الجمعة 17 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تشكيلي يحول الصور الفوتوغرافية إلى بورتريهات

تشكيلي يحول الصور الفوتوغرافية إلى بورتريهات
24 ديسمبر 2010 20:53
ربما ما كان ليثير انتباه الكثيرين لو شارك في معرض جماعي للفنانين التشكيليين المحليين؛ فالمواهب في هذا المجال كثيرة، ومدرسة الفنون الجميلة بالجزائر وملحقاتها ببعض الولايات تخرِّج سنوياً الكثير منهم، ومن الصعب البروز وسط هذا العدد الكبير من التشكيليين، ولكن اختيارَه شارع عام في قلب الجزائر العاصمة لممارسة فنه جعل كل من يمر به ينتبه إليه، وقد يتوقف عنده للحظات يتأمل رسومه ولو بدافع الفضول. الهواء الطلق اسمه كريم بونادي، في الخامسة والأربعين من العمر، خرِّيج معهد الفنون الجميلة بهامبورج الألمانية سنة 1991 بعد 3 أعوام من الدراسة، اختار شارع الشهيد العربي بن مهيدي قرب “البريد المركزي” بقلب الجزائر العاصمة، لينصب مرسمه في الهواء الطلق ويشرع في تحويل شخصيات الصور الفوتوغرافية إلى رسوم باليد فتخرج بورتريهات مطابقة لها في الملامح. قبل أن يسرد تجربته وبدايته الأولى مع الرسم التشكيلي، فضل أن يبدأ بالحسرة على وضعيته، وقال إنه يتمنى لو كان يملك معرضا خاصا بلوحاته التشكيلية المختلفة التي ينطلق فيها بحرِّية ليرسم ما يشاء ويبدع ما يحلو له من أشكال ورموز في لوحات تحمل دلالات عديدة، فهو في الشارع يقوم بـ”عمل آلي” يعيد من خلاله رسم الوجوه كما يراها في الصور الفوتوغرافية بشكل جاف لا إبداع فيه ولا لمسات إضافية، وهو الرأي الذي لم يعجب إحدى زبوناته التي تدخلت لتقول إن القدرة على إعادة رسم هذه الصور باليد “إبداع في حدِّ ذاته وهو أمرٌ غير متاح لكل من هب ودب، بل لمتذوقي الرسم والفن التشكيلي فقط”. وعن أسباب اختياره هذه “المهنة” ما دام يراها تقيد روحه الإبداعية، أجابنا بأنها “لقمة العيش”، فهو يمارس “مهنة يعتاش منها، أكثر مما يمارس الفن”. موهبة مبكرة يقول بونادي إن موهبته ظهرت في وقتٍ مبكر من خلاله رسومه الصغيرة في المدرسة والتي أعجبت معلميه وأساتذته، أما أولى لوحاته فجاءت في السادسة عشرة من عمره، ويقول إنها “مليئة بالعفوية والبساطة، لكنها كانت جميلة لافتة للانتباه، وبعدها التقيت أحد الفنانين التشكيليين فعلمني كيفية رسم لوحات ثلاثية الأبعاد، ومن ثمة كانت انطلاقتي الحقيقية، إذ بدأتُ أحترف الرسم التشكيلي، ثم تعمقت تجربتي بعد الانضمام إلى معهد هامبورغ الألماني للفنون التشكيلية في 1988 حيث صقلتُ موهبتي هناك”. قبل تخرجه في المعهد، بدأ بونادي يقيم معارضَ في هامبورغ وهلسنكي ثم ميلان وتونس لإبراز لوحاته التشكيلية التي تنتمي إلى مدارس مختلفة ومنها الانطباعية ونصف الواقعية والتجريدية، والمفارقة أنه يميل أكثر إلى المدرسة التجريدية ولكنه الآن يعمل في إطار المدرسة الواقعية “لأن المدرسة التجريدية لا يمكن للفنان أن يعتاش منها”. كما طاف الفنان عدداًُ من الدول لاحتراف رسم البورتريهات، ومنها ألمانيا وإيطاليا قبل أن يعود إلى الجزائر في 1992 وينقل “مهنته” إلى عدة مناطق وشوارع بها. حينما كان بونادي يتحدث عن تجربته، كان العديد من الشبان والفتيات يتحلقون حوله يتأملون البورتريهات التي أنجزها ويسألونه عن أسعارها، وبدا أن أغلبهم يعتبر الأسعار “غالية”، بينما يعتبرها هو أن الأسعار “مناسبة جدا، بل إنها بخسة مقارنة بأسعارها في أوروبا حيث يبلغ ثمن البورتريه في إيطاليا 70 يورو، أي ما يعادل نحو أربعة أضعاف سعره في الجزائر، كما أنه يعتبر مهنته “متعبة تتطلب الكثير من الانتباه والتركيز على التفاصيل والجزئيات، وهي ليست يسيرة كما يتوهم البعض وتتطلب وقتاً قد يصل إلى يوم بأكمله لإنجاز بورتريه واحد، ثم إن هناك أعباء المعيشة وكذا كراء الورشة أو المرسم”. ويتخذ بونادي من هذه الورشة مكاناً لنومه منذ سنوات ليعمل فيها بعيداً عن الصخب في البيت العائلي الذي تركه ليتفرغ لبورتريهاته في لياليه أيضاً، وبخاصة حينما تهطل الأمطار ويتعذَّر بعدها نصب “ورشته” في الهواء الطلق، علماً أنه أعزب برغم بلوغه سن الـ45، ويبدو أنه فضل أن “تزوج” فنه ولوحاته. وأبدى العديدُ من الشبان تقديرهم الكبير لبونادي، يقول تِوَرقِوين سفيان إن “رسومه جيدة وراقت لي وأتمنى أن تدعمه وزارة الثقافة ليفتح مدرسة لتعليم الأطفال التربية َ الجمالية”، بينما يقول كمال نين “لوحاته في القمة وأنا شخصياً أجد جاذبية خاصة وروحاً في البورتريهات أكثر من الصور الفوتوغرافية الجافة”. الثقافة الفنية عن الفرق بين العمل في أوروبا والجزائر، يقول بونادي إن الأوروبيين يجلسون دون ملل أو قلق أمام الفنانين لإنجاز بورتريهاتهم ولا يقبلون منحهم صورهم لإعادة رسمها مثلما يحدث بالجزائر، إذ يتعذر على الفتيات الجلوس مطولاً في شارع أمام الملأ لرسمهن. ويضيف “ينظر الأوروبيون إلى الثقافة لاسيما الفنية كجزء من استهلاكهم اليومي، كالخبز تماماً، بينما ألقى أحياناً بعض السخرية من شبان لا يقدِّرون هذا الفن ويعتبرون انه لا يختلف عن طاولة بيع السجائر مثلاً”.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©