السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرب بين عود أعوج.. وعقل جمعي أعرج!

10 نوفمبر 2015 22:32
عندما ادعى مسيلمة الكذاب النبوة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أراد أن يستثمر عداء قريش للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يستميل مشركي مكة ليصدقوه، ويكون وسيلتهم للقضاء على الإسلام في مهده، فأرسل مسيلمة رسله في كل أنحاء الجزيرة العربية يدعو عن طريقهم إلى نبوته المزعومة.. وذهب أحد رسل مسيلمة إلى مكة واجتمع مع زعماء قريش، وراح يدعوهم إلى تصديق مسيلمة ويعدهم باقتسام خيرات اليمامة موطن مسيلمة معهم. وكان سياق الأحداث يوحي بأن دعوة مسيلمة ستجد أرضاً خصبة لدى كفار مكة بوصفها فرصة للانقضاض على الرسول الكريم وصحابته بالمدينة المنورة.. لكن القبلية العرقية انتصرت على القبلية الفكرية، وطغت قبلية العرق على قبلية الفكر، فقد رفض كفار مكة وزعماء قريش دعوة مسيلمة بن حنيفة الكذاب وطردوا رسوله، وقالوا جملة قبلية عرقية شهيرة وباقية في العرب إلى الآن وهي: كذاب بني هاشم خير لنا من كذاب بني حنيفة. لم يحسبها كفار قريش بالعقل ولا بالمصلحة ولا بالفكر، ولكنهم حسبوها بالعرق والدم والعصبية.. وهي الحسبة التي انتهت تماماً مع اندلاع الفتنة الكبرى لتحل محلها حسبة أخرى ولافتة مغايرة هي لافتة قبلية الدين التي كانت أخطر على العرب من قبلية الدم والعرق، بل كانت الحالقة للدين نفسه. وقيل ويقال، إن قتلى العرب بأيديهم وباسم الدين بلغ أضعاف أضعاف قتلى العرب بأيدي من سميناهم ونسميهم أعداء الدين من العجم واليهود وغيرهم. وبفعل القبلية المتجذرة في التركيبة النفسية العربية أصبح الدين عامل فرقة وخلاف، بدلاً من أن يوحد العرب. كالذي أتته آيات الله فانسلخ عنها وصار مثله كمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، وبدلاً من أن يرتفع بها أخلد إلى الأرض، وأكاد ألمح في هذا المشهد الذي صوره القرآن الكريم ذماً واضحاً للنظرة القبلية الضيقة التي تفصل كل الأفكار والمناهج والعقائد على مقاس العصبية القبلية، بل تجعل الدين تابعاً لا متبوعاً، ومقوداً لا قائداً، وهذا هو الانسلاخ عن آيات الله ومنهجه عز وجل، وهو ما يجعل المرء ضيق الأفق والنظرة يخلد إلى الأرض ويهبط إلى الهاوية بنفس الآيات التي ينبغي أن ترفعه إلى عنان السماء. المشكلة تتلخص في الإناء العربي، وليست أبداً في السائل أو الفكر، أو المنهج الذي يوضع بهذا الإناء، ونحن دوماً منشغلون بتغيير الفكر أو المنهج، وغافلون عن أن المشكلة في الوعاء أو الإناء. هناك دائماً عواء حول صلاحية منهج ما وعدم صلاحية آخر، لكن لا يوجد عواء بشأن صلاحية أو عدم صلاحية الوعاء، والفرد العربي نفسه وعاء لما يحتضنه ويضمه عقله من أفكار ومبادئ ورؤى. والوعاء العربي على مستوى الفرد والجماعة وعاء قبلي مصنوع من مادة القبلية، وهذه المادة تصبغ كل الأفكار والمناهج والنظريات التي توضع في الوعاء. المادة الخام للإناء العربي تتفاعل مع كل منهج أو فكر يوضع به، فيصبح الدين قبلياً والفكر قبلياً والسياسة قبلية، حتى السياسة صارت قبلية في الوعاء العربي، فالأحزاب قبائل والنقابات المهنية قبائل والتيارات التي يقال عنها سياسية قبائل.. وهكذا كان القوميون والبعثيون والناصريون والاشتراكيون والتقدميون، كانت كل هذه التيارات تتحرك وتتعامل بشكل قبلي كامل، وكل تيار يتمكن من السلطة يقسم الكعكة على المنتمين إلى قبيلته بصرف النظر عن الأحقية والأهلية والكفاءة، ومفهوم أهل الثقة وتفضيلهم على أهل الخبرة الذي ساد الأمة العربية، وما زال يسود دولاً كثيرة بها هو مفهوم قبلي صرف. وكان يقال، إنه أمر طبيعي أن يستعين أي مسؤول برجاله لتنفيذ رؤيته.. وهكذا فعلت كل التيارات التي تعاقبت على هذه الأمة من قوميين إلى إسلاميين. المسؤول يستعين برجال قبيلته الفكرية أو بحاشيته الفكرية لا برجال الوطن.. لذلك كان العرب دوماً في حالة شطب لا كتابة وفي حالة محو ونفي لا إثبات.. كل قبيلة فكرية تحكم أو تدير أو تعلو، أو تتبوأ القمة تشطب وتمحو ما قد سلف وما كتبته أو بنته القبيلة الفكرية أو الدينية أو السياسية السابقة.. لذلك لا يعلو بناء ولا يستقر السائل في الإناء ولا يبقى في الوعاء إلا العواء.. وعندما تولي وجهك شطر دول كثيرة، مثل العراق أو لبنان أو سوريا أو اليمن أو مصر منذ ضرب هذه الدول خريف العرب تجدها على رمال متحركة لا يقر لها قرار، ولا ينطفئ لنارها أوار.. لماذا؟ لأن الوطن في هذه الدول متآكل ومنقرض وضامر وترى في كل دولة خياماً كثيرة ولافتات كثيرة ولا تكاد تلمح خيمة أو فسطاطاً أو لافتة الوطن.. هنا خيمة الإخوان.. وهناك خيمة السلفيين، وخيمة السنة، وخيمة الشيعة، وخيمة الجماعات الإرهابية التي لا ترى بالعين المجردة وخيمة الليبراليين، وخيام العلمانيين والحقوقيين والأحزاب والإعلام والنقابات.. ولا يوجد أي أثر لخيمة الوطن.. وكل هذه الخيام أقوى وأوسع من الوطن.. وكل خيمة خصخصت الوطن واختزلته واحتكرته واحتكرت معه الحقيقة.. ولا يوجد جوار ولا حوار، وإنما هي القبلية الفكرية المقيتة والمميتة التي تقوم على كراهية الآخر واحتقاره والتعالي عليه، ثم العداء له حتى تتفجر دماء العرب أنهاراً لا تجف أبداً.. خلاصة المشكلة يا قومنا هي الإناء، وليست السائل الذي نضعه في هذا الإناء.. ولا يستقيم الظل والعود أعوج، ولا علاج للعقل أو الفكر الأعرج! *محمد أبوكريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©