الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل انتهى زمن الشعارات؟

هل انتهى زمن الشعارات؟
2 نوفمبر 2011 21:14
يدخل المؤلف علي بن محمد الرباعي في كتابه “الصحوة في ميزان الإسلام”، إلى استخدامات اللسان العربي لمفردة الصحو مقابل النوم، ويشير إلى إن المفردة استعملت أيضا بمعنى الإفاقة مقابل الثمل، وتتعدد مفاهيم المصطلحات باعتبار دلالة اللفظ من جهة، وباعتبار منطلقات واضحة الاصطلاح، وتفعيل المفهوم واستغلاله في واقع الحياة من جهة أخرى، إضافة إلى قياس ورصد مدى استجابة المجتمع والأفراد لمدلوله. وبرأي المؤلف إنه من الغلو ومجافاة الحقيقة أن توصف المجتمعات العربية والإسلامية بالنائمة أو الغافلة في حقبة الثمانينات وما قبلها، مع تسليمنا بأنها لم تكن تعاني من أزمة التعايش مع المغاير والمختلف، بل كان التدين فاعلاً والتعايش ملموساً بين الناس من دون تكفير أو خروج عن نطاق الدعوة والوعظ، بل من يقرأ حقبة الستينات والسبعينات بموضوعية سيخرج بانطباع أن المملكة العربية السعودية كانت تمر بمرحلة نشوء متقدمة في الثقافة والصحافة والفنون وحرية الإبداع، مقارنة بالتراجعات التي وقعت لاحقاً، مع التأكيد على توفر القابلية للوافد والمستجد من الأفكار، كون العقل السعودي لم يشغل بالتنظيرات الفكرية في تلك الحقبة، وكل ما يمكن طرحه، إذا اتيحت مساحة للطرح، مستمد من أطروحات الإمام محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني ومحمد رشيد رضا، ومن هنا جاء توظيف مصطلح الصحوة ليشي بأن المرحلة السابقة لظهور التيار سمتها النوم والثمل بحسب قول الشاعر. قوة البلاغة ويذكر ابن خلدون في كتابه “شفاء السائل” أن كل ما هو معقول في الطبيعة والمجتمع يمكن التأثير فيه بعد معرفة نواميسه المطردة، بينما غير المعقول يجري على نسق إضافته الى القدرة الإلهية، فيما يذهب عبدالله العروي في كتابه “العرب والفكر التاريخي” الى ان المجتمع المتخلف فكرياً لا ينجح فيه الا من يتتبع وسائله الخاصة الناتجة من تخلفه، ومن توظيف الأسباب مرة أخرى لإدخاله في حال من التيه والغموض والتسليم بما يمكن تسميته المنقذ الخفي او الرب السياسي المنتظر. ويشير المؤلف الى ان حركة الصحوة بنيت على فكرة إعادة تعبيد المجتمع الجاهلي بحسب تعبيرهم لله، بعد خروجه عن حقيقة العبادة على يد الأنظمة غير المشروعة، كما يرى المنظرون! وقد نجح المقتدرون فصاحة، وبلاغة من رموز المرحلة في إذكاء روح الكراهية، والعداء، ضد السلطات القائمة، والحكام العملاء، والخونة، وخلخلة الثقة في العلماء المعتدلين، بل وتفكيك العلاقة معهم وبهم، بطرق غير مباشرة، وتوفير الفتاوى البديلة، وتوزيع المنشورات المشبعة برائحة الدم، ومن أبرز ملامح تلك المرحلة إشاعة، وإطلاق أدبيات جديدة، كمصطلح أدب إسلامي، إعلام إسلامي، حجاب إسلامي، اقتصاد إسلامي، في كل المناطق السعودية، إضافة الى شعارات أخرى معلومة المصدر والتسويق