الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا وأفغانستان.... تداعيات الإنسحاب المبكر

فرنسا وأفغانستان.... تداعيات الإنسحاب المبكر
1 فبراير 2012
فرنسا، ومن بعدها الطوفان؟ ربما يكون المنطق الذي تحمله هذه العبارة هو الذي دفع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نحو الإعلان عن أن قوات بلاده ستعمل على تسريع انسحابها من أفغانستان، وهذا يلقي بدائرة من الضوء على ما يمكن اعتباره تصدعات أو ربما سجالات محتملة في الائتلاف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في هذا البلد. وعلى الرغم من أن إدارة أوباما وقوات حلف شمال الأطلسي سعت إلى تصوير إعلان يوم الجمعة الماضي في باريس على أنه غير مفاجئ وغير أحادي، فإنه لا يشكل نهاية فعلية للدور الحربي لفرنسا في أفغانستان فحسب، وإنما أيضاً يتجه بعض المحللين إلى اعتباره إشارة إلى تفكك قد يعتري الصفوف الغربية في وقت تدخل فيه حرب أفغانستان عقدها الثاني. وعلاوة على ذلك، فإن الإعلان الفرنسي أثار تخوفاً أيضاً من أن الهجمات التي يصوب بعض الجنود الأفغان من خلالها أسلحتهم نحو مدربيهم الغربيين سيُنظر إليها من قبل المتمردين اليوم باعتبارها أسلوباً ربما ينجح لثني الحلفاء المترددين عن القتال. والجدير بالذكر هنا أن أربعة جنود فرنسيين قُتلوا فيما أُصيب أكثر من اثني عشر آخرين في وقت سابق من يناير الماضي عندما أقدم عضو منشق من الجيش الأفغاني على ما يبدو على إطلاق النار عليهم، مشعلاً بذلك موجة غضب عارمة في فرنسا في وقت يقترب فيه موعد الانتخابات الرئاسية. الكتيبة الفرنسية، التي يبلغ عدد أفرادها زهاء 3900 جندي، تعتبر خامس أكبر قوات في التحالف، ولكنها أصغر بكثير مقارنة مع القوات الأميركية التي يناهز عددها 90 ألف جندي. وعلاوة على ذلك، فإن بعض الكتائب الوطنية الأصغر حجماً تُرسل إلى مناطق تدور فيها معارك شرسة ويُنظر إليها على أنها تلعب دوراً أكثر أهمية في ساحة المعركة. مكتب الرئيس الأفغاني حامد كرزاي لم يقدم أي اعتراض علني على القرار الفرنسي، الذي أُعلن عنه خلال زيارة الزعيم الأفغاني إلى باريس. ولكنه أثار ردود فعل مستاءة وسريعة في البلاد، ولاسيما في إقليم "كابيسا" الواقع في الشمال الشرقي من البلاد، حيث كان من المقرر ألا تتسلم القوات الأفغانية السيطرة الأمنية إلا في وقت لاحق من هذا العام. أما اليوم، فسيتم نقل المهام في مارس المقبل. وفي هذا السياق، يقول خواجة غلام محمد زمراي، العضو في مجلس الإقليم: "إننا لا نقبل هذا القرار لأن القوات الأفغانية غير مستعدة لتولي المسؤولية الأمنية في إقليم كابيسا"، عاكساً مواقف مشابهة عبَّر عنها عدد من المسؤولين المحليين. ففي "كابيسا"، قال بعض المسؤولين والزعماء القبليين إن فرنسا تتخذ موقفاً دفاعياً إلى حد كبير في المنطقة، حيث تحرص في المقام الأول على سلامة جنودها ولم تُحدث أي تأثير حقيقي على الوضع الأمني في مناطق أكثر خطورة من الإقليم مثل وادي تاجاب. ومع ذلك، فإن الكثيرين يعتقدون أن من شأن الانسحاب الفرنسي أن يقوي ويشجع المتمردين في الإقليم، الذي يعد بوابة العاصمة التي لا تبعد سوى بـ50 ميلاً إلى الجنوب الغربي. وفي هذا الإطار، قالت طهيرة مجددي، وهي مشرعة من كابيسا، مستشرفة المستقبل: "إننا سنرى انزلاقاً إلى العنف"، مضيفة "ومما لا شك فيه أن انعدام الأمن سيزداد". ولعل الأكثر بعثاً على القلق بالنسبة للبعض هو نية فرنسا المعلنة حث أعضاء آخرين في الائتلاف على إنهاء مهماتهم القتالية مع نهاية العام المقبل، بدلاً من الخفض التدريجي لعديد القوات في 2014 مثلما جرى الاتفاق على ذلك من قبل، حيث قال مسؤولون إن فرنسا من المتوقع أن تثير هذا الموضوع في اجتماع لوزراء دفاع البلدان الأعضاء في "الناتو"، وفي مؤتمر للحلف سيعقد في شيكاجو في مايو المقبل. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول عتيق الله أمرخيل، وهو جنرال سابق في الجيش الأفغاني ويعمل حالياً محللاً لشؤون الدفاع: "إن هذا التطور سيؤثر على معنويات القوات الأفغانية، وأيضاً على طريقة تفكير الدول الأخرى في الناتو". وإذا كان القتلى الذين يسقطون في المعارك يمثلون تذكيراًَ لا مناص منه بكلفة الحرب، فلا شيء يؤدي إلى تآكل الدعم السياسي الداخلي في الدول المساهمة بجنود مثل أعمال قتل تحدث على أيدي جنود أفغان. ومما يؤكد شعور الامتعاض وانعدام الثقة بين المدربين الغربيين والمتدربين أن الجنود الفرنسيين الذين قُتلوا وجرحوا كانوا غير مسلحين، وكانوا يرتدون ملابس رياضية فقط بعد تمارين صباحية في قاعدتهم. وبالنسبة لفرنسا، فإن ذلك يمثل ثاني خسارة من هذا النوع خلال شهر واحد، عقب حادث مماثل أسفر عن مقتل جنديين. قوات "الناتو"، المعروفة اختصاراً بـ"إيساف"، قالت إن انسحاباً مبكراً من قبل القوات الفرنسية ونقل المسؤوليات الأمنية في كابيسا إلى القوات الأفغانية لن يتسبب في عرقلة حقيقية للمهمة العسكرية. وقال المقدم جيمي كامينجز، المتحدث باسم قوات التحالف في هذا الصدد: "إن قوات إيساف لا ترى تأثيراً على مخطط حملتنا الحالي"، مضيفاً "ذلك أن لدينا دائماً مخططات طوارئ ومخططات بديلة عندما يتعلق الأمر بهذه الأنواع من التغييرات الممكنة أو إعادة تنظيم قوات إيساف". وفي هذه الأثناء، اتخذ دبلوماسيون غربيون في كابول موقفاً محايداً ومدروساً حيث يقولون في المجالس الخاصة إن أي انتقاد للخطوة الفرنسية لن يزيد الطين إلا بلة. وفي هذا السياق، رفضت سفارة الولايات المتحدة في كابول التعليق على هذا الموضوع، محيلة إلى تعليقات كانت قد أدلت بها في اليوم السابق بواشنطن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، التي اعتبرت أن الخطوة الفرنسية ليست متسرعة إذ قالت: "إن هذا قرار وطني لفرنسا... وقد تم بطريقة مرتبة، وسنتعاون جميعاً معه". غير أن "نايل جاردينر"، الخبير في السياسات الخارجية بمؤسسة "هيريتدج فاونديشن" المحافظة في واشنطن قال إن القرار الفرنسي "هو بدون شك غير مساعد بالنسبة لعملية الناتو بصفة عامة في أفغانستان، لأنه يبعث بالرسالة الخطأ إلى طالبان ويبعث برسالة ضعف من فرنسا". ولكنه أضاف: "غير أنني لا أعتقد أن هذا سيغيِّر المقاربة التي تتبعها الولايات المتحدة أو بريطانيا في أفغانستان... إن الحرب مستمرة". قرار ساركوزي، الذي أتى قبل ثلاثة أشهر فقط على موعد الانتخابات الرئاسية في فرنسا، قرار يحظى بتأييد واسع من قبل الجمهور الفرنسي الذي تعارض أغلبيته الحرب. والجدير بالذكر في هذا الصدد أن خصم ساركوزي الرئيسي والمتزعم الحالي في استطلاعات الرأي، الاشتراكي "فرانسوا هولاند"، كان قد تعهد بسحب القوات الفرنسية من أفغانستان بنهاية العام. ولكن "جاردينر" انتقد ساركوزي لأنه وضع مصالحه السياسية الذاتية قبل مهمة منظمة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، مثلما يقول، مضيفاً أنه يخشى أن يؤثر قرار الزعيم الفرنسي على دول أوروبية أخرى، وبخاصة ألمانيا إذ قال: "هذا الأمر يمكن أن يضع ضغطاً إضافياً على (المستشارة الألمانية) أنجيلا ميركل من أجل سحب القوات الألمانية بوتيرة أسرع". لورا كينج - كابول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©