الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجموعة «كاير» كنز نادر من التحف الإسلامية

مجموعة «كاير» كنز نادر من التحف الإسلامية
8 نوفمبر 2013 20:08
أحمد الصاوي (القاهرة) - تحتل المجموعة الفنية المعروفة باسم مجموعة كاير مكانة متميزة بين معروضات متحف برجامون للفن الإسلامي ببرلين، وقد أضافت تلك المجموعة التي أهداها للمتحف إدموند دي إنجر في عام 2008 قيمة كبيرة إلى مقتنيات هذا المتحف نظرا لتنوعها الكبير وعناية صاحبها المجري الأصل بشراء القطع النادرة من التحف الإسلامية والتي حصل عليها بالشراء من بلدان الشرق الإسلامي أو من صالات المزادات الكبرى في اوروبا. وهذه المجموعة من أهم المجموعات الفنية التي بدأ تشكلها في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية وهي تجمع بين قطع نادرة من السجاد التركي والإيراني والهندي ومجموعات من أواني وبلاطات الخزف ذي البريق المعدني وروائع من المنسوجات الإسلامية وعدد من المخطوطات الإسلامية المصورة والنسخ النادرة من المصحف الشريف بحسب المراحل التي مرت بها جهود إدموند دي إنجر لجمع التحف الفنية الإسلامية. دراسات علمية وتبقى مجموعة الأواني والتحف المعدنية أهم ما يميز تلك المجموعة التي بدأت في منزل إدموند في كاير قرب ويمبلدون بالعاصمة البريطانية لندن ومن ثم أطلق عليها مجموعة كاير على سبيل التفاؤل بمقره الأثير الذي لجأ إليه خلال فترة الحرب العالمية الثانية. وقد حظيت تلك التحف المعدنية بعدة دراسات علمية متخصصة نظرا لتنوعها الكبير واشتمالها على عدد لا بأس به من القطع المؤرخة. ومن أقدم تلك التحف إبريق ماء غالبا ما كان يستخدم للوضوء والاغتسال وهو مصنوع من البرونز ويعود تاريخ إنتاجه للقرن الثاني الهجري ونظرا للتشابه الكبير بينه وبين الإبريق المعروف بإبريق مروان بن محمد والمحفوظ بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة فمن المرجح أنه يعود للعصر الأموي. ويتميز ببدنه الكروي المنفذ بأسلوب الطرق ثم بفوهته ذات الزخارف النباتية المنفذة بأسلوب التفريغ وبصنبوره الذي يتخذ هيئة ديك يتأهب للصياح وذلك العنصر الأخير من المؤثرات الساسانية على الأواني المعدنية في العصر الإسلامي المبكر. وبالمجموعة قطع رائعة عدة من شمال سوريا تعود في مجملها لعصر الأتابكة والأيوبيين وهي تشهد بازدهار صناعة التحف المعدنية المكفتة بالفضة والذهب في إقليم الجزيرة الفراتية، وذلك بفضل رعاية الأتابكة لصناع المعادن الموصليين الذين نقلوا أسلوب مدينتهم لمنطقة الجزيرة ثم بعد ذلك لمصر في عصر المماليك. زخارف نباتية ومن أهم تلك القطع سلطانية من الفضة المذهبة تتميز بزخارف نباتية داخل المناطق التي قسم إليها البدن الخارجي وبشريط من الكتابة النسخية يحمل اسم صاحبها وهو ألغ قيماز أحد أتابكة الشام في عهد نور الدين محمود زنكي ونص هذا الشريط « العز الدائم والإقبال السالم والنصر الغالب والسعادة والبقاء لصاحبه الأمير الأسفهسلار «قائد العسكر» الكبير المؤيد المظفر بدر الدولة والدين ملك الأمراء ألغ قيماز». ومن سوريا أيضا ولكن في القرن السابع الهجري زمن الأيوبيين نجد إبريقا مثمن البدن من البرونز المكفت بالفضة وهو لصانع من الموصل