السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رضوى عاشور.. رحيل قطعة من قلب مصر

رضوى عاشور.. رحيل قطعة من قلب مصر
1 ديسمبر 2014 23:38
إيهاب الملاح (القاهرة) كما تتنفس الزهرة الزكية الرائحة، تشع نوراً وجمالاً وبهاءً، عاشت رضوى عاشور تغدق على من حولها حباً وحناناً ومعرفة ووعياً وإبداعاً.. كانت «فريدة» في انصرافها عن الزائف والزائل والتافه، لم تتكالب على منصب أو شهرة أو جاه.. لم تهرول إلى الأعتاب ولم تبتذل قيمتها وعلمها يوماً ما. لم ينقطع إنتاجها الأدبي طوال سنوات انشغالها بالبحث الأكاديمي والتدريس في الجامعة.. زاحم إبداعها عطاءها النقدي، وكانت رضوى عاشور ناقدة «محترمة» لا تكتب إلا ما كدت وتعبت في قراءته وبحثه.. كتابة منتجة لا تجتر ما سبق ولا تسعى لأن تسود أوراقاً وتكدسها لترقية هنا أو مكافأة هناك.. فقط لا تكتب إلا ما يسهم في إنتاج معرفة جديدة وطرح مغاير وإضاءات على مناطق معتمة من إبداعنا المعاصر لم تكن معلومة ولا محل اهتمام قبل أن تسلط عليها رضوى عاشور ضوء معرفتها العميقة ووعيها النقدي الحاد. تنوعت كتابات رضوى عاشور بين الدراسات النقدية والإبداع الأدبي، وراوحت بين التدريس الجامعي والعمل التطوعي العام، كانت من أبرز وجوه حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، وعُرف عنها جرأتها وشجاعتها في الدفاع عن الحريات والتعبير والرأي، وكانت تمثل «نموذجاً ناصعاً» للأستاذة الجامعية القديرة، التي تحنو على طلابها وطالباتها بغير تدليل ولا إسراف، تحرص على غرس القيم والتقاليد الجامعية العريقة في نفوس هؤلاء، بدءاً من احترام قيمة الحرية واستقلال الجامعة والبحث العلمي، مرورا بقيمة التفكير النقدي والإعلاء من فعل المساءلة والنقد والمراجعة، وعدم التسليم بأي فرضيات سابقة إلا تحت مجهر الفحص والدرس العلمي السليم، وليس انتهاء بقيمة الأستاذ الجامعي الذي لا يغادر قاعة الدرس إلا مع خروج النفس الأخير، يحتضن طلابه ويرشدهم ويأخذ بأيديهم، وما كانت رضوى عاشور طيلة حياتها إلا تجسيداً وتحقيقاً يسير على قدمين لهذا النموذج النادر (هل نقول المنقرض؟!) المبدعة.. من روايتها الأولى «حجر دافئ» إلى آخر أعمالها، وعبر رواياتها وأعمالها القصصية الأخرى، يتصل عالم رضوى عاشور الإبداعي الذي يزاوج بين ما هو فردي/ ذاتي، والاحتفاء بما هو جمعي/ جماعي عام. ويربط بين الوقائع الصغرى والكبرى في حيوات الشخصيات القصصية والروائية وبين ما يوازيها من وقائع في فترات زمنية متعددة محددة ومرجعية، وتاريخية أيضاً، كما في عملها الروائي الكبير «ثلاثية غرناطة». في روايتها «قطعة من أوروبا»، التي تبدأ أحداثها من القرن التاسع عشر وتستمر حتى مطالع القرن الحادي والعشرين، تبحث رضوى عاشور «إبداعياً» عن سؤال النهضة المجهضة، عن الأسباب التي جعلت الحلم ينقلب إلى كابوس‏، وأمل التقدم يتحول إلى هزائم لا نهاية لها‏، مدركة أنه لا سبيل إلى فهم ما حدث إلا بالعودة إلى لحظة البداية التي زرعت الدودة في أصل الشجرة‏، وتتتبع لحظات الانكسارات بالقفز بين التواريخ وقصاصات الجرائد والكتب‏، سعياً لاكتشاف العلاقات التي تصل ما لا يتصل عادة في وعينا التاريخي السائد‏.‏ أما الهدف، فهو فهم ملامح اللحظة الراهنة المحاصرة بالخيبة‏، والإجابة عن الأسئلة المؤرقة‏:‏ لماذا خاب المسعى إلى هذا الحد؟ ما الذي حدث؟ ومن المسؤول؟ هل هو الجيل الذي استولد الحلم في لحظة البداية‏، أم الجيل الذي تشكل بالحلم وانكسر معه في لحظات الهزائم المتكررة؟ وهل نحن الذين تسببنا فيما حدث لنا‏، أم أننا ضحايا الآتين من البحر‏، مصحوبين بآلة شيطانية تنتج خرائط‏، وتقيم دولا‏، وتهدم تواريخ‏، وتسحب أرواحنا كما تسحب النفط من باطن الأرض عبر خطوط الأنابيب من هنا إلى هناك لأغراض الوقود‏.‏ هذا النوع من الأسئلة ليس جديداً على كتابة رضوى عاشور المؤرقة بزمن الانكسار العربي الذي يبدو كأنه المساء الأخير على الأرض‏، فهي كاتبة مهمومة بهزيمة المشروع القومي‏، ورواياتها محاولات متصلة لاكتشاف أسباب هذه الهزيمة من زواياها المتعددة‏، وفي علاقاتها المعقدة. والعودة إلى التاريخ هاجس ملح في المشروع الإبداعي لرضوى‏، ليس بهدف استعادة الماضي‏، أو إسقاط هموم الحاضر عليه‏، أو تحويل الماضي إلى أقنعة معاصرة لإنطاق المسكوت عنه من الخطاب المقموع سياسياً‏، وإنما هو تجسيد إبداعي لرغبة معرفية‏، تبدأ من مقصد اكتشاف الأصل الذي يحتوي أصل الداء‏، وإعادة ترتيب الوقائع بما يؤدي إلى فهم منطقها والمنحي الذي اتخذته في تتابعها داخل سياقاتها المتعددة. ويسعى التجسيد الإبداعي لهذه الرغبة المعرفية إلى جعل التاريخ مرايا للماضي بشروطه الموضوعية‏، وإضاءات للحاضر في علاقاته التاريخية‏.‏ ويحدث ذلك بواسطة تقنيات سردية متغايرة‏، متباينة‏، في كل عمل روائي على حدة‏، وإن كانت كلها تبدأ وتنتهي بالدائرة التي يتحرك فيها خطاب «ما بعد الاستعمار‏»، سواء في تعريته جذور التبعية القديمة‏، أو كشفه عن رواسبها المعاصرة أو تجلياتها المحدثة. الناقدة.. ولا ينفصل مشروع رضوى عاشور النقدي، ‏‏بوصفها ناقدة متميزة‏، عن مشروعها الإبداعي، فالتجاوب متصل بين خطاب «مقاومة التبعية» الذي تنبني عليه كتاباتها النقدية‏ (‏سواء في الطريق إلى الخيمة الأخرى - 1977، والتابع ينهض‏:‏ الرواية في غرب أفريقيا‏ - 1980، وصيادو الذاكرة‏:‏ مقالات في النقد الأدبي ‏- 2001)‏ والخطاب نفسه الذي يتجسد إبداعيا في رواياتها المتتابعة‏، وبخاصة‏:‏ «سراج» ‏- 1992، و«ثلاثية غرناطة» ‏1994 -1995، و«أطياف» ‏- 1999.‏ من دراساتها النقدية «البحث عن نظرية للأدب.. دراسات للكتابات النقدية الأفرو أميركية»، وهي رسالتها للدكتوراه، والطريق إلى الخيمة الأخرى دراسة في أعمال غسان كنفاني» 1977، وجبران وبليك 1978، وهي في الأصل الرسالة التي قدمتها لجامعة القاهرة لنيل درجة الماجستير. و«التابع ينهض: الرواية في غرب أفريقيا» 1980، و«في النقد التطبيقي: صيادو الذاكرة» 2001، بالإضافة إلى عدد كبير من المقالات المتفرقة التي كتبتها ونشرت في دوريات مختلفة، عربية وإنجليزية. في 2009، خرجت رضوى عاشور على طلابها ببحثها القيم «الشدياق والحداثة الممكنة»، الذي يقع في 148 صفحة من القطع المتوسط. في هذا الكتاب تتناول رضوى عاشور بالبحث والدراسة الرواية الأولى في الأدب العربي الحديث «الساق على الساق فيما هو الفارياق» 1855 للرائد الأديب واللغوي والصحفي والمترجم أحمد فارس الشدياق 1805 - 1887 يطرح الكتاب السؤال: «لماذا أُسقط إنجاز الشدياق وقد أنتج النص الأدبي الأغنى والأقوى في الأدب العربي في القرن التاسع عشر؟».. ثم يجتهد في الإجابة عبر قراءة نقدية مستفيضة تستكشف النص وعلاقته بزمانه. ويبدو أن رضوى عاشور قد قررت أن تنحو نحواً مغايراً في دراستها للإشكالية الأبرز في تاريخ الرواية العربية الحديث: (نشأة الرواية العربية)، أو (فجر الرواية العربية)، ولم تنطلق مما اعتبره البعض «مسلمات» أو «حقائق لا