الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب شرق آسيا: «موت الديمقراطية»

13 مارس 2016 23:09
في 2 مارس 1962، قاد الجنرال ني وين انقلاباً في ميانمار (وقتئذ بورما) وأنشأ نظاماً ديكتاتورياً عسكرياً استمر حتى 2010. وبعد عقد ونيف، أعلن الرئيس الفلبيني فيرديناند ماركوس في 21 سبتمبر 1972 القانون العرفي الذي سمح له بالبقاء في السلطة حتى 1986. وقبل ذلك ببضع سنوات، أدى تمرد في 30 سبتمبر 1965 إلى قتل بعض الجنرالات، الأمر الذي رد عليه الجيش الإندونيسي باعتقال وقتل الشيوعيين والمشتبه في تعاطفهم مع تنظيمات شيوعية عبر أرجاء البلاد. كانت تلك أحداثاً تاريخية تركت تأثيراً سياسياً مستمراً على البلاد والعباد في ميانمار والفلبين وإندونيسيا، لكن بالنسبة للنشطاء والباحثين المحليين كانت تلك الأيام التي ماتت فيها الديمقراطية في تلك البلدان. فانقلاب 1962 في بورما منح الجيش سلطة مطلقة لحكم البلاد كلها. ولئن لم يضع الانقلاب حداً للحروب الأهلية العرقية التي مازالت مستعرة إلى اليوم، فإنه جعل المجلس العسكري الحاكم أقوى قوة سياسية في البلاد. وقد تحدت انتفاضة للطلبة في 1988 المجلس العسكري، لكنها أُخمدت بعنف وقُمعت. وفي 1990، أُجريت انتخابات في البلاد، لكن المجلس العسكري تجاهل نتائجها واعتقل زعماء حزب «العصبة الوطنية للديمقراطية» الفائز. ولم يتم تبني إصلاحات سياسية حقيقية في البلاد إلا في 2010، إصلاحات كان من نتائجها الإفراج عن سجناء سياسيين، ورفع الرقابة على وسائل الإعلام، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. ومازال الجيش يتمتع بنفوذ وتأثير في دواليب الدولة إلى اليوم، لكن حزبه مني بهزيمة كبيرة في انتخابات العام الماضي التي أسفرت عن فوز «العصبة الوطنية للديمقراطية» بأغلبية كبيرة، وهو ما حدا ببعض المراقبين إلى القول بأن الديمقراطية عادت إلى ميانمار أخيراً مع تقلد «العصبة الوطنية للديمقراطية» مسؤولية الحكومة. ولئن كانت ثمة أسباب عديدة لبقاء ميانمار دولة ضعيفة التنمية خلال القرن الماضي، فإن الكثيرين يحمّلون مسؤولية ذلك لـ«موت الديمقراطية» في 1962 باعتبارها نقطة التحول في تاريخ البلاد. وفي هذا السياق، كتب المؤرخ ثانت مينت يو، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«صندوق تراث يانجون»، تدوينة اكتسبت شعبية واسعة على صفحته على فيسبوك حول تداعيات انقلاب 1962، حيث كتب يقول: «كانت بورما وقتئذ واحدة من البلدان الأفضل حالا في المنطقة، حيث كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الخام فيها يعادل ثلاثة أضعاف نظيره في إندونيسيا، وضعفي نظيره في تايلاند، ومساوٍ تقريباً لنظيره في كوريا الجنوبية. بيد أن شعب بورما لم يحصل على شيء خلال العقود التالية مقابل تنازله الاضطراري عن حرياته الأساسية». ومثل هذا الكلام تردده أيضاً القوى المطالبة بالديمقراطية عندما تتهم المجلس العسكري ليس بتخريب ديمقراطية ميانمار فقط، ولكن تنمية البلاد أيضاً. وبدورهم، يعزو الفلبينيون ضعف التنمية في بلادهم إلى الحكم القمعي للحكومة التي كانت مدعومة من الجيش. ففي 1972، وضع ماركوس البلاد تحت إدارة عسكرية من أجل إحباط سيطرة الشيوعيين عليها، على ما قيل، لكن خصومه السياسيين كانوا يعتقدون أن ذلك ليس سوى ذريعة من أجل تمديد فترة حكمه التي كان من المفروض أن تنتهي في 1973. وخلال فترة الحكم العرفي الذي أُعلن في البلاد، اعتُقل زعماء المعارضة، وفُرضت الرقابة على الإعلام، وصُودرت الحريات المدنية. وبحلول الوقت الذي خُلع فيه ماركوس في انتفاضة سلمية عام 1986، كانت الفلبين قد اشتهرت بلقب «رجل آسيا المريض» بسبب تفشي الفقر في البلاد. واتُّهم ماركوس والمقربون منه بنهب أموال البلاد في وقت كانت تعيش فيه أغلبية الفلبينيين في فقر وعوز. وكان ماركوس أعلن يوم 21 سبتمبر «عيداً وطنياً للشكر»، لكنه بالنسبة لمعظم الفلبينيين اليوم الذي ماتت فيه الديمقراطية في الفلبين. الشواهد التاريخية تشير إلى أن تذكر اليوم الذي ماتت فيه الديمقراطية مفيد لتعبئة الشعوب من أجل التحرك لطرد أو تحدي العناصر غير الديمقراطية في المجتمع. كما أنه يُمثل حملة إعلامية فعالة للتذكير بأهمية النضال الديمقراطي والحفاظ عليه. والواقع أن الديمقراطية ماتت عدة مرات في جنوب شرق آسيا، لكن موتها كان في كثير من الأحيان يشجّع الناس على العمل معاً والتعاون من أجل إعادتها إلى الحياة. وإذا كان الأمر يتطلب عدة سنوات وعقود من أجل إعادة الديمقراطية أحياناً، فإن المهم هو أن الديمقراطية أضحت الهدف الحقيقي والموحِّد في المنطقة. *محلل سياسي متخصص في شؤون جنوب شرق آسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©