كان يقيم بشمال سوريا في منطقة الجزيرة وقد ترك توقيعه على هذا النحو : عمل أحمد المعروف الذكي النقاش الموصلي في سنة أربعين و ستمئة أي قبل ظهور دولة الماليك بنحو ثماني سنوات. ومن ذات الحقبة الأيوبية توجد بمجموعة كاير مبخرة من النحاس الأصفر المكفت بالفضة وهي من التحف النادرة نظرا لأنها تحمل اسم أحد سلاطين الدولة الأيوبية وقد نقش عليها بالخط النسخي: عز لمولانا السلطان الملك العادل المؤيد المظفر المنصور سيف الدنيا والدين أبي بكر بن السلطان الملك الكامل محمد بن ابي بكر بن أيوب خليل أمير المؤمنين وهو ما يعني أنها صنعت للعادل في حياة أبيه الملك الكامل محمد قبل أن يتولى العادل الحكم خلفا لأبيه. قطع فنية أما من مصر التي مر بها إدموند وجمع بعضا من تحفها عن طريق الشراء من تجار العاديات بعد الحرب العالمية الثانية فثمة قطع فنية نادرة منها قطع من صنابير لأحواض فوارات صنعت من البرونز المصبوب تعود للعصر الفاطمي وقد اتخذ بعضها هيئة طائر وأيضا هيئة شاة زخرف بدنها بزخارف نباتية محفورة. بيد أن أهم التحف المعدنية التي اشتراها إدموند من القاهرة صحن من النحاس الأصفر المكفت بالفضة وقد زخرف عن طريق الضغط بزخارف الأرابيسك في وسط الصحن وحوافه بينما شغل الإطار الداخلي بشريط كتابي من الفضة يحمل اسم صاحب الصحن وهو السلطان المنصور قلاوون ويبدو من الكتابات أنه صنع برسمه قبل توليه السلطنة نظرا لخلوه من لقب الملك أو السلطان المنصور ونص هذه الكتابة المالكي العالمي العادلي الناصري العالمي الحسامي الغازي الخالدي المرابطي قلاوون الصالحي عز نصره. ولم تخل مجموعة التحف المعدنية المميزة التي شملتها مجموعة كير من قطع من إنتاج الشرق الإسلامي. فمن الأناضول نجد فانوسا من البرونز المفرغ اتخذ هيئة الأضرحة السلجوقية بالأناضول خلال القرن السابع الهجري التي تتميز بمقطعها المثمن الأضلاع وبتغطيتها المنشورية الشكل وتعتبر تلك التحفة من نوادر التحف المعدنية السلجوقية المعروفة في العالم التي اتخذت هيئة الأضرحة السلجوقية في هضبة الأناضول. ونجد قطعاً فنية عدة أقدمها وأهمها محبرة من البرونز المكفت بالفضة والنحاس وتؤرخ بالقرن السادس الهجري وتمتاز برسوم أشخاص تتوزع على أوجهها المختلفة فنجد منها مناظر صيد لفارس على صهوة جواده وهو يطارد فريسة ورجل طاعن بالسن يرفع الماء من بئر ورسم للشمس فوق صورة أسد وغيرها من المناظر التصويرية التي تدل على أنشطة متصلة بالبلاط ولعل المحبرة صنعت للاستخدام الرسمي في بلاط السلاجقة بإيران إذ سجل عليها: السعادة والنعمة والبركة والسلامة والعز والإقبال والدولة والسعادة والسلامة والراحة والكرامة والبقاء لصاحبه وهو ما يعني أنها لم تصنع خصيصا لشخص بعينه. ومن النصف الأول من القرن الثامن الهجري لدينا بالمجموعة ذاتها كرة كانت تشكل جزءاً من نافذة من البرونز المفرغ وهي مكفتة بالذهب والفضة، فضلاً عن استخدام مادة النيلو السوداء في زخرفتها والنقش الرئيسي فيها لمنظر تصويري لأحد مناظر الصيد، حيث نرى فارساً على جواده يمسك بصقر بيده اليمنى وهو يطارد غزالاً يبدو في أسفل المنظر. صندوق البرونز من التحف التي يعود تاريخ صناعتها للنصف الثاني من القرن الثامن الهجري صندوق