الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غربانٌ توقظ شمساًً

غربانٌ توقظ شمساًً
28 أكتوبر 2015 20:55
لم أر أشجاراً هادئة بهذا الشكل، ليست أشجاراً كاملة، لكنها هياكل بأغصان عارية مثل أشباح تستيقظ. واقفٌ في النافذة منذ العتمة الأخيرة لليل، ظلام طفيف ينسحب بكسل، مثل كائن يتعثر في عودته إلى بيته. أرقب العالم في الغابة وهو يتعرف على الطبيعة كما لو أنها المرة الأولى. غربان كالحة تتنقل على سطوح أكواخ تبعث مداخنها خيوط رخوة من بقايا مداخل الليل. وكلما طل شعاع غامض على الغابة بدأ بياض عتيق ينحسر عن السطوح، وتبدو أرض الغابة تتعرى بفعل الدفء. ثلج يذوب وغربان تتقافز فوق بياضه محاولة التشبث ببقايا بساط تسحبه أيد غير منظورة عن سرير هو الآن ذكرى معركة احتدمت فيها المعركة الأخيرة بين عواصف ثلجية هاطلة وأديم يتضرع للماء القادم أن يكون رحيما في الصراع كي لا يتأخر الأخضر عن زيارته. ثمة غربان تسعى لإيقاظ الشمس. ليس من بين متوقعات الطبيعة أن تقود الغربان يقظة الشمس. غير أن ما يحدث هذه المرة أمر غير مسبوق. شخص قادم من صحراء تحاصر أرواح البشر في أرض تستعصي على الضوء، يقف على نافذته لكي يستقبل الشمس بقيادة غربان كالحة. كل هذه الأغصان العارية المتعالية في أفق غابات شتوتغارت، تجعل هذه الهضبة المطلة على المدينة عرشاً ليس في متناول البشر. الآلهة فقط تقدر على وضع الشخص في المكان الذي يناسبه فيما يتعرف على التحولات العظمى في أي أرض يكون. الصباح هنا أكثر كسلًا من الليل. هذا صباح ليس مرتبطا بنهوضك من السرير، ولا بحملقتك المستغربة في الساعة، كما لو أنه صباح مستقل عن فسيولوجيتك البشرية حين تترك بقايا ليلك في دفء السرير. صباح هو سيد الوقت، وأكثر الكائنات تخلفا عن الوقت، ثمة ما يدفع هذا الصباح الى الشك في زمن الناس. فحين تشعر بأن جسدك المنهك لفرط النوم ليس من المتوقع أن صباحا سوف يستجيب ويستعجل الطبيعة على اليقظة والشمس على الحضور. لا تتوهم أن حاجتك للفجر كفيل بإقناع (لئلا أقول إجبار) للحضور الباكر. لا يأخذنّك وهمٌ فالغربان ليست رهن اشارتك، ولتتجرع الآن، الآن فقط، ما تيقنت طوال الوقت بأنه حقيقة كئيبة تكفلت الغربان بها. لكي تظل علامة الشؤم. تعال أنظر ماذا ستفعل بك الغربان وهي تنتقل من أطراف أشجار عارية إلى سطوح أكواخ مسترخية إلى سجادة ثلج تتمزق لفرط الزمن. لا تكن وهماً بأن رحيلك في خرائط الناس ليس امتيازاً كونياً، ولا هو شرفة على مستقبل يتعثر، ربما أصبح رحيلك الآن مثلبة تحجبك عن ربيع يقصر عن النجاة من شتاء ناضج اليأس. ما يحدث لك الآن في هذه الغابات الكثيفة هو امتحان الروح تحت وطأة الرغبات المغدورة. أنظر لتلك الثقوب السوداء المرتعشة على سطح البساط الثلجي في أفق نافذتك، هذه ليسن أوسمة الطبيعة، لكنها الغربان التي تقود طلائع اليأس متوهمة أنه الأمل. لا يأخذنك الوهم فالطبيعة ليست رهن ارادتك، الكائنات المنتظرة كل هذه القرون سوف تحتاج أكثر من اليأس واقل من المستحيل. هل ستغفل مجدداً عن حق كائنات الطبيعة في حريات البوح والعمل وهي تستعرض مواهبها في حضرتك؟ الغربان ليست هي وحدها رائدة الوقت والمكان، العشب الوشيك، فيما يطل من تحت سجادة الثلج، هو أيضاً شريك لا يأخذنك وهمك فتتخيل أن يقظتك الباكرة كافية لأن يحدث هذا لغيرك من مخلوقات الله؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©