السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التوتر العراقي ودروس تجربة «تعزيز القوات»

التوتر العراقي ودروس تجربة «تعزيز القوات»
5 نوفمبر 2013 22:33
ديفيد بترايوس القائد السابق للقوات الأميركية في العراق الأنباء الواردة من العراق تفيض كآبة. فبينما كانت «القاعدة» تترنح عام 2008، في نهاية عملية تعزيز القوات الأميركية، عاد التنظيم العنيف ليذكي الإرهاب الطائفي والعرقي في بلاد الرافدين، وأدت الحرب الدائرة في سوريا المجاورة إلى تعقيد الأمور وإلى تدخل إيراني أكبر. كما أدت تصرفات الحكومة العراقية إلى تقويض مبادرات المصالحة التي تمت خلال فترة تعزيز القوات الأميركية التي ساعدت العرب السُّنة على الإحساس بالاندماج في المجتمع وساهمت في نجاح الخطة الأميركية، بل دفعت تصرفات الحكومة إلى انسحاب بعض الشخصيات السنية البارزة منها وحثهم السنة على الاحتجاج. وغاص المشهد السياسي العراقي في مستنقع الخلل الوظيفي وعدم الثقة. وما يحدث ليس طريقاً إجبارياً لا مفر من أن يسلكه العراق، لأنه بحلول نهاية عام 2008، كان من المتوقع أن يكون للبلاد مستقبل مختلف، وكان هذا من الممكن لو كان الزعماء السياسيون العراقيون اغتنموا الفرص السانحة، ولكنها للأسف ضاعت سدى، وأحيا التناحر السياسي والقتل الطائفي والعرقي مخاوف العرب السنة من جديد، وأدى إلى تعقيد العلاقة بين حكومة بغداد والحكومة الكردية الإقليمية أيضاً. ولفهم آليات وإمكانيات العمل في العراق، من الضروري إعادة تذكر ما حدث أثناء عملية تعزيز القوات. فقد كانت قيادتي لجهود عملية تعزيز القوات الأميركية في العراق عامي 2007 و2008 هي أهم أعمالي وأصعب ما واجهني من تحديات طوال 37 عاماً قضيتها في الخدمة العسكرية. وكان الوضع مؤسفاً في العراق عام 2006، عندما قرر بوش تعزيز القوات الأميركية في العراق واختارني لأتولى المهمة. وراهن بوش بتركته كرئيس على عملية تعزيز القوات تلك. فقد تألفت عملية تعزيز القوات من عدة عناصر، كان أهمها طبعاً نشر قوات أميركية إضافية بلغت نحو 30 ألف جندي. وكان «تعزيز الأفكار» بنفس أهمية تعزيز القوات، أي تغيير استراتيجيتنا العامة وخططنا. فتحولنا عن تسليم المهام الأمنية للقوات العراقية إلى التركيز على توفير الأمن للشعب العراقي. واهتدت استراتيجيتنا بفكرة الإقرار بأن الشأن الإنساني هو الأهم في الحملة بالعراق، وأن أهم مهامنا هي توفير الأمن للشعب. فالأمن يوفر للزعماء السياسيين العراقيين فرصة للاتفاق على قضايا تقلص الخلافات السياسية وتضع أساساً لما يمكن تنفيذه لتحسين حياة الشعب العراقي. فعلينا «العيش مع الشعب»، كما كنت أشير، كي نوفر الأمن له. ولهذا غيرنا استراتيجيتنا من تركيز قواتنا في قواعد كبيرة إلى إقامة أكثر من 100 مركز عسكري وأمني صغير مشترك، كان ثلاثة أرباعها في العاصمة بغداد وحدها، وتمثل جوهر عملية تعزيز القوات في اتباع نهج متكامل لحملة مدنية وعسكرية تستند على فكرة أن التقدم في أحد الجوانب قد يحقق مكاسب محتملة في الجوانب الأخرى. وقد تمثل أبرز عناصر الاستراتيجية الجديدة في المصالحة بين العرب السنة وقواتنا، ثم مع الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة. وقد أشرت في كثير من الأحيان في ذاك الوقت إلى أن كسر شوكة التمرد الكبير الذي نواجهه في العراق لن يتم بالقتل والاعتقال. ولذا كان علينا أن نعرف المتمردين وأعضاء المليشيات الذين يمكن مصالحتهم وإقناعهم بأن يكونوا جزءاً من الحل في العراق، وليس جزءاً من المشكلة. ومن بين العناصر الحيوية أيضاً في نهجنا الشامل كان القيام بحملة مكثفة تنفذها قوات العمليات الخاصة