السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

تركي الفيصل: نحتاج إلى حلول عقلانية بدلاً من تأجيج خلافات مذهبية مزعومة

8 مارس 2007 01:25
اليوم الختامي للمؤتمر السنوي الثاني عشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، والذي عقد تحت رعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المركز تحت عنوان'' النظام الأمني في منطقة الخليج العربي التحديات الداخلية والخارجية'' ، بدأ أمس بكلمة لصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود،رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في المملكة العربية السعودية، استهلها بتوجيه الشكر إلى الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وقال: أشكر الأخ الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على دعوته الكريمة للحضور، كما أشكر الدكتور جمال السويدي لما يقوم به من خلال هذا المركز لإثراء التفاهم وإذكاء حب المعرفة في من يهمه أمر ذلك· أزمة مجلس التعاون قال الفيصل لقد واجهني عنوان هذه المحاضرة ''التهديدات والمخاطر التي تواجه دول مجلس التعاون'' يوميا حين عملت سفيرا لخادم الحرمين الشريفين في كل من المملكة المتحدة وأيرلندا والولايات المتحدة وما يلي هو تبيان لما خالجني من أفكار ومعلومات طوال السنوات الأربع الماضية في محاولة للتصدي لهذا الموضوع الشائك والحيوي لنا أبناء الخليج العربي· وأضاف يواجه مجلس التعاون لدول الخليج العربية أزمة تعكر صفو الاستقرار فيه وتهدد أمنه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وحالة الأزمة أصبحت ظاهرة تخطى الحديث عنها النطاق الإقليمي فغدت محور كتابات كثيرة تحللها وتبحث عن دوافعها وتقترح لها الحلول يغذي بعضها روح الكراهية والعداء مستفيدة في ذلك من خلافات مذهبية وسياسية تطرأ بين طرفي الخليج· دوله السنية على شواطئه العربية وإيران الشيعية على الشاطئ الآخر· وقال إن هذه الكتابات والتحليلات الصادرة عن محللين سياسيين يعيشون بعيدا عن المنطقة جعلت من إيران محورا لمد شيعي يسعى حثيثا إلى مد نفوذه في منطقة الهلال الخصيب مما يعني تقويض حركة التعايش السلمي بين أطياف المجتمع العربي بمختلف مذاهبه وعقائده التي ظلت قائمة على مدى قرون طويلة ومن ثم كما يزعم هؤلاء المحللون بروز إيران كقوة مهيمنة في المنطقة وقد ساعد على قبول مثل هذه التحليلات غير الايجابية بروز قوى حديثة التكوين في المنطقة تدور في فلك إيران اشتطت في تحديها لكل ما يخالف توجهاتها فلجأت إلى العنف لتصفية حساباتها مع إخوانهم السنة فسمتهم تارة بالوهابيين وتارة أخرى بالتكفيريين وأشاعوا أنهم ممن ساندوا أو سكتوا على اضطهادهم في فترة صدام حسين في العراق والحق انه إذا عدل صدام في شيء فلقد كان عادلا في اضطهاده لكل العراقيين وبكل أطيافهم وطوائفهم· وفي المقابل فإن هناك عناصر انطلقت من عالمنا السني بدعوة بغيضة لقتل من سموهم بالرافضة والتنكيل بهم واجتمعت الفئتان في العراق الذي أصبح مسرحا لشتى أنواع الكره والبغض والمنكر· وتساءل الفيصل عن حقيقة ما يوصف بالخطر الإيراني وربطه بأحداث العراق ولبنان وانعكاسات ذلك على أمن واستقرار دول مجلس التعاون· قبل أن يقول لقد رأينا قبل يومين اللقاء بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس أحمدي نجاد وقد اتفقا على إخماد نار الطائفية المشتعلة في العراق وإطفاء جذوتها في لبنان ولذلك فإنني أفضل النظر إلى إيران بوصفها دولة جارة وصديقة تربطنا بها روابط تاريخية ومصالح اقتصادية وتقارب في نمط الحياة الاجتماعية وإذا كان هناك خلاف مذهبي بين إيران ودول المجلس فيجب ألا يؤدي هذا الخلاف المذهبي إلى أي نوع من العداء والكراهية لأنه خلاف قديم يصعب علاجه بين يوم وليلة وتجاوزه يكون بتحكيم