يعاد النظر فيها»، ومنها مثلاً الانصياع للمقولة التي أرساها المرحوم يحيى حقي في كتابه «فجر القصة المصرية»، من أول رواية عربية بالمعنى الفني هي رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل، وهي المقولة التي تابعه فيها كثيرون، من مؤرخي الأدب العربي الحديث. بطاقة تعريف «الأستاذة» رضوى عاشور، ناقدة مرموقة وكاتبة مصرية مبدعة من الطبقة الأولى، كانت تشغل منصب أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس، ولدت في القاهرة عام 1946، درست اللغة الإنجليزية وآدابها في كلية الآداب جامعة القاهرة، وبعد حصولها على شهادة الماجستير في الأدب المقارن، من الجامعة نفسها، انتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث نالت شهادة الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس عام 1975، بأطروحة حول الأدب الأفرو أميركي. في عام 1977، نشرت رضوى عاشور أول أعمالها النقدية: «الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفاني»، حول التجربة الأدبية لغسان كنفاني. وفي 1978، صدر لها بـ«الإنجليزية» كتاب «جبران وبليك»، وهي الدراسة نقدية، التي شكلت أطروحتها لنيل شهادة الماجستير سنة 1972. كما صدر لها عدد من الدراسات النقدية الأخرى، مثل: «التابع ينهض: الرواية في غرب إفريقيا»، و«في النقد التطبيقي: صيادو الذاكرة»، وبالاشتراك مع آخرين «ذاكرة للمستقبل، موسوعة الكاتبة العربية: 1873 - 1999». في 1980، صدرت لها آخر عمل نقدي، قبل أن تلج مجالي الرواية والقصة، والمعنون بالتابع ينهض، حول التجارب الأدبية لغرب أفريقيا. ستتميز تجربتها إلى غاية 2001، بحصرية الأعمال الإبداعية، القصصية والروائية، وكانت أولها أيام طالبة مصرية في أميركا (1983)، والتي أتبعتها بإصدار ثلاث روايات «حجر دافئ»، «خديجة وسوسن» و«سراج».. والمجموعة القصصية «رأيت النخل»، سنة 1989. توجت عاشور هذه المرحلة بإصدارها روايتها التاريخية المطولة «ثلاثية غرناطة»، سنة 1994، التي حازت، بفضلها، جائزة أفضل كتاب لسنة 1994 على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب. اشتغلت، بين عامي 1990 و1993 كرئيسة لقسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وظلت حتى وفاتها تمارس التدريس الجامعي، والإشراف على الأبحاث والأطروحات العلمية للماجستير والدكتوراه. مع بداية الألفية الثالثة، ستعود عاشور لمجال النقد الأدبي، حيث أصدرت مجموعة من الأعمال تتناول مجال النقد التطبيقي، وساهمت في موسوعة الكاتبة العربية (2004)، وأشرفت على ترجمة الجزء التاسع من موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي (2005). نشرت بين 1999 و2012 أربع روايات ومجموعة قصصية واحدة، من أهمها رواية الطنطورية (2011) ومجموعة «تقارير السيدة راء» القصصية. في 2007، توجت بجائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان، وأصدرت سنة 2008، ترجمة إلى الإنجليزية لمختارات شعرية لمريد البرغوتي بعنوان «منتصف الليل وقصائد أخرى». على مستوى الحياة الشخصية، رضوى عاشور هي أم الشاعر تميم البرغوثي، وزوجة الأديب مريد البرغوثي. صدر لها عن دار الشروق وحدها ست روايات هي «ثلاثية غرناطة» 2001، «تقارير السيدة راء» 2001، و«قطعة من أوروبا» 2003، و«سراج» 2008، و«أطياف» 2008، و«فرج» 2008. بالإضافة إلى كتابها الأخير الصادر في 2013 بعنوان «أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©