من البرونز المكفت بالفضة، وهو مستطيل الأبعاد، وله قواعد مرتفعة وغطاء منشوري الشكل وقوام الزخرفة فيه زخارف نباتية من فروع وأوراق نباتية تمتزج معها بعض الزخارف الهندسية. وتضم المجموعة أيضاً بعض الأعمال الفنية الرفيعة المستوى من السجاد الإسلامي والخزف والمنسوجات وأيضاً مخطوطات، منها نسخ من المصحف الشريف، فضلا عن مخطوطات فارسية مصورة، أهمها من كتب الأشعار، مثل الشاهناما وديوان خمسة نظامي للشاعر نظامي. إدموند دي أنجر القاهرة (الاتحاد) - إدموند دي أنجر أشهر جامع للتحف في فترة الحرب العالمية الثانية وهو من كبار المحبين للفن الإسلامي وقد أمضى سنوات عمره في جمع التحف الإسلامية حتى حاز مجموعة كبيرة منها ومنحها اسم مجموعة كاير نسبة للحي الذي كان يقيم به في ضاحية ويمبلدون بالعاصمة البريطانية لندن. ولد إدموند في العاصمة المجرية بودابست عام 1918م لعائلة ذات صلة بالفنون فوالده كان شغوفا باقتناء السجاد الإسلامي وأحد أفراد أسرته مهندس معماري مجري قام بتصميم بناء متحف بوادبست. وغادر إدموند المجر في عام 1934 ليدرس اللغة الانجليزية في لندن وسرعان ما عاد لبلاده في فترة الحرب العالمية الثانية ولكنه أرغم بعد سلسلة مطاردات من النظام الشيوعي الذي حكم المجر بعد انتهاء الحرب على مغادرة بلاده للإقامة في لندن عام 1949 م وهناك بدأ تكوين مجموعته الفنية الخاصة. ويشير إدموند في مذكراته الخاصة إلى أن صلته الوطيدة بالفنون الإسلامية بدأت وهو في سن السادسة عندما كان والده يعرض أمامه مجموعته الثمينة من السجاد الشرقي موصيا إياه بألا يطأ السجاجيد للحفاظ عليها وعلى قيمتها الفنية. وخلال عمله كمستشار للتاج البريطاني في غرب أفريقيا أتيحت له فرصة السفر للقاهرة، حيث جمع بعضا من التحف الإسلامية والقبطية وما إن عاد إلى لندن حتى أدار مجموعة مزدهرة للاستثمار العقاري، وهو الأمر الذي أتاح له بناء منزله الشهير في كاير ليضم بين غرفه وقاعاته مقتنياته الفنية الرفيعة والثمينة. وحسبما يذكر إدموند فإنه بدأ مرافقة والده لزيارة المتاحف وهو في سن التاسعة، وسرعان ما واصل هواية والده في جمع السجاد الشرقي، وأوصله الولع بروح الفن الإسلامي إلى أن يوسع دائرة مقتنياته منذ عام 1960 م لتشمل إلى جانب السجاد والمنسوجات الشرقية الخزف وخاصة خزف البريق المعدني الذي جمع عددا كبيرا من أوانيه وكذا بلاطاته الخزفية ثم أولى اهتماما خاصا بالتحف المعدنية حتى جمع قطعا نادرة الكثير منها يحمل تواريخ صنعها أو أسماء الأشخاص الذين صنعت من أجلهم تلك القطع. وتوسعت المجموعة لتشمل المخطوطات التي حرص إدموند على شرائها سواء من أصحابها أو من صالات المزادات الفنية الكبرى بأرجاء اوروبا حتى صار من الخبراء المرموقين في الفنون الإسلامية وأحد أشهر وأنصع الوجوه في المزادات العالمية. ومن أشهر القطع التي اشتراها إدموند إبريق من البللور الصخري يعود لمصر في العصر الفاطمي ودفع نظير الحصول عليه في مزاد شهير بصالة كريستي بلندن ثلاثة ملايين جنيه إسترليني. ويعود تاريخ هذا الإبريق للقرن الخامس الهجري، وهو يزدان بزخارف محفورة حفرا عميقا ويعرض الإبريق الآن بمجموعته التي أهداها كلها لمتحف برغامون للفنون الإسلامية ببرلين عقب