السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر: لحظة رأب الصدع الطائفي

17 نوفمبر 2011 13:54
أعادت صور المشير طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر، وهو يقابل البابا شنودة الثالث مؤخراً، ذكريات عن محاولات النظام السابق نزع فتيل التوترات الطائفية من خلال لقاءات منظمة ومرتبة لم ينتج عنها شيء في بعض الأحيان. إلا أن هذا اللقاء الأخير يأتي في فترة فارقة من تاريخ مصر الحديث، ولذا فإنه يشكّل خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح. وفي الواقع فقد جاء اجتماع طنطاوي وشنودة ضمن سياق محاولة لاحتواء تداعيات أي احتقان طائفي في أعقاب المواجهات العنيفة بين القوات المسلحة وآلاف من الأقباط المحتجين الذين ساروا في مظاهرة أمام مبنى التلفزيون الرسمي يوم 9 أكتوبر الماضي. وقد نتج عن الاحتكاك الذي وقع بين الطرفين مقتل 27 متظاهراً وإصابة آخرين بجراح ما جعل المسألة الطائفية تثير قلقاً محسوساً في الشارع المصري الحريص على وحدته الوطنية. وقد نتجت عن اجتماع طنطاوي وشنودة موافقة الطرفين على العمل معاً لإعطاء الاهتمامات والمطالب القبطية ما تستحقه من عناية، وفي مقدمتها حق بناء كنائس جديدة والحصول على تراخيص للكنائس التي تعمل حاليّاً بدون رخصة، وهي قضية تسببت أحياناً في بعض التوتر خلال الأشهر الأخيرة. وفي هذا السياق قال مسؤولو الكنيسة، إن النظام السابق سمح لبعض الكنائس بالعمل دون ترخيص حتى يتفادى إصدارها، ولكن ذلك ترك هذه الكنائس تعمل دون توثيق رسمي صحيح وهو ما قد يعني جعلها عمليّاً عرضة لاحتجاجات بعض المتطرفين. أما مظاهرات التاسع من أكتوبر فقد بدأت عندما هاجمت مجموعة من المسلمين المتطرفين كنيسة قبطية غير مرخصة في بلدة "إدفو" في جنوب مصر، وقيل إنهم أشعلوا النار في جزء منها. وقد أثار ذلك غضب الأقباط في أنحاء عديدة من مصر، إضافة إلى انعدام التجاوب المناسب من قبل السلطات بحسب المحتجين، الذين خرجوا إلى الشوارع مما نتج عنه الاحتكاك مع قوات الجيش. أثناء الاجتماع المذكور، وعد رئيس المجلس العسكري شنودة بإصدار قانون يتعامل بشكل شامل مع قضية بناء الكنائس، ويصدر أيضاً تراخيص لتلك الكنائس التي تعمل حاليّاً من دون ترخيص. ولا شك أن مثل هذا التوجه سيكون له أثر إيجابي ملموس وداعم لاستدامة حالة التعايش والتسامح الطائفي في مصر. ويعتبر الحوار بين الكنيسة والدولة أساسيّاً وضروريّاً من أجل ضمان استقرار البلاد. وهو كذلك يرسل رسالة إلى أقباط مصر، يؤكد فيها على دورهم كجزء متأصل من الأمة، ويطمئنهم بأن الدولة على استعداد لاتخاذ إجراءات تضمن عدم تكرار أي عنف ذي خلفية طائفية. وعلى رغم الأجواء الإيجابية التي جرى فيها الاجتماع، وما تمخض عنه من نتائج جيدة، إلا أن بعض الأقباط المتشددين ما زالوا ينتقدون المجلس العسكري، ويعتبرونه امتداداً للنظام السابق، الذي يقولون إنه تجاهل قضاياهم وأمعن في تهميش استحقاقات المسألة الطائفية من خلال عدم توفير الأمن الذي هم بحاجة شديدة إليه في أوقات التوتر، كما ثبت من هجمات عديدة ضد الأقباط، بما فيها قنبلة كنيسة القديسين ليلة رأس السنة في الإسكندرية، ما أدى إلى مقتل 21 شخصاً. وفي ذلك الوقت اتهم الأقباط حكومة النظام السابق بعدم توفير الأمن الكافي على نحو يضمن حماية الكنيسة. وفيما يتعلق بصدامات التاسع من أكتوبر يتضارب تقرير الجهات الرسمية مع دعاوى بعض المتظاهرين، حيث أكد التقرير الرسمي على أن المتظاهرين الأقباط هم الذين بادروا بالهجوم وأن عناصر القوات المسلحة كانوا يدافعون عن أنفسهم فقط، في حين ينفي المحتجون الأقباط ذلك ويوردون رواية أخرى لما جرى. وقد أصدر المجلس الحاكم مشروع قانون جديدا بعد الأحداث، يجرّم التمييز بكافة أشكاله، بما فيه التمييز الديني. ولسد أية ثغرات أو صدوع يخشى أن تحدث في البنية الطائفية والوحدة الوطنية يتعين البدء على مستوى الجذور وإعادة بناء الثقة بين المجموعتين الدينيتين في مصر، أي المسلمين والأقباط، وهذا يعد أمراً أساسيّاً، ولابد أن يتم ذلك بطريقة تتجاوز الحوار المؤطّر على أساس "نحن" ضد "هم". ومن الأهمية بمكان توليد فهم مشترك مؤداه أن البلد بأكمله ضد العنف بكافة أشكاله، وخاصة منه ما كان على خلفية طائفية، لأنه لا يؤدي إلا إلى المزيد من عدم الاستقرار. ويتعين على الأقباط خاصة التخلص من شكوكهم، وقبول وعود المجلس بإصلاح كل ما يحتاج الإصلاح في ملف المسألة الطائفية. ونتيجة للاحتقان بسبب هجمات التاسع من أكتوبر، ينادي بعض المحتجين داخل المجتمع القبطي بمقاطعة الانتخابات المقبلة. ولكن عدم المشاركة في أول انتخابات حرة تتم في مصر بعد ثلاثين عاماً من التزوير وسوء التمثيل سيشكّل خطأ فادحاً وفرصة ضائعة على الأقباط لصنع التاريخ باعتبارهم طرفاً أصيلاً ومهمّاً في المواطَنَة المصرية. وفي رأيي الشخصي أن المساعدة على إعادة بناء كنيسة "إدفو" يمكن أن تساعد على اندمال بعض الجراح، ولكن ذلك سيكون رمزيّاً بمعنى ما، حيث إنه غير كافٍ في حد ذاته لاجتثاث الجذور الحقيقية للعنف. وستكون لتجسير الفجوة الطائفية عن طريق التواصل والنية الصادقة أهمية بالغة. فبعد كل ما مرّوا به مؤخراً، يفهم المصريون أنهم جميعاً متساوون عندما يتعلق الأمر بالفقر والعدالة الاجتماعية وانعدام الفرص. ولذا فإن عليهم أن يدركوا أنه يتعين عليهم العمل معاً والتخلي عن أية تفسيرات خاطئة سلبية حتى يتسنى لهم إيجاد تغيير إيجابي وإصلاح حقيقي، وشراكة بناءة في استكمال مشروع بلادهم الوطني. منار عمّار - كاتبة صحفية مصرية ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©