والغاية. ويزعم المؤلف أن الفكر نجح في إعادة تعبيد العباد للعباد، إذ أصبح لكل فئة رمزها ولكل رمز مريدوه، وغداً الذهاب الى النوم بحاجة الى فتوى يصدرها شيخ أو واعظ، يمثل دور الوسيط بينهم وبين الله، ولا ريب في أن معظم رموز الصحوة كما يصف قد وقعوا في خطأ فادح حين اتخذوا الدين حرفة يسترزقون بها ومنها وينالون مقابلها كسباً مادياً وقبولاً اجتماعياً ويستغفلون باسم الإسلام عقول الجماهير ليحظوا بأتباع ومريدين يعتقدون أن الوصول الى الله لا يتحقق الا عن طريق هذه الرموز، علماً بأن الإسلام دين يقوم على الانتماء للحس الإنساني من خلال عقيدة سليمة وسلوك سوي وعفة وزهد في مطامح الدنيا ومطامعها وزخرفها. ويستند المؤلف الى الدكتور حاكم المطيري في كتابه “الحرية أو الطوفان” حيث يقول إن حرفة الدين جزء من نظم اجتماعية مختلة بدليل عجزهم عن تحويل الدين الى ممارسة وسلوك عوضاً عن الشعائر الشكلانية والتمتمة والتراتيل. وفي رأيه إن ذلك هو مشروع فاشل لكونه لم يضع تصوراً مسبقاً لمشروعه، يقوم على فكرة حضارية تحترم حق الإنسان في الحوار والاختلاف والتعايش، ولذا حاولوا استثمار التهييج الشعبي لعاطفة غير منظمة، وتعجلوا قطف ثمار المرحلة معتقدين أن الأسلمة اكتملت، والعود صلب وأن الناس ستخرج لتمنحهم المبايعة على الولاية والحكم وادارة شؤون البلاد. التوجه والمقاصد ومن ذلك يصل المؤلف إلى القول بأن رموز تيار الصحوة قد حاولوا الترويج لمشروعهم وتسويقه على أنه مشروع يبتغى به الله والدار الآخرة، محاولين ربط السياق التاريخي ببعضه، معلّقين أحلام الشعوب المغلوبة على أمرها وآمالها على حبل انتصارات متوهمة ومقبلة تعيد للأمة أمجادها. وكثيراً ما تم استحضار الماضي وتمثله في الخطاب، ما يوحي بأن التوجه حضاري والمقاصد عليا وبعيدة عن مظنة الدنس والشبهات، ولقد تبيّن مع الوقت أن الخطابات تمويهية، والتوجهات مسيسة، وأن الدولة بكامل أجهزتها تعي أنها أخفقت في تحقيق تطلع الشعب الى الرفاهية والرخاء، ولذا فتحت للخطاب الصحوي ساحة الطرح، داعية الشعب الى الإصغاء للصوت البديل، بل ولم تعترض الحكومة السعودية في وصف المؤلف على التجاوب الشعبي مع الصحوة في معظم الأوقات، ما يثير التساؤل حول دور الدولة الفاعل في تبني تيار الصحوة سراً وفتح الساحة له ليعرض بضاعته ومن ثم يصل الى حرق أوراقه بيده وهذا ما كان، إذ لم تنجح التيارات السياسية في العالم الإسلامي بما فيها المتدين منها، في تحديد أسباب الضعف والتخلف، ولا في إيجاد الحلول العملية لها. ومن يتأمل خطابات الرموز الصحوية يتضح له أن المشروع سياسي صرف. ولا يدل المؤلف على ذلك من المفردات السياسية التي أصبحت متداولة في سياقات الوعاظ والخطباء، والمحاضرين، حتى أنك لتشك في مهمة الفرد منهم أحياناً وأنت تستمع لواعظ يرسم سياسة الدولة الداخلية والخارجية من فوق منبر الجمعة! من ذلك ما ورد عن الشيخ سفر الحوالي في شرحه لرسالة تحكيم القوانين