الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوسطية المؤسسية

17 مارس 2016 00:56
يصعبُ على المؤسسات تحقيق مستويات التميُّز دون المرور بمراحل عدة من النُّضج والتطور المؤسسي وصولاً إلى الريادة وتبوُّء مكانة الصدارة والقدوة المؤسسية التي يُحتذى بها. كما تبرز أهمية (الوسطية المؤسسية) في إدراك المؤسسات لدورها وقيمها ومكانتها محليّاً وإقليميّاً وعالميّاً ومن ثم بناء مستقبلها المستدام بمداد الوسطية والاعتدال دون تجاهل لحقائق واقعها وتحدياتها الداخلية والخارجية أو الاعتماد على قشور المعطيات ووهم الانطباعات، وتتطلب الوسطية المؤسسية في حدها الأدنى أربع ركائز: أولاً: العمل المؤسسي رحلة مستمرة وليس مقصداً نَصِلُه ويتوقف المسير، بل هو ضرورة للبقاء والحفاظ على الوجود والمنافسة من أجل تقديم الأفضل. فهو ينقل العمل من الفردية إلى المؤسسية، ومن العفوية إلى التخطيط، ومن محدودية الموارد إلى تعددها وتنوعها، ومن التأثير المحدود إلى التأثير الشامل، ويمكن الاستشهاد بما قامت به كوريا الجنوبية من خلال انتهاج الدولة لسياسة التحسين والتطوير المستمر لهياكل وسياسات العمل المؤسسي في ضوء احتياجات وأهداف التنمية الاقتصادية، وبما يحقق الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والطاقات البشرية الكورية، مما جعلها ثالث دولة صناعية في آسيا (بعد اليابان والصين) وعاشر دولة صناعية على مستوى العالم، بعد أن كانت ثالث أفقر دولة في آسيا في بداية مسيرة التنمية الاقتصادية الكورية عام 1962م. ثانياً: الاعتراف بالآخَر فكراً ونهجاً وممارسةً، والبدء من حيث يفكر أن ينتهي الآخرون، وقد وجد «مهاتير محمد» حين تولى رئاسة وزراء ماليزيا عام 1981م في التجربة اليابانية ضالته المنشودة؛ حيث تم ابتعاث العديد من أبناء ماليزيا للدراسة في اليابان، وكان لاستفادة ماليزيا من النموذج الياباني أثر كبير في تحقيق التنمية، ليس في جانب نقل وتوطين التكنولوجيا فحسب، ولكن من خلال الاستحواذ على نصيب كبير من الاستثمارات الخارجية لليابان، بالإضافة إلى اقتداء ماليزيا بقِيم اليابانيين في العمل والالتزام والتطوير. ثالثاً: التعلُّم المستمر، وتحويل المؤسسة إلى منظمة تعلُّم، من خلال فريق عمل لديه رؤية واضحة ومشتركة، وقدرة ودافعية للتعلم المستمر، والانفتاح على الآخرين، مع العمل بروح الفريق والانتماء المؤسسي؛ مما يتيح الفرصة لاكتشاف المعرفة وإنتاجها وتطبيقها، وهو ما يطلق عليه مفهوم «إدارة المعرفة»، ويقصد به التقنيات والأدوات والموارد البشرية المستخدمة لجمع وإدارة ونشر واستثمار المعرفة. وتأتي الحاجة لتطوير منظمات التعلم نتيجة للضغوط التي تواجهها المؤسسات حاليّاً في ظل التحديات الاقتصادية؛ لتتمكن من الحفاظ على مستويات الابتكار والقدرة التنافسية، وتحسين جودة المخرجات على جميع المستويات. وتُعد تجارب تويوتا وآبل ومايكروسوفت نماذج عملية لأثر فكر منظمات التعلم، حيث تحولت «تويوتا موتورز» إلى أكبر مصنع في العالم؛ نتيجة انتهاجها فكرَ منظمات التعلم والتركيز على تحديد الأسباب الجذرية للمشكلة، ثم التفكير في الأخطاء وفرص التحسين وابتكار تدابير بديلة، وأخيراً: إدخال وتبني مفهوم التحسين المستمر على المنتجات والخدمات. كما نجحت شركة «آبل» بالتفوق على الآخرين، وتحقيق الصدارة؛ نتيجة لمواكبة احتياجات السوق بمنهجية دقيقة وواقعية واستحداث منتجات وخدمات جديدة لتلبية تطلعات العملاء. أما «مايكروسوفت» فقد حققت التحول الهائل والنقلة النوعية عندما انتهجت فكرَ منظمة التعلم واتخذت من طموحات المستخدم محور تركيزها الدائم ومنصة للانطلاق نحو الريادة المستدامة. وتأتي الركيزة الرابعة والأهم للوسطية المؤسسية؛ وهي تبني وغرس قيم وثوابت تعزيز تلك الوسطية، وهذه الركيزة تشكل قوة دافعة للمؤسسة ولأفرادها، كما تُعبِّر عن شخصيتها وتفرُّدها. الدكتور عماد الدين حسين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©