الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجاذبات باكستان··· رسالة إلى الغرب

تجاذبات باكستان··· رسالة إلى الغرب
23 مارس 2009 01:32
من المعروف أن الحياة السياسية في باكستان لا تعرف الرتابة أبداً، ولكنها هذا الأسبوع كانت ملهمة أيضاً· في يوم الاثنين الماضي، شاهدتُ الناس يتقاطرون على منزل قاضي القضاة افتخار شودري بعد أن انتهى أخيراً التوتر الحاد الذي نشأ بين الحكومة وائتلاف يضم منظمات من المعارضة حول إعادة تنصيبه رئيساً للمحكمة العليا في باكستان· واليوم وبعد عامين من ''التقاعد'' القسري، بات باستطاعة شودري العودة لتأدية مهامه في المحكمة· وقد تجمع باكستانيون من مختلف شرائح المجتمع بالآلاف على عشب حديقة الإقامة الرسمية لقاضي القضـــاة من أجـــــل الاحتفــــال -شيباً وشباباً، نساءً ورجالا، متدينين وعلمانيين، أغنياء وفقراء- حيث رقص المحامون ببدلاتهم السوداء، وهو الزي الذي بات يرمز لثوار باكستان الديمقراطيين، في وقت ملأ فيه صوت الطبول والتغني بالحرية والعدالة أجواء المكان· فكان ذلك حقاً حفل نصرٍ بالنسبة للديمقراطية وحكم القانون، وضم رسالة إيجابية حول باكستان بالنسبة للعالم· ومنذ أحداث الحادي عشــر من سبتمبر بات اسم باكستان مرادفاً لأكبر مخاوف الغرب؛ وذلك لأنها دولة تملـــك الســلاح النووي، ومجتمعها المسلم في غالبيته يصارع من أجل السيطرة على حركة تمرد تقودهــا أكثر التيارات الدينية قمعية وتطرفاً· وذاك هو ما يفسر عموماً مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية التي تمنحها الولايات المتحدة للجيش الباكستاني (الجدير بالذكر في هذا الإطــــار أن ''مؤسســـة أميركا الجديدة'' تقدر أن الولايات المتحـــدة منحــت في عامي 2006 و2007 وحده 3,5 مليار دولار من المساعدات العسكرية للجيش الباكستاني، الذي يعد أقوى مؤسسة في دولة ضعيفة من الناحية المؤسساتية)· ولكن هذا التوجس ازداد وتقوى بعد أعمال العنف التي هزت باكستان في الآونة الأخيرة -ومن ذلك اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو في هجوم انتحاري في أواخر ،2007 ودور باكستان المزعوم في هجمات مومباي في الهند في نوفمبر، والهجوم على الفريق السريلانكي للكريكيت في لاهور مؤخراً· غير أن إعادة تنصيب شودري تمثل الفصل الأخير لثورة شعبية يفترض ألا يكون أقل أهمية بالنسبة للغرب من أعمال العنف والتطرف الديني· فشودري لم يكن أول قاض يُطرد من قبل حاكم أوتوقراطي في باكستان، ولكن تنحيته من طرف برويز مشرف قوبلت باحتجاجات عامة غير مسبوقة أفضت في النهاية إلى فوز المحتجين واضطرار مشرف نفسه إلى التنحي· وكان الرئيس زرداري، قد صعد إلى الواجهة كرئيس لـ''حزب الشعب الباكستاني'' وخلفٍ غير محتمل لمشرف؛ ولكنه سرعان ما ذكَّر الناس بهذا الأخير حين حظر الاحتجاجات الموالية لشودري، واعتقل زعماء المعارضة، وحاول إغلاق القنوات الإخبارية الخاصة، ورفض إعادة تنصيب رئيس المحكمة العليا قبل أن يجنح إلى التهدئة يوم الاثنين· أما دور الولايات المتحدة في كل هذا فكان لافتا من حيث غيابه؛ فقد فضلت واشنطن الاستثمار بقوة في الجيش الباكستاني لأكثر من ثلاثة عقود· وحسب المحللة العسكرية المعروفة عايشة صديقة، فإن التجربة الطويلة للحكم العسكري إضافة إلى هيمنة مجموعة صغيرة من النخبة على الحياة السياسية المدنية، أعاقت التطور المؤسساتي لثقافة ديمقراطية في باكستان· وبالتالي، فلا غرو أن يلتزم الحلفاء الغربيون الرئيسيون لباكستان صمتاً مطبقاً حين خرج المحامون والمواطنون العاديون إلى الشوارع في ·2007 بل إن بوش ذهب إلى حد وصف مشرف بـ''الصديق الحقيقي'' الذي يستحق دعم الولايات المتحدة المتواصل· وعلى رغم أن أميركا تحدثت عن نشر الديمقراطية في العالم الإسلامي، إلا أنها لم تقم بشيء علناً لمساعدة هذه الحركة الأكثر ديمقراطية من بين الحركات الشعبية· وبالمقابل، بدأت مؤخراً بعض المؤشرات الإيجابية تصدر عن واشنطن حيث دعا السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، إلى مضاعفة المساعدات الأميركية غير العسكرية لباكستان -نحو 7,5 مليار دولار على مدى الأعوام الخمسة المقبلة- ثلاث مرات؛ غير أن الأهم من المال في اعتقادي هو أن تبدأ الحكومة الأميركية في الاستماع إلى الشعب الباكستاني· فعلى رغم ملايين الدولارات التي أنفقتها وزارة الخارجية على استطلاعات الرأي في باكستان، إلا أن ثمة فشلا كارثياً في فهم العقلية المحلية، وهو فشل كان واضحاً للعيان يوم الاثنين مثلا حين أشاد مبعوث أوباما إلى أفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك بالرئيس، من دون الناس جميعاً، لقراره ''الذي ينم عن حكمة ورشاد رئيس دولة'' القاضي بإعادة تنصيب رئيس المحكمة العليا· ولكن، لماذا لم تتم الإشادة برئيس المحكمة العليا نفسه الذي صمد في وجه رئيسين، أو بمئات الآلاف من الباكستانيين العاديين الذين واجهوا خطر الهجوم والاعتقال لأنهم دعموه وساندوه؟ وبالنسبة للباكستانيين العاديين، يرسل التصرفُ الأميركي إشارة مألوفة مؤداها أن الولايات المتحدة تدعم وتفضل الحكام على الشعب· إن انتصار شودري لن يحل مشاكل باكستان؛ غير أنه بإظهارهم أهمية المؤسسات الناجحة والقابلة للمحاسبة، فربما يكون محامو البلاد قد وجدوا فتحة إلى الطريق الطويل الذي يُخرج البلاد من حاضرها المأزوم· مصطفى قدري كاتب وصحفي باكستاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©