السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

وَبَشِّرِ الصابرين

وَبَشِّرِ الصابرين
29 أكتوبر 2015 22:53
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة آل عمران الآية 200». إن الصبر قيمة عظيمة وصفة كريمة من صفات الرسل الكرام (عليهم الصلاة والسلام)، كما أنه عنوان الإيمان الصادق وبرهانه، ومن المعلوم أن الإيمان نصفه شكر على النعماء، ونصفه صبر على البأساء والضراء، فالصبر ضياء للإنسان في دنياه وفي قبره وفي آخرته، وبالصبر يفتح الله على عباده أبواب السعادة والسرور، والصبر من علامات الإيمان، بل هو نصف الإيمان. ومن المعلوم أن فضيلة الصبر تدل على أنّ صاحبها قد تحلَّى بضبط النفس وثبات القلب ورباطة الجأش، وصدق الإيمان وكمال الرجولة، لأن أثقال الحياة وتكاليفها وأحداثها لا يطيقها الضعاف المهازيل، وإنما يطيقها أصحاب النفوس الكبيرة، لذلك، فإن جزاء الصبر عطاء من الله بغير حساب في الآخرة، وهو في الدنيا ضياء في الأحداث، وثبات يُكَفّر الله به الذنوب ويفتح باب الفرج القريب. أليس الصبر سلاح الطالب حتى ينجح، وعون التاجر حتى يربح، وعدّة المزارع والصانع حتى تنمو ثروتهما، وملهم الباحث والعالم ليبلغ غايته؟ نعم: إنه الزاد لكل أبناء الأمة، حتى يكونوا اللبنات القوية التي تشدّ من أَزْرِ أمتهم وتحقق لها الأمجاد وتقيم صروح العزة والكمال. ونحن في هذه الأيام بحاجة إلى وقفة تأمُّل ننظر فيها إلى أحوالنا، كي نلتقط العبر والعظات، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لأخذ العبر والعظات. لقد اقتضت إرادته سبحانه وتعالى أن يختبر المؤمنين، ليميز الله الخبيث من الطيّب وليظهر الحقَّ من الضلال، تلك سنَّة الله ولن تجد لسنّة الله تبديلا، فبعض النّاس- وللأسف - يتصورون أن الابتلاء الإلهي هو غضب من الله، وهذا تصوّر خاطئ، لما ورد في الحديث: «أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ»، (أخرجه ابن ماجه).ومن ثواب الصبر: أن العاقبة للصابر مهما طال الزمن، ومهما تكالبت السنون ومَرَّت، وازدادت المحن والابتلاءات والمصائب واشتَدَّتْ؛ فلا بُدَّ للفرج أن يأتي يوماً ما؛ كما قال سبحانه وتعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، «سورة الشرح الآية 5 - 6». * وعند دراستنا للسيرة النبوية نلاحظ أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما بدأ بتبليغ الرسالة وَاجَهَ المشاقَّ والمتاعب والمقاطعة وجميع أشكال الأذى والتعذيب، ومع ذلك صَبَرَ وسلّم الأمر لصاحب الأمر، فما هي إلا فترة وجيزة، وإذا بالضيق ينقلب فَرَجاً والعُسْر يُسْرًا، ودخل الناس في دين الله أفواجاً. * ومن خلال دراسة التاريخ الإسلامي من مصادره الموثوقة نلاحظ أن الخط البياني للتاريخ الإسلامي متعرج، ينخفض انخفاضاً شديداً، ويرتفع ارتفاعاً شديداً، ويعلو ويهبط وفق القانون الإلهي: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، «سورة آل عمران الآية 140». لقد هبط أمرُ المسلمين في قرون مضت حتى اغْتُصِبَ الحجر الأسود، أخذه القرامطة قسراً، وظلَّ عندهم نحو ربع قرن، فما عاد إلا بعد لأي. وهبط مستوى التاريخ الإسلامي إلى الحضيض، يوم دخل التتار بغداد وقتلوا الخليفة وأذلوا الأمة الإسلامية أشدَّ الذل، ولكنَّ هذا التاريخ الذي هبط سرعان ما علا وارتفع، فما مضى قرن حتى كان المسلمون يدقون أسوار فينا «عاصمة النمسا»، ثم قبل ذلك وصلوا مخترقين الأندلس إلى جنوب فرنسا إلى أواسط سويسرا. هذا التاريخ الذي يتأرجح بين مَدٍّ وَجَزْرٍ حقيقة لا بُدَّ من الاعتراف بها. فحدوث بعض المصائب أَمْرٌ لا يدعو المسلم إلى اليأس والاعتراض على إرادة الله، بل لا بُدَّ أن يصبر، فالصبر نصف الإيمان. إن القنوط واليأس أَمْرٌ يفتك بالأمم، من هنا حارب الإسلام ذلك وأوجد البديل، حارب اليأس وأوجد الأمل، وحارب التشاؤم وأوجد التفاؤل. * يذكر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان متفائلاً في جميع أحواله، فيوم اجتمع أعداء الإسلام من كل حدب وصوب لمحاربة المسلمين في غزوة الخندق، كان المسلمون في حالة صعبة كما وصفهم القرآن الكريم: (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا)، «سورة الأحزاب الآية 10 - 11». ومع ذلك كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) متفائلاً بنصر الله، وبشَّر الصحابة بأن نصرَ الله آتٍ، فعندما اعترضتهم صخرة صلدة أثناء حفرهم للخندق، ضربها (صلى الله عليه وسلم) بفأسه، وإذ بثلاث شرارات تتطاير، فقال (صلى الله عليه وسلم): «أبشروا: أما الأولى فقد أضاء الله لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأما الثانية فقد أضاء الله لي منها قصور الروم، وأما الثالثة فقد أضاء الله لي منها قصور صنعاء، فإن الإسلام بالغٌ ذلك لا محالة». فعلينا أن نكون متفائلين، وأن نثق بفرج الله، فالليل مهما طال فلا بُدَّ من بزوغ الفجر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©