ومنها نحن شباب الإسلام، نستطيع تفكيك حلقة الإذعان للغرب، ورفض حضارته المضللة، وإدراك مؤامراته، لكنهم حتى الآن لا يعرفوا حقيقة هويتهم، مضيفاً: دين أهل السنة والجماعة لا يقتصر على الاقتراحات النظرية المرتبطة بعالم غير معروف، بل هو دعوة للإصلاح والتغيير ويفسر، المفكر العروي مثل هذا الطرح بأن شخصية الشيخ لا تنفك ترى التناقض بين الواقع المعاش والماضي في إطار تقليدي، وتواصل السجال مع الآخر ضمن دائرة الإسلام والكفر والإيمان والنفاق. الخطب والشحن يعرض المؤلف أيضاً كيف ان المجتمعات العربية والمجتمع السعودي عموماً لم تنتبه حتى يومنا هذا بأن مرحلة التبشير بالثورات والانقلابات، والوعود بتحقيق الرخاء والتقدم انتهت بانتهاء زمن الشعارات، ولم تتعظ التيارات الدينية بما وقع للشعاراتيين من إخفاق في عقود قريبة خلت، وتغافل التيار الصحوي عن لفت المجتمع الى واقعه، ولم ينجح في طرح أسئلة محرّضة على النهوض الذاتي، وتجاوز الشعاراتية الى حقل البحث العلمي والدراسات الاجتماعية بدلاً من حقن الناس بخطب رنانة وشحنهم أسهمت في نقلهم من واقع الى خيال مبني على غيبيات وكرامات، حتى افتتن بعضهم بالزي الأفغاني، وانحصر تفكير معظم الشباب بل انحسر الى توفير طريقة للموت على ثرى أفغانستان الطاهر والفوز بغنيمة الاستشهاد والتسليم والإذعان المطلق لشيخ يسكن القصور ويعمّر الدور ويركب الأحدث من السيارات، ويرش ملابسه بأغلى العطور ويدفع بزهرات الشباب الى محرقة الموت مجاناً ودونما قضية مقدسة واضحة المعالم. ومن المؤسف بحق أن قادة الصحوة لم يسجلوا لأنفسهم أي حضور إيجابي وحضاري في واقع المجتمع، فهم غالباً لا يتبنون فكرة إنشاء المباني المدرسية، ولا حفر الآبار، ولا الشفاعة لطالب يريد دخول الجامعة الا إن كان بمواصفاتهم، ولا يسعون لعلاج مريض، أو يساهمون في تسديد مديونية مفلس، وهذه جميعها من المساهمات الإنسانية والحضارية، التي يقدمها الأسوياء لأفراد مجتمعهم، الا أن الأنانية سمة لهذا التيار المؤمل عسكرة المجتمع على غير هدى، ويدل المؤلف على ذلك من خلال الانقسامات المتعاقبة بين رموزها، وخروج خلايا وجماعات انصالية، آثرت تبني خيارات جديدة تنسجم مع تطلعات الطامحين بعيداً عن آباء الصحوة الجامدين على أفكار ومفاهيم تجاوزها الزمن. يتوقف القارئ لواقع الصحويين في العالم العربي أمام شخصاتهم فيخرج بانطباع مؤداه أنه ربما تعرض معظمهم لضغوط واضطهاد وانتهاك عرض او تطاول على خصوصية، إما على مستوى أسري أو مجتمعي أو سلطوي، ما حوّلهم الى ضحايا العذاب على أيدي أجهزة استخبارات وأنظمة جائرة. ومن المعلوم لراصدي الحركات الدينية السياسية، أن معظمهم رموزها تعرضوا للسجن، والتعذيب والنيل من مكانتهم ومنهم المودودي الذي اعتقل بسبب انتقاداته الشديدة والمتكررة للسياسيين في بلده لكونهم لم يعتمدوا الشريعة الإسلامية في رسم سياسة الدولة، ما دفعه منذ عام 1956 الى عام 1974 الى القيام