الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بروكسل والتميز

31 أكتوبر 2015 22:25
يجمعني في العاصمةِ البلجيكيَّةِ «بروكسل» موعدٌ مع محفلٍ سنويٍّ يضعُ على مائدتهِ ممارساتِ التميّزِ المؤسَّسيِّ وأدبيَّاته، لينهلَ من معينها الروّادُ، ويستقي من فيضها الشُّركاء، ويهتدي بنورِها الطَّامحون للتَّحسينِ والتجويد. في مثلِ هذا الوقتِ من كلِّ عامٍ أزاحمُ انشغالاتي، واقتطفُ من برنامجي أياماً قليلة بدافعِ الشّوقِ إلى المعرفة، والتوق لمواكبة كلِّ جديدٍ، وتجديداً للعهد مع الذَّاتِ في التطويرِ والارتقاءِ. ومع بدءِ الملتقى السَّنويّ تصبحُ المنصَّةُ نابضةً بأوراقِ عملٍ يقدِّمها خبراءُ ومهنيُّون وقادةٌ وإداريُّون وروّادُ مؤسَّساتٍ أوروبيَّةٍ ودوليَّة، يتلمّسون مواطنَ الإبداع، ويباشرون التعرفَ إلى تحدِّياتِ المجتمعات، ومن ثمَّ يقدِّمون رؤيتهم، ويشاركون الحضورَ ثمارَ تجربتهم مع رحلةِ التميُّزِ المؤسَّسيّ. في هذا العامِ جاءت أوراقُ العملِ متواضعةَ المضمون، هشّةَ البنيان، نمطيَّةً في عرضها إلّا القليل منها. غابَ صنّاع التميُّز الحقيقيُّون، إمَّا لأوضاع ماليَّة في مؤسَّساتهم، أو لارتباطاتٍ مهنيَّةٍ في أعمالهم، فإنَّهُ وبرغمِ ذلك توقّفتُ عندَ عدَّة أمورٍ أثارت تأمُّلاتي. كان اللافت للنَّظر هو الفارقُ في المفاهيمِ القياديَّةِ بين الفائزين من الدُّولِ الأوروبيَّة، إذْ يصعدون إلى منصَّةِ التَّكريمِ جماعات، وبروحٍ جماعيَّةٍ غير نمطيَّة، وبفرحةٍ تقولُ: متَّحدون في النَّجاح، وشركاءٌ في الفوزِ المؤسَّسيِّ لا الفرديِّ، بينما صعدَ الفائزون الأتراك إلى منصّةِ التكريمِ فرادى، وكُلٌ لسانُ حاله يقول: أنا صنعتها، كعادةِ بعض المجتمعاتِ المختصمةِ مع روحِ الفريقِ والعملِ الجماعيِّ. ورغمِ الوجود العربيِّ في حضورِ راقٍ، سمته أدبٌ وأخلاقٌ وقيمٌ من ديننا العظيم، فإن التواصلَ بينَ رفقاءِ المنطقةِ العربيَّةِ وشركاءِ الدّينِ واللغةِ والمصيرِ كان محدوداً، لم يرتقِ إلى شراكةٍ معرفيّةٍ، أو تبادلٍ تكامليٍّ، وهذا ما عهدته كثيراً في تلك الملتقيات. ومعَ نهايةِ الملتقى السَّنويّ، تذكرتُ إحدى وصايا أبي رحمهُ الله: «يا بنيّ إن لمْ تعترفْ بذاتك، لن يقدّرَ أحدٌ نجاحاتك، وإن بحثتَ عن هويَّتك في عيونِ غيرك، سيطولُ بحثك كثيراً، لأنَّ هويَّتك أنت وليس هم». فالملتقى أضاف لي- وبلا أدنى شكّ - العديدَ من الإضاءاتِ في معماريَّةِ تطويرِ الذَّات، وجداريَّةِ تحقيقِ النَّجاحات، والارتقاءِ نحوَ التطويرِ والتميُّزِ المستدام، ولكنّها بقيت غصَّةً في الحلقِ أستشعرها في كلِّ مشاركةٍ دوليَّة، وأعودُ مقرَّاً بتقصيري، معترفاً بأنَّ كلامي أحياناً أكثر من أفعالي رغمِ اجتهادي «فنحنُ أمَّةٌ تستحقَُ الرِّيادة، لأنَّ من يملكُ الجذورَ قادرٌ على تشكيلِ الفروعِ، وابتكارِ تميُّزٍ مبهرٍ إنْ صدقَ العزمُ، وحضرَ الإخلاص، واتَّضحَ السّبيل».. غادرتُ وبريقُ الحلمِ الحاضرِ الغائبِ يطاردني، بأن يعتليَ متميِّزون من منطقتنا العربيَّةِ تلك المنصَّةِ يوماً. فإنَّهم يرونه بعيداً ولكنّي أراهُ قريباً. كانت تلك تأمُّلاتي بنهايةِ هذا المحفلِ السَّنويِّ في أدبِ التميُّزِ المستدامِ في بروكسل. الدكتور - عماد الدين حسين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©