الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المطارات الأميركية: محنة الإجراءات الأمنية

12 نوفمبر 2011 15:22
لا بد أن الأمر كان يتعلق بربطة العنق التي كنت أرتديها، تلك الربطة التي يعود تاريخ شرائها إلى أكثر من عقد من الزمن بألوانها الوردية الزاهية المزدانة بالورود الصغيرة، كما أني من الأشخاص الذين يصرون دائماً في سفراتهم على ارتداء ربطة العنق، ربما لأن الجيل الذي انتمي إليه يفضل هنداماً تقليدياً خلال السفر حتى لو كان يسافر في المقاعد الخلفية وعلى الدرجة السياحية التي لا ينتبه لك فيها أحد، غير أن الأمر قد يكون ببساطة مرتبطاً أكثر بالإحساس بالدفء الذي تولده ربطه العنق عندما تكون محلقاً على ارتفاع 35 ألف قدم على سطح الأرض. ومهما يكن السبب فقد تصادف هذه المرة أني كنت ماراً بأحد المطارات الأميركية الكبرى، وكانت جميع أوراقي حسب الأصول، وكل الأغراض الشخصية مرتبة داخل حقيبة بلاستيكية صغيرة محكمة الإغلاق، فتوقعت أن أمر سريعاً عبر مراحل التفتيش المختلفة لأشق طريقي بسهولة ويسر إلى مقعدي في الطائرة. لكن شعوراً غامضاً بعدم الارتياح جعلني أتخوف من استخدام جواز سفري الأميركي كبطاقة هوية خاصة، وقد كان ذلك فخاً حقيقاً وعقبة قد تُسقط أكثر الناس حذراً في شكوك رجال أمن المطار، لا سيما بعد أسبوع على حلول الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. فلو أن سلطات إدارة الأمن المسؤولة عن تأمين وسائل النقل في الولايات المتحدة أرادت التركيز على بطاقة الهوية لدخلت في متاهات لا قبل لي بها، وقد سبق لي في مطار "شارل ديجول" الفرنسي أن احتُجزت لعشرين دقيقة فيما رجال الأمن يفتشون أمتعني ويفحصون جواز السفر بعصبية واضحة، وربما أثناء ذلك كانوا يلتقطون صوراً لي من كل الزوايا للتحقق من أني لست شخصاً مطلوباً. وقد تفهمت هذا التفتيش لأن جواز سفري يحمل أختاماً من شتى المطارات في لبنان وأفغانستان وصربيا والعراق وسوريا ناهيك عن إيران وروسيا وأوكرانيا وغيرها من المناطق الساخنة حول العالم. ولعل أكثرها إثارة للشك والقلق هي الأختام من باكستان، لكن رغم ذلك لم ينتبه مسؤول المطار الفرنسي لكل ذلك واكتفى بتفحص الصورة في جواز السفر ومدى مطابقتها للوجه الحي الذي كان يحدق فيه بقلق بالغ. وبعد ذلك داخلني تخوف من نوع آخر فقبل المرور عبر جهاز الرصد الآلي بدأت أطرح أسئلة حول هاتفي النقال، فماذا مثلاً لو انطلق في رنته التي هي عبارة عن النشيد الوطني القديم للاتحاد السوفييتي حيث يتغنى الروس بلينين؟ فلو رنت تلك الأنشودة لانتهى بي الأمر متهماً بالتخريب، وفكرت أيضاً أن المرور بالمطارات الأميركية اليوم أصبح شبيهاً بمطارات حقبة الحرب الباردة عندما كان المسافر يمر عبر نقطة تفتيش "تشارلي" في برلين المقسمة، أو بمطار موسكو وكيف كانت عناصر "كي جي بي" والشرطة السرية الألمانية ترعب المسافرين قبل ركوب الطائرة. وسواء كنت في مطار شيكاجو أو غيره تبقى الإجراءات الأمنية المشددة نفسها ونقاط التفتيش المتعددة هي ذاتها ما أن تجتاز واحدة حتى تفكر في اللاحقة، وهكذا وعندما كنت متوجهاً نحو جهاز الرصد سحبني رجل أمن ليأخذني إلى مكان لإجراء فحص كلي للجسد عبر آلة المسح الضوئي، وبادرني قائلاً: "ضع يديك على رأسك" لينظر الضابط إلى أحشائي عبر آلة المسح، لكن ذلك لم يكف على ما يبدو ليقتادني ضابطان إلى غرفة خاصة ليقول لي أحدهما "لقد اكتشفنا شيئاً غير عادي في جسمك". لم أدرِ في تلك اللحظة هل عليّ أن أدعو الله أن يكون الأمر خيراً، أم أطالب باستدعاء طبيب، لا سيما بعدما بدأ المسؤول في وضع قفازات مطاطية من النوع الذي يضعها الأطباء والجراحون، ليسألني "هل زرعت شيئاً في جسمك؟" ولأني لم أفهم ماذا يقصد بالسؤال سمحت له بفحص جسمي، وعندما أيقن بأنه لا شيء غير عادي وبأن الأمور على ما يرام تطوعت باقتراح إزالة كامل ملابسي حتى الداخلية منها. وعندما تساءلت مع نفسي عن سر هذه التعقيدات حتى في المطارات الأميركية رجعت إلى مسألة ربطة العنق، فربما أن طبيعة الهندام تزعج بعض الناس وتدفعهم إلى التشك، وهكذا... قد تكون ربطة العنق واللباس الرسمي أثارا حفيظة مسؤولي الأمن في المطار الأميركي، ذلك أن الأميركي الحقيقي في وجهة نظهرهم هو الشخص الذي يعتمر قبعة "بيسبول" ويرتدي حذاء رياضياً، وقد تجد نفسك في بعض المرات محاصراً بمزاجية بعض المسؤولين مثل تلك المرة التي أوقفني فيها ضابط كبير في مطار أميركي لا لشيء إلا ليتأكد من ماركة ساعة اليد التي كانت في رسغي والتي يبدو أنها أعجبته، بل أصر على تجريبها على يده علَّه يشتري واحدة مثلها، لكن رغم كل هذه العقبات الأمنية يبقى الوضع أفضل مما كان عليه في الحرب الباردة عندما كان الضباط يطلقون النار في ألمانيا الشرقية على المواطنين الهاربين خارج الحدود. والتر روجرز كاتب أميركي ومراسل سابق في "سي.إن.إن" ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©