العقل والرجوع إلى جوهر الدين الإسلامي الحنيف وتغليب سماحته وتوعية عامة الناس بأن التعايش مطلوب من أجل توفير الأمن للمنطقة وأن لا فائدة من تسخير جزئيات من السلبيات المذهبية في زمن يحتاج فيه الناس إلى التقارب والألفة لتحقيق الرفاهية والاستقرار لشعوب المنطقة بأكملها· إن إيران ودول مجلس التعاون نسيج باهر من السنة والشيعة يشبه في دقة حياكته أبرع ما ينسج من زراب في تبريز أو نائين أو شيراز· يجب أن ندرك أن جزءا كبيرا من الخلاف المذهبي تحول إلى فعل سياسي صرف وإذا ما تم الركون إليه تحول إلى خطر عظيم لأنه سوف يصبح باعثا على الخوف من الآخر والتوجس منه والارتياب من أفعاله ولو استسلمنا لهذه المخاوف والتوجسات فلن يكون هناك معنى لوجود نفوذ إيراني في العراق أو لبنان أو فلسطين ولا لنفوذ سعودي فيهم إذا كان الغرض أن يتواجه ويتصدى كل فريق للآخر هناك وما يفترض أن يكون هو تعاون من أجل البناء وشراكة بين دول متجاورة تعمل سوية من أجل إخراج المنطقة من الأزمات الخانقة التي تواجهها اليوم· فلم لا ندخل البيوت من أبوابها ونحول هذه النفوذ إلى استثمارات في العراق ولبنان وفلسطين ودعم للتنمية فيهما بل وبيننا أيضا فنتطلع لاستثمار سعودي في مشهد أو شيراز مقابله استثمار إيراني في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية أو في الجبيل وبذلك نذهب عنا رجس التوجس والشك· إن دول الخليج كلها وليس دول مجلس التعاون وحدها تواجه تحديات ومصاعب جمة تحتاج إلى حلول عقلانية أهم من تأجيج خلافات مزعومة كالقول بصراع بين السنة والشيعة في العراق أو البحث عن هلال شيعي أو مد سني هنا أو هناك، ففي إيران بطالة وصعوبات اقتصادية واجتماعية متزايدة وزيادة في عدد السكان مطردة· وأما الذين يبحثون عن حلول غيبية غير واقعية بواسطة مهدي منتظر أو إمارة إسلامية مزعومة تستمد من الموروث التاريخي فإنما يعترفون بعجزهم عن معالجة تحديات اليوم بوسائل دنيوية بشرية وفق السنن الإلهية التي وضعها الله عز وجل واشترطها لإعمار الأرض وجعل من مستلزماتها العمل ثم العمل ثم العمل مع الإخلاص وبذل الجهد والشورى ثم يكون توفيق الله بعد ذلك ''وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون''· إن الاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة وجلهم من الشباب يجب ألا تكون بتخديرهم وجعلهم ينتظرون مائدة من السماء ولا بنشر أفكار متطرفة بينهم تشل قدراتهم الإنتاجية وتورث التواكل وتشيع التعصب والاختلاف· ولذلك فإن التحدي الأول الذي يواجهنا على جانبي الخليج هو أن نعمل بإخلاص على العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه ونقتدي به عليه الصلاة والسلام في تأسيس فكر سياسي بناء يخص أمور الدنيا دون إغراق في الغيبيات ومن ثم نشرع في فتح آفاق للتعاون والبناء المشترك والتبادل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمواجهة التحديات الحقيقية· إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تسعى لاستتباب الأمن لجميع دول المنطقة روحيا واقتصاديا ولذلك فلقد أكدت المملكة العربية السعودية وشريكاتها في مجلس التعاون على ضرورة حل القضية الفلسطينية حلا عادلا لأنها قضيتنا الاولى ومرتكز أمننا وهمنا وكذلك على ضرورة خلو منطقة الشرق الأوسط من جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل وحق جميع دول المنطقة المشروع في الاستخدام السلمي لجميع أنواع الطاقة بما فيها الطاقة النووية ولقد حثت دول المجلس إيران لمرافقتها في هذا المجال· ولا يحق للمجتمع الدولي أن يكيل بمكيالين فيحرمنا وإيران بل يندد بنا جميعا عندما نسعى لاقتناء أسباب المعرفة النووية من جهة ويغض الطرف بل ويدير ظهره لما قامت وتقوم به إسرائيل التي أصبحت تملك القنبلة النووية· وقال الفيصل