السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«حديث الذاكرة» يسافر في الحلم الشارقي ويستعيد أحداثاً مفصلية محلياً وخليجياً

«حديث الذاكرة» يسافر في الحلم الشارقي ويستعيد أحداثاً مفصلية محلياً وخليجياً
8 نوفمبر 2013 01:03
إبراهيم الملا (الشارقة) - شهد اليوم الأول من معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثانية والثلاثين المقامة حاليا بمركز إكسبو الشارقة، إقبالا كبيرا من جمهور المعرض لاقتناء الكتاب الجديد الذي أصدره صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهو الجزء الثالث من سلسلة (سرد الذات) الصادر عن (منشورات القاسمي)، حيث يتابع سموه في مؤلفه الجديد استدعاء ورصد وتوثيق المحطات والمواقف والأحداث العالمية والعربية والمحلية الكبرى، التي أفرزت انعطافات وتحولات في المنظومة الاجتماعية والسياسية، والتي كان سموه شاهدا ومراقبا ومتفاعلا معها؛ قياسا لانتمائه العروبي والقومي، واهتمامه بحل القضايا العربية العالقة والشائكة، التي لم تنفصل أيضا عن التحديات الكبيرة والطموحات المتوهجة التي تبلورت قبل وبعد قيام دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، وهي الفترة التي خبرها وعاينها سموه عن قرب بحكم توليه منصب حاكم إمارة الشارقة في العام 1972. سيرة فارقة وكان الجزء الأول من كتاب (حديث الذاكرة) مشمولا بتلاوين وإضاءات من السرد الماتع، والانتباهات الشخصية والعامة المترافقة مع التحدي الأهم في مسيرة سموه؛ عندما تولى مقاليد الحكم في الإمارة؛ وهو يسدّد بصره وبصيرته باتجاه خلق مناخ تنموي وثقافي، يتجاوز المعارف الفطرية وزمن الكتاتيب في هذه البيئة (الشارقية) والحاضنة البكر، التي باتت تتلمس ملامح الوعي المستنير والمختلف، والقائم على معايير متطورة فيما يخص مجالات التعليم والفكر والثقافة والفن، والتي تنبع من أصالة المكان وتختبر إمكاناتها في أفق عربي وفضاء عالمي من أجل تحويل إمارة الشارقة إلى دوحة وارفة يستظل تحتها كل مبدعي الوطن، وكل عشاق الكلمة واللوحة والمنحوتة والخيال المسرحي الفائض بسحره وجماله وجلاله. وقدم سمو حاكم الشارقة في الجزء الثاني من (حديث الذاكرة) قراءات منبثقة من الواقع العربي بكل نجاحاته وانكساراته وبكل مباهجه ومراراته. ولعل القضية الأهم التي حظيت بالمساحة الأكبر في هذا الجزء هي القضية الفلسطينية وما تمخّض عنها في تلك الفترة من انتكاسات واحباطات أيقظت ضمائر كل الشرفاء والأحرار في العالم، من أجل البحث عن حل جذري لمعاناة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وخارجها. وشغلت هذه القضية سموه كثيراً، وكان استذكاره لها وطرحه لها في الكتاب هو فعل نبيل وانشغال ناطق بلغة الألم وبفداحة العذابات التي استشرت وأوغلت في أرض الأنبياء ومنبع الرسالات السماوية الطاهرة. أما الجزء الثالث الذي نحن بصدد عرضه هنا فاشتمل على مقدمة مكثفة مهّد فيها سمو حاكم الشارقة لأهم العناوين التي اختار أن يسلط الضوء عليها في الكتاب والمتعالقة مع الشأنين المحلي والخليجي، ومع الاستعدادات الأخرى النابعة من مواقف ومحطات من السيرة الشخصية لسموه والتي لم تكن منفصلة في يوم ما عن المناخين الشعبي والرسمي بعد أحداث كبرى وصادمة شهدتها المنطقة مثل الغزو العراقي للكويت، وكيف تم تحريرها، ووفاة قطبي الاتحاد والمؤسسين له، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم “طيب الله ثراهما”، وتعديل الدستور المؤقت. أما الجزء الأكبر من مساحة الكتاب فخصصه سموه للسفر الذهني نحو مسارات التطور والازدهار في مجالات العلم والمعرفة والثقافة التي تشكّلت ملامحها الأولى والزاهية وسط رؤى ومرئيات سموه لمستقبل إمارة الشارقة، وكيفية تجسيد الحلم المتمثّل في تحويلها إلى عاصمة دائمة للثقافة بأبعادها المحلية والعربية والإسلامية والعالمية. ترتيب الأوضاع الداخلية يستعيد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في الجزء الأول من الكتاب تلك اللحظات الحرجة والفارقة التي تلت الانقلاب الفاشل في الشارقة عام 1987، وكيف أنه تم تجاوز تلك المرحلة الصعبة من خلال إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية وتلافي آثار ما حدث. وهو الأمر الذي شرحه سموه في لقاء له مع صحيفة “الشرق الأوسط” التي تصدر من لندن؛ حيث أشار في اللقاء الذي أجري في الثلاثين من يونيو من العام نفسه، إلى عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي في الشارقة، وإلى