الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلعة الرذيلة في علبة الفضيلة!

3 ديسمبر 2014 23:27
نهى الإسلام نهياً تاماً عن الاتباع والتبعية لغير الله ورسوله. وهنا أمر باتباع النص وليس باتباع تفسير أو تأويل النص. كل شيء يؤخذ منه ويرد إلا كلام الله ورسوله. معنى ذلك أنه لا سلفية في الإسلام لأن السلفية اتباع لأفراد أو لتفاسير وليست اتباعاً لنصوص. وعلم التفسير نفسه يؤخذ منه ويرد لأنه اجتهادات أفراد وليس نصوصاً. ومشكلة الجماعات الإرهابية التي ارتدت عباءة الدين أنها جعلت للتفسير والتأويل قداسة أكبر وأعلى من النص، لذلك بنت أفكارها على الانتقائية لأخذ ما يتفق وهواها وترك ما يدحض أفكارها. وقد ذم القرآن الكريم أقوام الأنبياء الذين حاجوا رسلهم بأنهم يعبدون ما يعبد آباؤهم، وهو نفس ما يفعله من يسمون أنفسهم السلفيين الذين يتبعون أقوال وأفعال الأولين. والاتباع غير التأسي. فالتأسي خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الاتباع فهو اتباع كل ناعق وناهق، واتباع أشخاص لا أفكار. الصواب ما رأوه صواباً والخطأ ما رأوه خطأ، وهو اتباع خوف أو اتباع طمع وليس اتباع اقتناع. وقول الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول لله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) حدد بالضبط معنى التأسي، حيث نتأسى به صلى الله عليه وسلم في أمرين اثنين هما ذكر الله كثيراً ورجاء الله عز وجل واليوم الآخر. فقد كان صلى الله عليه وسلم أذكر الناس لله وأرجاهم لله واليوم الآخر، والتأسي أن تذكر الله كثيراً وترجوه واليوم الآخر في قولك وفعلك، فالتأسي أخلاقي أما الاتباع والاقتداء فهما للأقوال والأفعال، وهذا أمر منهي عنه لأنه إلغاء للعقل والتدبر والتفكر وهي فضائل أمرنا الله بها. ويوم القيامة يتبرأ المتبوع من التابع سواء كان المتبوع إنساً أو جناً أو شيطاناً. والله سبحانه وتعالى قال عن التابعين في غير موضع من القرآن الكريم: (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس). الإتباع للأشخاص وأفعالهم وأقوالهم منهي عنه تماماً، لأن الشخص مؤقت وأفعاله وأقواله محددة بزمانه ومكانه. لكن التأسي مأمور به، لأن الأخلاق والقيم والمثل العليا لا تتغير بتغير الزمان والمكان. الفضائل ثابتة لكن الأفعال والأقوال المعبرة عنها متغيرة. والله تعالى ينظر إلى قلوبنا ولا ينظر إلى صورنا وأجسادنا، فلا ينبغي الأخذ بكلام أو فعل شخص ما على عواهنه والاقتناع بأنه الحق. وقد أصبح الزمان أكثر تعقيداً، بحيث لا يمكن الحكم على شخص ما بأنه على حق أو على باطل من خلال قوله وفعله وقلمه. فالناس أصبحوا مثل الأطعمة الفاسدة التي غشها منتجوها بمكسبات لون أو طعم لتبدو لذيذة وهي في الحقيقة سامة وملوثة وفاسدة. كل الناس فضلاء اللسان والقلم، لكن بكل تأكيد ليسوا جميعاً فضلاء القلب والعقل والفكر والنوايا، وكل الأسماء الجميلة تخفي تحتها أفعالاً قبيحة.. وجل الذين يقولون ويكتبون كأصحاب فضيلة هم في الواقع أصحاب رذيلة. وكل أو جل الذين يرفعون رايات الإصلاح والدين والفضيلة يفسدون في الأرض ويبغونها عوجاً. أنت على مدار اليوم تسمع وتقرأ أسماء وعناوين جميلة لكن بشيء من التأمل والتدبر تكتشف الرذائل تحت هذه العناوين البراقة مثل الثورة والجهاد وحقوق الإنسان والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحرية التعبير، كل هذه أغلفة جميلة وبراقة لسلع فاسدة. والحق الذي لا مراء فيه أننا في أمة العرب قشريون جداً ومظهريون للغاية والتعمق في الأمور وتقليبها على كل الوجوه غائب جداً. وأدمنا ابتكار أسماء جميلة لمسميات قبيحة وأفعال غاية في السوء اعتماداً على أن الناس في هذه الأمة يعنيهم القول ولا يعنيهم الفعل.. ومشغولون بالمظهر ولا يهتمون بالجوهر والمضمون. وهكذا كان ما سمي «الربيع العربي»، فهو اسم جميل للفتنة والفوضى والانفلات. وكان كسر حاجز الخوف اسماً جميلاً لقلة الأدب وقلة الحياء والتطاول. وحقوق الإنسان اسم جميل لعقوق الأوطان والتجاوز. وحقوق الإنسان مرتبطة ارتباطاً شرطياً واضحاً بالحق في الخطأ والحق في كسر القواعد وخرق القانون وبث الفتن والفرقة.. من حقوق الإنسان طبقاً لهذا العنوان أن يمارس سلوكيات الحيوانات في الشهوة والغريزة وإهلاك الحرث والنسل، أن يكون حراً كالحيوانات وليس حراً كإنسان. وحقوق الإنسان ليس فيها أدنى إحساس بالمسؤولية والواجب، فالحيوان الذي هو في صورة إنسان ليس مسؤولاً ولا ملتزماً تجاه الوطن أو المجتمع، بل حتى ليس مسؤولاً أمام الله عز وجل. حقوق الإنسان تُسقط تماماً التكاليف الشرعية والوطنية والسياسية والأخلاقية. والحيوان الذي هو في صورة إنسان لا يُسأل عما يفعل. هو ليس مطالباً بشيء ولكن من حقه أن يطالب وأن يرفع في وجوهنا (الكارت الأحمر) المسمى حقوق الإنسان وحريته. يعني هو يرتكب الجريمة تحت عنوان حقوق الإنسان فإذا عوقب على جريمته فإن ذلك العقاب انتهاك لحقوق الإنسان. نحن فعلاً مهتمون بالتعليب والتغليف والعرض البراق والباهر لسلع فاسدة، حتى الذين يدعون التدين هم أيضاً أغلفة جميلة وبراقة لسلع فاسدة هي القلوب السوداء والعقول المظلمة والوجدان الخرب. ويزعمون أن هذا هو التأسي، بينما التأسي لا يكون أبداً فعلياً ولا قولياً، ليس التأسي أن تأكل كما كان يأكل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تشرب كما كان يشرب، ولا تمشي كما كان يمشي، ولا تلبس ما كان يلبس، ولكن التأسي في أمرين هما الدنيا وما فيها وهما الآخرة.. أن ترجو الله واليوم الآخر وتذكر الله كثيرا. أما ما نراه اليوم، وما نسمعه، فهو سلعة الرذيلة في غلاف وعلبة الفضيلة! محمد أبو كريشة * * كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©