السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مواجهة الإرهاب بحرب الأفكار

19 نوفمبر 2015 22:30
للأعمال الإرهابية الكبرى، طريقتها الخاصة في إرغام الحكومات على العمل؛ وهو ما أظهرته بجلاء المذبحة التي حدثت في باريس ليلة الجمعة الماضية. السؤال هنا- وهو بالمناسبة ليس سؤال موجها لفرنسا فحسب- أي عمل تحديداً؟ من اليسير للغاية القيام بالعمل الخاطئ أو نمط الاستجابة غير الملائمة في حالات مثل هذه، تماماً مثلما حدث مع الولايات المتحدة و«حربها على الإرهاب» في العراق، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فالمسألة هنا لا تتعلق، بالكلمات وإنما بالهدف الذي تُستخدم تلك الكلمات من أجله. قبل أن يقرر «هولاند» نوع الاستجابة «عديمة الرحمة» ضد «داعش»، عليه أن يوضح أمرين: أي حرب؟؛ وضد من يشنها التنظيم؟ الإجابة أن داعش يشن هذه الحرب ضد فرنسا؛ ولكن يجب ألا ننسى في الآن ذاته أن التنظيم يحارب- أولاً وقبل كل شيء- المسلمين الآخرين الذين لا يشاركونه معتقداته. صحيح أن فرنسا، بل وأوروبا في الحقيقة، عالقة في تلك الحرب، لأنها تأوي الملايين من المسلمين، ولأنها تحارب «داعش» عسكرياً، ولأنها- وهذا هو الأهم- تعد تجسيداً لما يمقته التنظيم أي التسامح الديني، والحداثة، والاستقرار. هذه إذن حرب أفكار، أكثر من كونها حرباً بالقنابل. وكما قال «جيل كيبيل» الباحث الفرنسي، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مقابله مع صحيفة «لوموند» يوم السبت الماضي، فإن هدف «داعش» هو إثارة صراع أهلي في أوروبا يدفع مسلمي القارة إلى دعمه. قبل هجمات الجمعة، كان اليمين الأوروبي، من «ماري لوبان» زعيمة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، إلى حركة «بيجيدا» الألمانية، (أوربيون وطنيون ضد أسلمة الغرب) يطالب بسياسة، تقوم على عدم التسامح الكامل، مع مسألة استقبال المهاجرين السوريين، وعلى إعادة الحدود الداخلية بين الدول الأوروبية، وإبعاد المهاجرين (وهي مطالب ستتعزز بسبب العملية الإرهابية الأخيرة، وما قيل إن مهاجماً واحداً على الأقل كان يحمل جواز سفر سورياً، ويحتمل أن يكون واحداً من الذين تسربوا لأوروبا تحت صفة لاجئ). لذلك، إذا ما كانت الاستجابة داخل أوروبا تتمثل في استمالة حلفاء من بين أفراد التيار الرئيسي للجاليات الإسلامية في القارة؛ فإننا يجب أن نأخذ في اعتبارنا التقارير التي تقول إن أعداداً أكبر منهم من بين هؤلاء تقدم بلاغات للشرطة عن تصرفات مشبوهة لدى بعض أفراد تلك الجاليات، وعن تجنيد بعض المتطرفين منهم بواسطة «داعش»، وأن أعداداً أقل منهم تشعر بالإقصاء والاستبعاد، بدرجة تجعلهم قابلين للتأثر بالرسالة الجهادية التي يقدمها التنظيم رداً على ما يحدث في سوريا. ومن ضمن الأفعال، أو الإجراءات التي نتجت عن الهجمات على باريس، ذلك الاتفاق الذي تم مؤخراً بين القوى الكبرى على جدول أعمال يضمن تسوية سلمية للأزمة السورية، دون اشتراط تنحي الرئيس بشار الأسد. هذا الاتفاق يمثل تقدماً في رأيي؛ لأن الأزمة السورية لن تنتهي إلا إذا ما اتفقت القوى الخارجية، التي تؤجج نيرانها على الجهة التي ستقوم بمحاربتها. وهذه الجهة هي تنظيم «داعش» بكل تأكيد؛ الذي ساهم بقاؤه على الرغم من الضربات الجوية الأميركية والروسية المتواصلة على قواعده، في زيادة جاذبيته، وبالتالي قدرته على تجنيد المزيد من المقاتلين. ولكن محاربة داعش، يجب أن تتم من خلال مجهود عسكري أكبر بكثير مما هو قائم حاليا، بشرط أن يكون جزءاً من خطة أوسع نطاقاً لمساعدة المسلمين المعتدلين، على رفض ذلك التنظيم، وغيره من التنظيمات المتطرفة. أما الاستجابة لأزمة المهاجرين، فلا تكون من خلال إحكام غلق الحدود، لأن ذلك سيؤدي لتكوين مناطق«أحراش» على غرار تلك الموجودة في مدينة كاليه الفرنسية، ستتحول حتماُ إلى أرضي تفريخ للسخط، وتوليد الأفكار الجهادية. ويجب أن تكون الاستجابة لتلك الأزمة في صورة برنامج واسع النطاق لإعادة توطين المهاجرين في معسكرات في تركيا، ولبنان والأردن؛ مع توضيح أن هؤلاء فقط الذين سيجتازون عمليات التدقيق الأمني في الخارج، هم الذين سيكون لديهم فرصة أكبر بكثير لتأمين اللجوء إلى دول أوروبا، وليس هؤلاء الذين يصلون على متن قوارب. مارك شامبيون* *محلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©