الأميركية والبريطانية لاعتقال وقتل زعماء المليشيات والمتمردين. فقد كان قتل «من لا يمكن التصالح معهم» عنصراً مهماً للغاية ولا مفر منه في استراتيجيتنا. وكان دعم قوات الأمن العراقية من العناصر المهمة أيضاً، فقد كنا نعرف أن نقل المهام الأمنية من قوات التحالف إلى العراقيين سيحدث في نهاية المطاف لنتمكن من سحب قواتنا. ولذا كان من الضروري أن تكون القوات العراقية مستعدة في نهايات عام 2007 للاضطلاع بواجبات أكبر حتى تستطيع قوات التحالف البدء بالانسحاب وتستطيع قوات التعزيز الأميركية أن تعود للديار. واستطعنا، نحن ونظراؤنا العراقيون، أن نحقق تقدماً بطيئاً ولكن مطرداً في بناء قوات الأمن العراقية. وبشراكة كفؤ بين القوات العراقية والأميركية، واستطاعت القوات العراقية أن تتحمل الأعباء والمهام بالتدريج. ومع تحسن الأمن أصبح الجانب المدني أكثر أهمية، فكان من المهم أن نعمل مع التحالف العسكري والشركاء المدنيين العراقيين للمساعدة في إصلاح البنية التحتية المتهالكة وإعادة الخدمات الأساسية وبناء الأسواق المحلية وإعادة فتح المدارس والمنشآت الصحية ودعم إعادة بناء النظام القضائي ومؤسسات الحكومة الأخرى. وهذه المؤسسات توفر سبباً للمواطنين العراقيين ليدعموا عراقاً جديداً وينبذوا التطرف والمتطرفين وأعضاء المليشيات الذين يتسببون في متاعب لهم. وفي بداية عملية تعزيز القوات، كان من الواضح أن مراكز الاحتجاز أصبحت مرتعاً لتفريخ التطرف. فلم نكن نفصل بين المتطرفين وبقية المحتجزين. ولذا كان المتطرفون يفرضون سيطرتهم على مراكز الاحتجاز وينشرون أفكارهم المتطرفة وسط المحتجزين. وتعين علينا أن نقوم بعمليات لمكافحة التطرف داخل مراكز الاحتجاز لنتعرف على المتطرفين ونعزلهم عن الباقين. وبذلنا جهوداً لتحسين معلوماتنا الاستخباراتية عن العناصر المتطرفة المختلفة، وعما يجري في العراق بصفة عامة. ولما كان لب الصراع في العراق يدور حول التنافس على السلطة والموارد بين الفصائل الكبيرة في البلاد من الغالبية الشيعية والأقلية السنية والأكراد، كان يتعين علينا لتحقيق تقدم مستدام أن يتم التوصل إلى اتفاقات سياسية في عدد من القضايا التي تنقسم حولها الفصائل. وتضمنت الاستراتيجية أيضاً مشاركة الزعماء الدينيين والأكاديميين وبرامج خلق الوظائف ودعم الحكومة في كل مستويات الحكم وتدشين مبادرات لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحسين الأمن على الحدود وإعادة بناء منشآت الهجرة والجمارك وغيرها. واليوم يبدو العراق شبيهاً بما كان عليه عام 2006 ولعل المشهد أكثر تعقيداً بكثير. ومع تطلع الزعماء العراقيين للمستقبل عليهم أن يستعيدوا ما تعين فعله في المرات السابقة لتصاعد أعمال العنف. وإذا نظر العراقيون إلى الماضي فسيجدون أن عملية التعزيز لم تكن مجرد زيادة لعدد القوات الأميركية، فقد كان الأهم هو تعزيز الأفكار والمفاهيم الخاصة بـ«العيش مع الشعب» ومبادرات دعم المصالحة وشن عمليات دقيقة تستهدف من لا يمكن التصالح معهم، والاهتمام بسيادة القانون وتحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية ودعم الحوار السياسي الذي ساعد على جسر فجوة الانقسامات العرقية الطائفية. فالأفكار التي ساعدت على تحقيق تقدم أثناء عملية التعزيز يمكنها في كثير من جوانبها أن تساعد الزعماء العراقيين على تغيير المسار المأساوي الذي شهده العراق في الشهور القليلة الماضية. فالتركيز المفرد على مكافحة الإرهاب وحده دون مقاربات سياسية موازية قد يفشل على الأرجح في كبح العنف الذي يحدق مجدداً بالعراق. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©