توافر إمكانيات وتطلعات جديدة لتدعيم العمل الاقتصادي والإنمائي في الإمارة. وذكر سموه عددا من النشاطات التي افتتحها ورعاها وأشرف عليها مباشرة بعد عودة الأوضاع إلى هدوئها واستقرارها ورخائها السابق مثل افتتاحه للمخيم العربي السابع للمكفوفين، وافتتاح المسابقة المسرحية الثانية، وإقامة معرض الشارقة الدولي السابع للكتاب، وحفل افتتاح تليفزيون الشارقة، وغيرها من الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية والتعليمية والرياضية والاقتصادية التي شهدت تسارعا ونموا كبيرا في الفترات اللاحقة. غزو الكويت وتناول سموه في الفصل الثاني من الكتاب كارثة غزو الجيش العراقي للكويت في العام 1990 ومساهمة هذه الكارثة في تشتيت الجهود التي سبقتها بتوحيد الصف العربي، والنظر بجدية لقضية فلسطين وحقوق شعبها والعمل على تجسيد المصالح العربية العليا. وسرد سموه جانبا من تداعيات وانعكاسات تلك الفترة المؤلمة في المنطقة؛ عندما جاء نداء التطوع من قبل أبناء الإمارات للدفاع عن الكويت، وعندما استقبلت الإمارات ضيوفها من أبناء الكويت الذين روّعهم وهجّرهم الغزو على أمل عودة الكويت حرة مستقلة بقيادتها الشرعية، وهو الأمر الذي تحقق فعلاً بعد التحرير في فبراير من العام 1991. وتحت عنوان: “الوديعة” ذكر سموه أن تليفزيون الشارقة وبمناسبة العيد الوطني لدولة الكويت في الخامس والعشرين من فبراير 1989 قام بطلب مادة وطنية مدتها أربع ساعات من تليفزيون الكويت لبثّها على شاشة الشارقة في المناسبة، وهو الأمر الذي تكرر قبل الغزو بأشهر عندما أرسل تليفزيون الكويت تسجيلات وطنية مدتها ساعتان تحتوي على مجموعة من الإنتاج الفكري والثقافي للكويت. وأوضح سموه أن تليفزيون الشارقة قام، بعد تحرير الكويت، برد الوديعة إلى التليفزيون الرسمي الكويتي، وهي عبارة عن ست ساعات مصورة من تراث وتاريخ الكويت “بعد أن أحرق صدام حسين كل شيء ينتمي للكويت” ــ كما قال سموه ــ. وفي الفصل الثالث من الكتاب تحدث سموه عن تفاصيل زيارته لجمهورية الصين الشعبية في العام 1991 لما للصين من مكانة تاريخية وقيمة حضارية كبيرة في نفوس العرب والمسلمين، ولدورها الفعّال في دعم القضايا العربية العادلة. وفاة الشيخ زايد وتناول سموه في الفصل الرابع من الكتاب حيثيات المشروع الخاص بتعديل الدستور المؤقت لدولة الإمارات آنذاك وبالتحديد في العام 1996. وتناولت الفصول التالية من الكتاب فكرة إقامة المدينة الجامعية في الشارقة التي راودت سموه في العام 1996، واختيار الشارقة عاصمة العرب الثقافية في العام 1998، وتطوير النظم الإدارية في الشارقة، ودعم المشاريع والبحوث الإسلامية في إسبانيا، وغيرها من الفصول التي تتبعت بدقة الأحداث والمناسبات العامة في تلك الفترة وكذلك اللقاءات والزيارات الشخصية لسموه، والتي وثقها في الكتاب من خلال صور أرشيفية معبرة ومرتبطة بتلك الفترة الممتدة من العام 1987 وحتى العام 2004. وختم سموه الكتاب في الفصل الثاني عشر الذي أطلق عليه: “فقيد الوطن والأمة” بذكر اللحظات الحزينة والصعبة التي عاشها أبناء الإمارات بعد رحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ــ طيب الله ثراه ــ والد الجميع ومؤسس دولة الاتحاد في مساء الثاني من نوفمبر سنة 2004 ، حيث عبر سمو حاكم الشارقة بعفوية وصدق عن آثار ذلك اليوم الحزين بكلمة ارتجالية ألقاها في حفل توزيع جائزة الشيخ للكتاب في الثاني من مارس عام 2010 عندما تم اختيار سموه “شخصية العام الثقافية”، حيث قال في تلك الكلمة المثقلة بالأسى والطافحة أيضا بالمحبة والتبجيل للشيخ زايد: “في يوم من أيام رمضان، وإذ بكلمات ترفضها الآذان، مات زايد بن سلطان، وإذا الدموع تملأ المحاجر، وإذا الكلمات تغصّ بالحناجر، وإذا السكون يعمّ المكان، إلا من كلمات: اللهم لا اعتراض، اللهم لا اعتراض، اللهم لا اعتراض”. واختتم سموه كلمته الحزينة والمؤثرة تلك بشحنة من الأمل المتدفق والنابع من حكمة وبعد نظر الراحل الكبير، قائلا: “أنا من على هذا المنبر، أدعو جميع الحاضرين في هذه الصالة أو الذين يشاهدون التلفاز: أيتها الأم، أيها الأب: امسك القلم وأجلس أبناءك حولك، واكتب وسطّر: هذا ما كان يحبه زايد، هذا ما كان لا يحبه زايد، ونجمع تلك الأوراق، لا نضعها على الرفوف، ولا نتغنى بها على الدفوف، وإنما نضعها في الصدور، ونضعها في مقدمة الدستور، وبهذا الوفاء نكون قد وفينا الرجل حقه”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©