الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لغة الضاد بين التجلي والتخلي

12 فبراير 2018 00:58
بمودة ووفاء تتجه الأنظار صوب لغتنا العربية، وتهفو لها القلوب، وتحتضنها ببر ومحبة سواعد وقلوب أولي العزم الذين تنادوا في إمارات الخير والعطاء على السير بها نحو ناصية المجد وإزاحة ما يعيق دورها كفنار هداية لأجيال تحث الخطى في مسيرة عطائها وإبداعها وهي ترفل زهواً بمجموعة أطر تشريعية ومبادرات رسمية وبرامج حكومية، حيث أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، القانون الوطني للقراءة، كما خصص العام 2016 عاماً للقراءة، وعلى النهج ذاته سار مشروع تحدي القراءة العربي الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وأصدر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مرسوماً بإنشاء وتنظيم مجمع اللغة العربية. إن هذه التوجهات تهدف إلى تنمية رأس المال البشري وبناء القدرات الذهنية والمعرفية ودعم الإنتاج الفكري، وبناء مجتمع المعرفة، وأساس تحقق ذلك هو اللغة العربية، لأنها ليست وسيلة تعبير فحسب بل وسيلة تفكير، وأهم مكون للهوية، فالعلاقة بين اللغة العربية والهوية العربية تفاعلية وتلازمية. ولعل هذا الاهتمام بلغتنا، وبالتالي هويتنا، هو النهج الصحيح والتفكر الواعي في تسجيل حضورنا الفاعل وليس المنفعل، حيث تدفع العولمة بالمتغيرات إلى حدود غير مسبوقة وبسرعة غير معهودة، ينتقل فيها البشر من طور إلى آخر. نقف بانبهار وأحياناً بنوع من العجز أمام السيل المعلوماتي المتدفق بسرعة، مع بروز قوى متعددة الأبعاد، وتكنولوجيا فائقة القدرة، وفضاء تواصلي وتفاعلي عناوينه الحاسوب والشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية التي ألغت الحدود الجغرافية، وانكشفت من خلالها الهويات الوطنية والقومية، وتعرضت للتجريف أمام تجليات العولمة المتمثلة في جانب منها في تسليع الثقافة، حيث أصبحت الثقافة سلعة تتحدد قيمتها بمعيار الربح والخسارة، وهيمنة نمط ثقافي يلتهم التنوع ويقصي اللغات لمصلحة لغة مهيمنة. إزاء حجم هذه التحديات البنيوية التي تعمل دون كلل لطرق جدار كينونتنا ومسخ هويتنا ولغتنا، لا بد من مواجهة هذه التحديات بالتحصين والترصين، وأولها لغتنا فهي كشأن اللغات الأخرى كائن حي ينبض وينمو ويتطور، وله قدرة التكيف والهضم، حيث تثرى اللغة بتفاعلها مع لغات مغايرة، وتحافظ على حضورها الفاعل حين تكون لها الصدارة والأسبقية كلغة للتعليم والتأليف والبحث، وأن تتقدم الصفوف في أولوية نظامنا المعرفي. خطوات الاهتمام بلغتنا العربية قطعت شوطاً حميداً، ولكنها تنتظر المزيد في إماطة الأشواك وتفتيت الصخور التي تعترض مسارها. فقد استسلمنا طوعاً أو كراهية لثورة المعلومات بما حملته لنا من مسميات ومصطلحات صيغت بلغة غير لغتنا، وهذا الشيوع لا يعني عجزاً في لغتنا بل تهاون أبنائها وتباطؤ ذوي الشأن والاختصاص في متابعة وملاحقة القفزات المعلوماتية والعلمية، حيث يشهد اليوم الواحد ولادة أكثر من خمسين مصطلحاً علمياً، ويتساوى مع هذا تفاقم الأخطار التي تهدد الهوية العربية حين حلت اللغات الأجنبية محل العربية كلغة تعليم وتدريس في مجتمعنا، بل انسحبت اللغة العربية في الكثير من اللقاءات كوسيلة حوار وتفاهم. كل هذا ينبئنا بصحة الطريق الذي اختطته الإمارات وقادتها في تقدير حجم الخطوب التي تعترض لغتنا العربية، وتحديد مسارات التصدي لها بعقلية علمية ونوايا مخلصة، رسمت معالم الطريق، ووضعت أولى خطواته، وستتبعه بخطوات أخرى. وبكل تفاؤل نحن أمة اقرأ نعانق لغتنا العربية، ونعبر لها عن معاني التبجيل والتعظيم ومن وهج حروفها الوضاءة التي لم ولن تأفل. د. مثال صبري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©