حصوله على تلك التحفة الفاطمية في عام 2008 م. وشمل سعر الشراء المقبض والغطاء الذهبيين وهما من إضافات المالك الإيطالي للإبريق. وتوفي هذا المحب الكبير للفن الإسلامي في عام 2011 م عن عمر يناهز 93 عاما. الموصل موطن تكفيت المعادن القاهرة (الاتحاد) - الموصل واحدة من أبرز حواضر الإسلام خلال العصور الوسطى وهي اليوم قاعدة إقليم نينوى بالعراق وقد عرفت باسمها الحالي في اللغة العربية لأنها تصل بين نهري دجلة والفرات أو لأنها تصل عبر منطقة الجزيرة الفراتية ما بين الإقليمين الكبيرين العراق وسوريا. وقد عرفت المدينة في العصور التاريخية باسم نينوى نسبة للقائد الأسطوري الأشوري نينوس على ما يذكر بعض المؤرخين القدامى واشتهرت في بداية الفتوحات الإسلامية بالعراق باسم الحصنين نظرا لوجود حصنين يتقدمان المدينة على جانبي نهر دجلة وتم فتحها على أرجح الأقوال على يد عتبة بن فرقد السلمي في عام 21 هـ حيث كانت في البداية من الأعمال التابعة للكوفة. ويعود الفضل في إكساب المدينة وجهها العربي الغالب على بنيتها السكانية ليومنا هذا إلى هرثمة بن عرفجة البارقي والذي قام بتوطين قبائل عربية بها أغلبهم من الأزد وطيء وكنده وعبد قيس كما قام ببناء دار للإمارة ومسجد جامع وبقي قائما كأول جامع للمدينة حتى عام 1148 م. ومع سيطرة الأمويين على الشام والعراق تم تعمير المدينة وتزويدها بسور منيع ولكن المدينة انحازت للعباسيين في صراعهم مع الأمويين وقامت فرقة عسكرية من الموصل بمطاردة مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين حتى قتلته في ابي صير بمصر. وبلغت الموصل أوج ازدهارها وشهرتها خلال حكم الأسر المحلية المستقلة وفي مقدمتها الأسرة الحمدانية وأسرة بني عقيل وواصلت نموها بعد فترة من الاضطرابات السياسية على يد الأتابك نور الدين محمود زنكي حيث كانت عاصمة لمملكته ومنطلقا للجيوش التي ناضلت طويلا وكافحت ببسالة ضد غزوات الصليبيين بمنطقة الشام. ونظرا لموقعها الفريد والمتوسط بين الممتلكات السابقة للفرس والبيزنطيين تميزت الحركة الفنية في هذه المدينة بشخصية متفردة عبرت عن نفسها أولا في تقاليد مدرسة التصوير العربية التي أنتجت عدة مخطوطات مصورة تحت رعاية حكام المدينة من الأتابكة وعلى رأسهم بدر الدين لؤلؤ الذي تزين صورته الشخصية نسخة نادرة من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. وكان الإسهام الأكبر من الصناع والفنانين الموصليين بتوصلهم لابتكار طريقة التكفيت وهي طريقة صناعية استخدمت لتنفيذ زخارف التحف المعدنية وذلك عن طريق حفر الزخارف ببدن الأواني والأدوات المصنوعة من البرونز أو النحاس الأصفر ثم ملأ هذه الزخارف بأسلاك دقيقة من الفضة أو الذهب والطرق عليها لتستوي مع سطح الأدوات وتصبح جزءا لا يتجزأ منها. ومع غزوات المغول التي اجتاحت العراق في منتصف القرن السابع الهجري هاجر العشرات من صناع المعادن بالموصل إلى المدن السورية القريبة ومنها دمشق ثم واصل بعضهم رحلته وصولا للقاهرة وحيثما حل هؤلاء نشروا أسلوب التكفيت ليصبح عنوانا عليهم مع حرصهم على إثبات نسبتهم لمدينتهم الموصل عند التوقيع على أعمالهم الفنية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©