الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رجل يبحث في هاواي

رجل يبحث في هاواي
16 مارس 2016 23:06
نص - كيئتشيرو هيرانو ــ ترجمة - ميسرة عفيفي ولد الأديب الياباني كيئتشيرو هيرانو عام 1975 في محافظة أيتشي بوسط اليابان، وانتقل مع والدته للعيش في مدينة كيتاكيوشو جنوب غرب اليابان بعد وفاة والده وعمره سنة واحدة فقط. درس القانون في جامعة كيوتو القومية ثاني أفضل جامعات اليابان. نشر روايته الأولى «الكسوف» عام 1998، وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وحصلت على جائزة أكوتاغاوا الأدبية المرموقة، وكان أصغر الفائزين بها وقتها. اختارته وزارة التعليم والعلوم والثقافة سفيراً للثقافة اليابانية في فرنسا لعام 2005 وليقيم بها عاماً كاملاً. حصل هيرانو على العديد من الجوائز الأدبية رفيعة المستوى عن أعماله. تُرجمت لهيرانو إلى اللغة العربية روايتي «الكسوف» و «حكاية قمر»... هنا ترجمة لقصته «رجل يبحث في هاواي». ... لقد مر شهران وأنا أبحث في هاواي عن شخص. وها قد مر أسبوع كامل على انتقالي للبحث في جزيرة هاواي، بسبب عدم وصولي في جزيرة «أواهو» إلى أي خيط يقودني في البحث. وأنا أقيم الآن في مجمع فندقي في مدينة «هيلو». إنها المرة الأولى التي أزور فيها هذه المدينة، ولكنها تبدو لي قريبة الشبه من مدينة مولدي؛ ولذا أشعر نوعا ما بشعور غريب وأنا أمشي في شوارعها. فمنذ أن بدأ عرض فيلم (DEJA VU) بطولة دينزل واشنطن، وكلما أرى دعايته يومياً، يأتيني شعور بأن هذا الفيلم يحمل رسالة ضمنية موجهة لي خصيصاً. ألا وهي: هل يمكن أن تكون هذه المدينة هي مدينة مولدي وليست مجرد أنها تشبهها؟ وأنني نسيتُ أنني ولدت ونشأت هنا. ألا يمكن أن تكون الحقيقة هي أنني لستُ يابانيا، بل من الجيل الثالث أو الرابع لعائلة من أصل ياباني؟ بسبب تلك الأوهام السخيفة لم يسفر بحث اليوم عن تحقيق أي إنجاز. ربما كان ذلك الإحساس بسبب نسخة قاعة «هوأودو» بمعبد «بيودوئن» المقلدة التي رأيتها في هضبة مدينة «كاني أوهي» بجزيرة أواهو قبل أن آتي إلى هنا. فأي شخص يرى مكانا مثله، لا بد أن يحتار ولا يعرف أين يوجد الآن. تبدو مدينة هيلو في غاية القِدَم. فالسيارات عتيقة. واللوحات بها مسحة فنية تثير الحنين إلى الماضي. وتوجد في محال الهدايا والعاديات بضائع نادرة وكأن الزمن توقف عندها مثل قمصان «ألوها» مزركشة مطبوع عليها صور إلفيس بريسلي، وحقائب بلون الفهد الأرقط مرسوم عليها صور مارلين مونرو. ولكن إذا نظرتَ إلى أهل المدينة في أي مكان تذهب إليه، تجدهم منهمكين في هواتفهم الذكية، ولذا لا يوجد أي شك أننا في العصر الحاضر. قصة البحث عن شخص هذه غريبة نوعاً ما. فالعميل الذي طلب مني هذا العمل، لم يعطني أي معلومات عن الشخص الذي أبحث عنه. فلا صور له، ولا معلومات عن عمره أو سيرته الذاتية. بل لدرجة أنني لا أعرف اسمه. ما هي وسيلة البحث التي يمكن أن تقودني إلى شخص بلا أي معلومات؟ قال العميل لي: «يمكنك فقط أن تسأل الناس السؤال التالي: «هل تذكر أن رأيتني من قبل؟». بمعنى أن ذلك الشخص الذي يجب أن أبحث عنه، صورة طبق الأصل مني. ويبدو أن العميل اختارني أساسا لهذا السبب. فلتت مني ضحكة ومن أجل التأكد، حاولت أن أسأله السؤال التالي: «ألا يكون الشخص الذي تبحث عنه في الواقع، أنا؟» ابتسمتُ بسخرية ولكن ملامح وجه العميل تحولت فجأة إلى الصرامة وقال: «لا تعود لمثل هذا القول مرة ثانية! حتى ولو مزاحاً! وهذا من أجل سلامتك الشخصية». قهرتني صرامة ملامح الوجه ونبرة الصوت فلزمت الصمت. لم تكن هناك مدة محددة للانتهاء من العمل. ومصاريف الإقامة حُوَّلت لحسابي المصرفي. إنه مبلغ ضئيل على أي حال. كان الطلب هو البحث في كل مدن هاواي واحدة بعد أخرى، وكنت أنا أدور وألف موجهاً ذلك السؤال الغبي مثلما قيل لي تماماً: «مهلاً، هل يمكنني أن أسألك سؤالاً غريباً؟ هل تقابلنا من قبل؟». ذهبت اليوم إلى الشاطئ؛ لأن الطقس كان صحوا للمرة الأولى منذ مجيئي لمدينة هيلو. كان الشاطئ على خلاف منطقة وايكيكي هادئاً وغير مزدحم. فكرتُ في تلك المرأة التي كنت على علاقة بها في أواهو، وأنا أرنو إلى النساء اللاتي يأخذن حماما شمسياً. كانت تعمل في بار بفندق في وايكيكي، وهي الإنسان الوحيد الذي أجاب عن سؤالي بما يلي: «بالتأكيد تقابلنا. ويسعدني أننا تلاقينا مرة ثانية». فرحتُ فرحاً عظيماً لأنني اعتقدتُ أنني أمسكتُ أخيراً خيطا يمكن أن يوصلني لشيء. ولكن كان الأمر مجرد أن المرأة ظنت أن أحد السكارى يخطب ودَّها. لقد أحسستُ بغضب شديد، ولكن كانت المرأة لسبب ما قد أُعجبتْ بي. كانت منذ البداية حميمية بشكل مريب وتأتي بعد نهاية عملها إلى غرفتي ونحتسي معاً الكثير من الجعة. وعندما تأملتها بدقة وجدتُ أنها على درجة عالية من الجمال ولذا تلقائيا صرتُ أنا أيضاً في حالة استرخاء. كان يوجد في الجزء الأيمن من المرأة وشم لوردة وسحلية. تذكرتُ أنني رأيت ذلك الوشم في مكان ما، فسألتها لا إرادياً أثناء الفعل، هل هذا الوشم يرمز لشيء؟ المرأة للحظة صار وجهها وديعا وبدأت شرحاً طويلاً مستفيضاً وكأنها تشرح لطفل صغير بنبرة تعليمية. ولقد فقدتُ اهتمامي في منتصف الشرح فأغلقتُ فمها بقبلة. لا أستطيع الآن أن أتذكر ماذا كانت تشرح. في الصباح التالي المرأة التي أخذت حمّاما وخرجت، تأملتني وكنتُ أفركُ عيني التي مازالت ناعسة فوق السرير وقالت بشفقة عميقة: «أنت! أعتقد أنك لن تجد الشخص الذي تبحث عنه». ماذا؟ «أنت تبحث عن شخص لا وجود له». «ماذا تقولين؟» «لن أُسيئ القول، ولكن يجب أن تكف عن البحث. أنت تضيع عمرك هباء». أمسكتُ بعلب الجعة الباقية بجوار الوسادة وقذفتها تجاه المرأة فأرغمتها على الخروج من الغرفة. بعد أن خلت الغرفة وأصبحت وحدي عوجتُ عنقي للجنب مندهشا في الغرفة الموحشة. لم أكن من نوع البشر الذي يقذف امرأة بشيء بسبب الغضب أو الانفعال. ما الذي جعلني أغضب؟ خرجتُ إلى الممر على عجل محاولاً أن أجعلها تعود، ولكن كانت المرأة قد اختفت. من أجل ذلك خرجت للشرفة وانحنيت بجسمي محاولاً أن أنادي عليها لتعود عندما أجدها تخرج من باب الفندق، وانتظرت لفترة، ولكن لسبب ما لم تظهر المرأة مهما مر من الوقت. لم يكن أمراً غريباً. فربما خرجت من باب آخر في مكان ما لا أعلمه أنا.... كان اليوم خالياً تماماً من أي حصيلة. بعد عودتي إلى الفندق، جلست بمفردي أحتسي الجعة مع قطع من المانجو المجفف كمقبلات. أعجبني طعم الجعة الذي أصبح يشبه كوكتيلا من جعة الفواكه. بعد أن غربت الشمس تماما، صرتُ أحس بالقلق تدريجياً. ثم جاءني خاطر أن أتصل بالعميل. على ذكر ذلك لقد قال لي، إنه يجب علي إبلاغه في حالة تغيري لمحل إقامتي هنا. إنه لا زال يعتقد أنني في أواهو إلى الآن. ظللت بعد ذلك لفترة أبحث عن الورقة التي كتبت بها وسيلة التواصل مع العميل، ولكني لم أفلح في العثور عليها مهما بذلت من جهد في البحث. وحتى عندما فتحت صندوق الوارد من البريد الإلكتروني وجدت أن جميع المراسلات بيننا قد حُذفت. أصيبتُ بالارتباك، فخرجت إلى الشرفة ودخنت سيجارة لاستعادة هدوئي النفسي. غرفة رخيصة لا تطل على البحر، تأملت أضواء السيارات الأمامية التي تذهب وتجيء في الطريق. فجأة فكرت أنه لا بد أنها هي. تلك المرأة هي التي حذفت كل المعلومات عن العميل حتى تجعلني أكف عن البحث عن الشخص المفقود! ولكن يأتيني إحساس أننا بعد أن سكرنا تلك الليلة تحدثنا عن أمر آخر مختلف. ألا يكون الأمر على العكس من ذلك؟ أنا الذي أصابني الغضب من تلك المهمة التي لا يحدث بها أي تقدم، قمتُ بحذف معلومات العميل ولم أستمع للمرأة التي حاولت منعي من ذلك؟ هجمتْ عليّ نوبة رعشة برد سيئة مزعجة. كنت على وشك إشعال النار في السيجارة الثانية، بعد انتهائي من تدخين السيجارة الأولى. ولكن النار لا تريد أن تشتعل مهما حاولت. وعندما نظرتُ إلى منفضة السجائر بلا أي تفكير، وجدتها لسبب ما تمتلئ بكومٍ من أعقاب السجائر التي دُخنّت. ولكن بالمناسبة قبل مجيئي إلى هنا، أين كنت يا ترى؟ بالطبع كنتُ في أواهو. وقبل ذلك؟ هذا ما لا يمكنني تذكره مهما فعلت. كُن بارداً وهادئاً. يجب التفكر بهدوء. لقد جئت هذه الأرض للبحث عن شخص ما. رجل يشبهني تماماً، أدور وأسأل الناس هل سبق أن قابلتني من قبل؟ ثم فقدت هنا معلومات العميل. أجل، لقد كنت في جزيرة هاواي من قبل. ألم تكن جزيرة أواهو هي في الأصل التي ذهبت إليها للبحث فيها عن عميلي؟... فكرت وأنا أهشم علبة السجائر الفارغة بين يدي، أن أبحث في الغد عن تلك المرأة وليس عن الرجل الذي يشبهني كتوأمي. لو ذهبت إلى بار ذلك الفندق فربما أستطيع لقاءَها. هل هي غضبى يا ترى؟ هل يمكن أن أقولها لها ما يلي على سبيل المزاح: مهلاً، هل يمكنني أن أسألك سؤالاً غريباً: هل تقابلنا من قبل؟ تذكرتُ مرة أخرى ملامح وجه المرأة. بالتأكيد كانت ستقول مرة ثانية بملامح عينيها الحميمية وكأنها تتعاطف معي: «بالتأكيد تقابلنا. ويسعدني أننا تلاقينا مرة ثانية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©