بمجموعة محاضرات في القاهرة ودمشق وعمان ومكة والمدينة وجدة والكويت والرباط وإسطنبول ولندن ونيويورك وتورنتو ليبذر بذور نبتة مقبلة تحمل في مكوناتها وخصائصها الذاتية ثورية على الظلم والاضطهاد والسلطات بأنواعها، ولعل هذه التجاوزات مثّلت مبررات للتنظيمات لأن تنتقم من السلطة القائمة بوصفها جائرة دون تورع عن القتل والتفجير والتحول الى جلاد حل محل الضحية في ظروف مواتية. الجلاد والضحية وبالنظر في مفردات الخطابات الصحوية يستشعر الكثيرون مغالاة الصحويين في توظيف النص لخدمة مقاصدهم خصوصاً أنه حمال أوجه، بل ويتلمسون من الأحاديث والآثار ما يسترضون به الجمهور، لتكثير الأتباع، وفرض الهيمنة وفق سياق يجعلهم في الواجهة الاجتماعية، التي تؤطرهم في نمط معين لا يمكنهم الخروج منه، وتورطهم باقتحام المزيد من الخوض في قضايا شائكة، لا تمت في الأصل للدين بصلة، ولا يترتب عليها فساد معتقد أو صلاح مجتمع بل هي في معظمها لا تخرج من دوائر المباحات أو المكروهات، ويخشى المؤلف ما يخشاه بعد مرور الزمن، ودورة العصر أن يكتشف من ظن نفسه جلاداً أنه ضحية. فهو لا يريد أن يخرج من منهجية البحث الموضوعي، ومن المنطق أن يشددوا على مبدأ أن الصحويين ليسوا سواء، فمنهم الأقرب الى الاعتدال في قوله وفعله وأفكاره، المؤمن بالتعددية في الفكر والسلوك، والمسلّم بخيارات الإسلام من شاء فليؤمن لا إكراه في الدين، ومنهم الأقرب الى الاعتلال ممن يثق بالتراث ويعوّل عليه في تحقيق ما تعجز عنه أنظمة لها منظوماتها المتكاملة، والاعتلال هنا مجازي باعتبار أن هذا النموذج محب للدين ومشفق على الناس الا أنه عمي عن آليات الإسلام وأدواته الحضارية في تقديم الفكرة وصياغة الأسلوب، ومنهم الأقرب الى الاختلال في المنهج والسلوك لكونه لم يفهم رسالة الإسلام أصلاً فضلاً عن تقديم الخدمة اللائقة بها، مع اقتناعي الراسخ بأن الإسلام دين رباني وحضاري يتبنى الإنسانية ويعمل لأجلها، وأنه غير قابل للتسييس والتحزب، ولا بأس هنا من استعادة مقولة الدكتور طه عبدالرحمن عن التسييس في كتابه العمل الديني وتجديد العقل، إذ يقول التسييس آفة بالحركة، إصلاحية كانت أم ثورية، ذلك أنه يجرها حيث تشعر إلى ألوان من التصارع والتغالب والتحاقد والتكايد، الأمر الذي ينحرف بها عن المجرى الإنساني. ختاما نرى بأن هذا الكتاب يتناول نشأة معظم التيارات الإسلامية والمنظمات فكراً وممارسات. بداية من الأئمة السلفيين الى المتأثرين بهم، ويجيب المؤلف الناشط السابق في الصحوة عن كثير من الأسئلة حول هؤلاء الوعّاظ الذين سرعان ما يتكاثر اتباعهم وينتشرون في أصقاع الأرض بأفكارهم وأسلحتهم ومتفجراتهم. فما الذي يجمع بين تلك التنظيمات وما علاقتها بحقيقة الدين؟. أيضاً هو دراسة نظرية وأخرى ميدانية توضحان معاً الكثير مما قيل ولم يقل عن مالئي الدنيا وشاغلي الناس: رجال الصحوة ووعّاظ الدين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©