا كان الرجل لم يظهر منه شيء ويلبي مطالبها، خاصة ان العاشق قد اختفى من حياتها. في الحقيقة لم تكن غيبته إلا خدعة كبرى واستراحة محارب لإعادة الكر مرة أخرى فكلاهما على قناعة تامة بقضيته، ويرى انه على حق وله ان يتحالف مع الشيطان من أجل الوصول الى الهدف والغاية تبرر الوسيلة، فقد كانت خطتهما تهدف الى ترتيب الأوراق للهرب معا بعيدا عن أعين كل من يعرفهما، وكان اللقاء التالي بعد ذلك بحوالي سبعة أشهر، زارها في منزل الزوجية ليبلغها بفشل خطة الهروب، لكن لم يفقدا الأمل ولم يتراجعا عن قرارهما، وكما في كل لقاءاتهما السابقة، الشيطان ثالثهما، كان معهما أيضا في هذا اليوم من الساعة التاسعة صباحا بعد أن خرج الزوج الى عمله، لكن حرارة الأشواق واللقاء بعد كل هذه الشهور جعلتهما ينسيان الوقت الى ان عاد الزوج في المساء، فطلبت من عشيقها أن يختبئ تحت السرير في غرفة النوم الى أن ينام زوجها. المفاجأة ان الزوج أحضر اليوم معه وجبة من السمك المشوي محاولا ان يفتح معها حوارا وبالتالي صفحة جديدة في علاقتهما، فالتقطت منه اللفافة وتوجهت الى المطبخ لإعدادها، بينما توجه هو الى غرفة النوم المحرمة عليه منذ ثلاث سنوات ليستلقي ويستريح قليلا حتى تنتهي من إعداد الطعام الجاهز الذي لا يحتاج إلا لوضعه في الأطباق، ولم تمر الا دقائق معدودة حتى شعر الزوج بحركة تحت السرير وعندما استكشف الأمر وجد العاشق الذي جاء يوما ليخطب منه زوجته، وهذه المرة لم يكن رد فعله مثل الماضي، أخرج مطواة وتمكن منه وهو غير قادر على الحركة بحرية تحت السرير وانهال عليه بثلاث طعنات، وسمعت «شيرين» صراخه فهرولت اليه وقد انكشف المستور، كان العاشق قد استطاع الخروج واشتبكا بالايدي وكاد الزوج ان يتغلب عليه لولا أن الخائنة أخذت المطواة وطعنت زوجها طعنة في القلب جعلته يترنح ويسقط على الأرض تتدفق منه الدماء وعاجلته بعدة طعنات أخرى ثم بدأت في تضميد جراح عشيقها وتركل الآخر وترفض ان تقدم له شربة ماء ألح في طلبها قبل أن يلفظ أنفاسه الاخيرة، وهرب القاتلان ولم تكتشف الجريمة إلا في اليوم التالي عندما جاء أبوها يسأل عن زوجها الذي لم يذهب الى العمل. اختفاء الزوجة بعد الجريمة كان كافياً لأن تشير اليها أصابع الاتهام مباشرة، لكنها لم يعثر لها على أثر، بينما تم القبض على العاشق الذي لم يستطع ان يخفي جريمته لأن آثارها في جسده من خلال الإصابات التي لحقت به، وأرشد عن الزوجة الخائنة التي كانت تختبئ عند صديقة قديمة لها وقد ارتدت النقاب حتى لا يتعرف إليها أحد لكن سقطت في يد العدالة لتدفع ثمن تمردها وأخطاء الآخرين، ولم تبد أي ندم على ما قدمت يداها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©