إن ما ذكرته سابقا يدخل في إطار التمني والأمل وإن كنت أقر بأن الحكمة لا تزال غالبة في جانبي الخليج ومن ضمن ما أتمناه هو أن نغير نظرتنا تجاه ما يمكن أن نطلق عليه عقدة العيب التي تظهر عند ربط الاهتمام بالمصالح المادية· إن العلاقة القائمة على مصالح مادية بين الدول مفيدة وإيجابية فلا نقيسها بالعلاقات الإنسانية الخالصة بين رجل وشقيقه أو صديق وصديقه، وأعطي مثالا على ذلك بعلاقة المملكة بدول الخليج وهي علاقات ممتازة وأخوية ولكن البحرين ودبي هما أقرب من غيرهما بحكم الاستثمارات السعودية الهائلة فيهما وحجم التبادل التجاري المتزايد بينهما والمملكة وفي هذا السياق تسعى المملكة وتضع في قائمة أولوياتها التنموية التكامل الاقتصادي بينها وبين جميع دول الخليج العربي· الوضع في لبنان وواصل الفيصل كلمته قائلا'' لنا في لبنان أنموذج آخر فهذه العلاقة والمصالح مع لبنان جعلت المملكة تنشغل بتطورات الوضع هناك منذ استقلاله وحتى التنازع الأخير بين الحكومة والمعارضة والذي خرج عن الإطار المقبول واقترب من حالة الفتنة السياسية، والأدهى من ذلك الطائفية ولما كان طرف النزاع الرئيس مرتبطا فكريا وعضويا بإيران وأقصد هنا حزب الله كانت المملكة ودول الخليج ولا تزال مرتبطة بكل لبنان فلا يمكن القول بأن حلفاءنا هناك السنة دون غيرهم لأن موقع المملكة الريادي في العالم الإسلامي يحتم عليها أن تكون لكل العرب والمسلمين دون تفريق بين طائفة وأخرى مسلمة أو غير مسلمة ودفعا للتنافس والشقاق فقد وجدت المملكة أنه من الضروري فتح حوار مع إيران بدلا من الصراع معها في لبنان لأن الصراع سيضر أولا باللبنانيين كلهم ثم بالعلاقة بين الجارين الكبيرين على ضفتي الخليج وأخيرا وهو الأمر الأهم سوف يضر أي صراع بالعلاقة المتوترة أصلا بين السنة والشيعة وهي علاقة لم نبذل بعد الجهد الكافي لعلاج اضطرابها بطرق تؤدي إلى تأصيل أسس للتعايش الحضاري في إطار روح التسامح الهائلة التي يفيض بها ديننا الحنيف فإن لم نستطع فعل ذلك فعلى الأقل نمنع الاحتراب بين أتباع المذهبين· ومما لا شك فيه أن أي صراع ينشأ بين السعودية وإيران في لبنان سوف يمتد إلى خارجها ولن يجد له من مشجعين سوى المتطرفين في الجانبين الذين لا يعيشون ولا يزدهر منطقهم السقيم والأعوج المخالف للإسلام الصحيح إلا في زمن الفتن والنزاعات فإذا غابت الفتن أثاروها وإذا اصطلح الناس فتنوا بينهم وأججوا الخلاف والشقاق أما المشجع الآخر فأجنبي غريب يعيش على خلافاتنا ويبرر وجوده بيننا بنزاعاتنا ولذلك فنحن نتشاور مع كل اللبنانيين ونسدي النصح لهم ونستمع إلى ما يخالجهم من اهتمامات وهموم ونقارب ونوازن بينهم ولكننا حريصون كل الحرص على ألا نخدش سيادة لبنان أو أن نقدم مصلحتنا على مصالح الشعب اللبناني· إن الأزمة اللبنانية مستمرة وهذا أمر لا يمكن إخفاؤه ولكن يمكن القول إن حدتها خفت بعض الشيء بفضل التواصل السعودي الإيراني الذي أدى بالتعاون مع القوى اللبنانية المختلفة إلى تجاوز لحظات حرجة كادت أن تفجر كل شيء ولا تزال المساعي مستمرة وعسى أن تكلل بنجاح قريبا· وعندما نتفق مع الطرف الآخر نستطيع أن نحل به كل مشاكلنا ولا يبقى حينها اختلاف حول تشكيل محكمة دولية تقضي بالحق في قضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري رحمه الله فهذه المحكمة إن أدت دورها فلن تكون بدافع سياسي بل بدافع أمني يحتاجه كل مواطن في لبنان كما أنه لا معنى للاختلاف على حقوق الشيعة في لبنان إذ إن من البديهي أن لهم التمتع بكل الحقوق التي يفترض أن يتمتع بها أفراد المجتمع اللبناني كافة للمشاركة في بنائه والاستفادة من خيراته· لا يبغون ولا يهمشون طرفا في الحكومة فلا يقصرون عن قرار ولا يفرضون على الشعب قرارا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©