الإثنين 13 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضابط ليوم واحد.....!

29 يناير 2012
عدت إلى الوراء كثيراً، واسترجعت شريط الذكريات وأحلام الطفولة البريئة التي كنت قد نسيتها تقريباً، أو ربما لأنني لم يصادفني ما يستفزها بداخلي، أو يجترها من مخزن اللاشعور، ويعيدها من شريط ذكريات الطفولة التي نَسيت كثيراً منها، أو تلك التي توارت أمام مشاغل الحياة ومسؤولياتها. نحن لا نتذكر كثيراً من الذكريات أو الأحداث القديمة إلا إذا تصادف ما يوقظها من سباتها الطويل، لتدغدغ مشاعرنا، ولا نملك إلا أن نترحم على الأيام والأحلام التي ولّت! من الطرائف التي تذكرتها اليوم، أن المعلمة سألتنا في أول حصة لها ولنا في الصف الأول الابتدائي، السؤال التقليدي: «ماذا تحب أن تكون في المستقبل؟»، وراح كل منا يجيب حسب رغبته وأحلامه، منا من قال: أريد أن أكون طبيباً يعالج مرضاه، أو طياراً يحلق فوق السحاب، أو ضابطاً يقبض على مجرم، أو قبطاناً يعتلي أمواج البحار والمحيطات، أو فناناً شهيراً يصفق له الناس، أو غير ذلك. وبالطبع نسيت الآن أحلام كل زملاء الصف، إلا إجابتي، وإجابة زميل وصديق عزيزـ كان مغرماً إلى حد الهوس برقائق البطاطا، ولم يسلم من تحذيرات وممانعات أمه وانتقاداتها المستمرة له في كل مرة يشتري فيها كيساً صغيراً من البطاطا - وأجابها بأن أمنيته أن يكون صاحب «سوبر ماركت»!، ولما بدت إجابته غريبة، وأثارت اندهاش المعلمة، وضحك تلاميذ الصف وهرجهم وسخريتهم ، طلبت منه أن يقف، وسألته: لماذا اختار أن يكون صاحب «سوبر ماركت»؟ ، أجابها ببراءة وتلقائية وغرابة وشجاعة لا يمكن أن تمحى من ذاكرتي أبداً ـ :«حتى يكون بوسعي أن أحصل على أكياس رقائق البطاطا «الشيبسي» في أي وقت»! المهم أنه بعد تخرجه من الجامعة، عمل بالحكومة، ثم استقال من وظيفته بعد ذلك، ليتولى إدارة أعماله ومشاريعه الخاصة، ومنها «سوبر ماركت» شهير بالتأكيد! أصل هذه المقدمة، ما سرني كثيراً عندما قرأت ما أقدمت عليه شرطة أبوظبي في سابقة تربوية جديرة بالاحترام، علينا أن نكشف بعضاً من جوانبها المشرقة. المبادرة استجابة لحلم وأمنية الطفل عبد الله علي سعيد الغافري، ابن الثانية عشرة، بأن يصبح ضابط شرطة ليوم واحد، ويمارس فيه مهامه الوظيفية برتبة نقيب. المسألة ليست مجرد تحقيق أمنية تداعب طفلاً، إنما هي حالة وموقف تربوي جدير بالتوقف والاحترام، إنها نموذج تربوي حقيقي لمشروع قيادة مستقبلية ناجحة، فالأمر لا يقتصر على أن يرتدي الطفل الزي العسكري مزيناً بالنجوم، ليلتقط صورة تذكارية، وينتهي الأمر، إنما أتيح له أن يمارس مهامه الوظيفية مثل أي عنصر شرطي لمدة يوم كامل بعد لقائه بقيادات شرطية واعية، واستوعب مهام عمله، وقام بتطبيق عملي باستقباله بلاغاً وهمياً عن حادث معين، وكيف يتعامل معه، بل نزل إلى الشارع وأوقف إحدى السيارات المخالفة لقانون المرور، وتعامل مع سائقها كما ينبغي، وأوضح له نوع المخالفة التي ارتكبها، وضرورة الالتزام بإرشادات السلامة المرورية، ثم حرر له المخالفات القانونية. نحن أمام حالة تربوية أقل ما توصف أنها نموذج تعليمي وتربوي خلاق وغير مسبوق، أتمنى أن نجده في مصانعنا، ومدارسنا، ومستشفياتنا، وصحفنا، ومراكزنا العلمية، بل أتمنى أن تصبح المبادرة بداية لمشروع وطني يستوعب أحلام الصغار.. أقصد «الأحلام الكبيرة». المحرر | kho rshied.harfo sh@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©