الأحد 12 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مكتبة جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي تسعى لترقية الفهم والحوار بين الأديان والثقافات

مكتبة جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي تسعى لترقية الفهم والحوار بين الأديان والثقافات
15 ديسمبر 2010 19:28
لأسباب كثيرة، فقد الجامع دوره التنويري الذي كان يقوم به وأصبح مكاناً للعبادة فقط. مذّاك، فقد المسلمون واحدة من أهم نقاط قوتهم العلمية والحضارية، بل أهمها على الإطلاق؛ ذلك أن الجامع في عصور ازدهار الثقافة الإسلامية كان منارة فكرية وعلمية وثقافية تخرج في ظلالها وبين مخطوطاتها ورفوفها نخبة النخبة من مفكري هذه الأمة وعلمائها وفقهائها ومحدثيها على مدى ألف عام أو أكثر. وفي أفيائه ألفت الكتب، ونسخت المخطوطات، ونوقشت الاختراعات والعلوم، وأقيمت حلقات البحث العلمي، وألقيت المحاضرات والدروس، بحيث يمكن القول إن الجوامع في عصور الإسلام البهية كانت بمثابة “هارفارد” أو “السوربون” في عصرنا الحالي، لهذا يستطيع المرء أن يؤكد بكل أريحية فكرية أن الأمة خسرت بفقدان الجامع لدوره العلمي والتنويري خسارة فادحة لا يمكن تعويضها إلا باستعادة هذا الدور. ربما يرى البعض أن في هذا القول مبالغة ما، لكن وقائع التاريخ يمكنها أن تبرهن مثل هذه المقولة ببساطة لمن شاء أن يعرف، وما أكثر المراجع وأمهات الكتب التي تتحدث عن هذا الدور وأهميته، وعن جوامع كانت إلى جانب وظيفتها الدينية علامات علمية وحضارية، بلغت في العلم شأواً جعلها مقصد طلاب العلم من كل أنحاء الدنيا، واحتلت منزلة رفيعة جعلتها تستحق حتى من علماء الغرب ومؤلفيه كل احترام وتقدير. وما جامع القرويين وجامع القيروان في المغرب، وجامع قرطبة في الأندلس، والجامع الأموي في دمشق، وجامع المنصور ببغداد، وجامع الزيتونة في تونس، وجامع عمرو بن العاص والجامع الأزهر في مصر سوى نماذج فقط على مثل هذه الجوامع. وغير بعيد عنا الدور العلمي والفكري الريادي الذي قام به جامع قرطبة في الأندلس في مختلف عصوره، حتى تحول إلى جامعة حقيقية يتحدث عن نشاطها علماء المسلمين وغيرهم، مما جعل المستشرق الهولندي دوزي يطلق على الجامع اسم “جامعة قرطبة”. ومما قاله: “أما جامعة قرطبة فقد كانت يومئذ أشهر جامعات العالم، وكان مركزها المسجد الجامع، وتدرس في حلقاتها مختلف العلوم، وكان يدرس الحديث أبو بكر بن معاوية القرشي، ويملي أبو علي القالي دروسه عن العرب قبل الإسلام وعن لغتهم وأمثالهم، وكان ابن القوطية يدرس النحو، وكان الطلبة يفدون بالآلاف”. زواج العقل والروح هل آن الأوان لاستعادة ذلك الدور الغائب للجامع؟ طرق السؤال ذهني وأنا في الطريق لرؤية “مكتبة مركز جامع الشيخ زايد الكبير” في أبوظبي. هذا الجامع الذي قيل وكتب عن جماله المعماري الكثير، بحيث وصف بأنه من أجمل الجوامع على الأرض، وهو بحق تحفة فنية وجمالية تخلب الألباب، ولا يمر يوم لا يؤمه وفد من الأجانب لزيارته وتصويره ورؤية نقوشه وزخارفه المبهرة. لكن ما أثار كوامن الدهشة المعرفية في النفس ليس الجمال المعماري رغم وفرته، بل جمالية الفكرة التي أخذت تداعب رأسي في الطريق إلى الجامع. بدت لي فكرة إنشاء مكتبة في الجامع تضم كتباً نادرة ومخطوطات تتعلق بالحضارة العربية الإسلامية والفن الإسلامي فكرة رائدة بحق؛ وربما اندفعت قليلاً بطبعي الخيالي لأتصور أنها خطوة على طريق استعادة الدور الغائب للجامع... لم لا؟ أليست طريق الألف ميل تبدأ بخطوة، وهل يمكن أن تكون هذه الخطوة هنا أمام ناظري؟. لكن ما أدهشني أكثر أن المكتبة التي أقصدها توجد في منارة من منارات الجامع... كيف؟ وأين؟ وهل تتسع منارة جامع لمخطوطات وكتب و... وصلت إلى الجامع لأجده كعادته يرفل في بياضه الساحر. بسرعة فائقة أوقفت سيارتي، فـ “أزمة المواقف” التي تعاني منها مبان أخرى في الدولة لا وجود لها إطلاقاً هنا، فالمساحة واسعة، وقد حرصت الإدارة على أن يتوافر للمكتبة مواقف من الجهات الأربع تتسع لعدد كبير من السيارات، تسهيلاً للوصول إليها واختصاراً لوقت الراغبين في الإفادة من مصادرها. ما إن يصافحك الجامع بهدوئه وجلاله حتى تدخل في طقس روحاني يأخذك مباشرة إلى عوالم الروح وتجليات التوق والشوق إلى لقاء الواحد الأحد. تصلي ما شاء لك الله أن تصلي، فتعبق في روحك أنداء الراحة الإيمانية الناجمة عن وجودك بين يدي الله وفي بيت من بيوته، ثم تخرج إلى ضالتك: المكتبة. هنا يعقد العلم قرانه على الإيمان، وتلمس قداستين: قداسة الإيمان وقداسة العلم، وتعيش روحانية القلب والروح من جهة، وروحانية العقل والمعرفة من جهة ثانية: الأولى ناجمة عن وجودك في محراب الإيمان. والثانية نابعة من وجودك في محراب للعلم الذي يقدسه الإسلام أيما تقديس. بهذه المشاعر القزحية الفائضة تتجه إلى أقصى يسار الردهة الكبرى للجامع الجميل فتصافحك يافطة مكتوبة بأناقة مفرطة: “المكتبة”، فيما يكسو الخشب العتيق ذو الرائحة المميزة حوائط المدخل. المصعد نفسه جرت كسوته بلوحات خشبية فنية تدعوك إلى التحديق فيها لزمن يطول ويقصر تبعاً لذائقتك الشخصية، لكنها في الغالب تثير إعجاب الغربيين ويتوقفون أمامها طويلاً في حالة من التأمل والإعجاب والأسئلة. إلى الطابق الثالث بالمنارة الشمالية يحملك المصعد ليلقي بك في أحضان الزخرفة الإسلامية وجمالياتها العابقة بروائح الخشب القديم المختلط بروائح البخور والورق العتيق. تستنشق الرائحة بكل ما فيك من قوة ... مرة ومرتين وطوال فترة وجودك إذا كنت من عشاق الكتب وروائحها. تلج الباب إلى المكتبة. غرفة كبيرة، واسعة، جميلة، رحبة، مضاءة بشكل جيد، تحتوي على رفوف تم توضيبها بشكل فني روعي فيه أن تظهر رحابة المكان إلى الحد الذي جعلني أشك أنني في منارة، فسألت فأكد لي أحد العاملين في المكتبة أنها منارة بالفعل، وتأكدت مرة أخرى بعد أن غادرت المكتبة فوجدت أنها حقاً منارة من منارات الجامع. قلت لنفسي: لعلها البركة التي يهبها الله لبيوته لتبدو أوسع وأجمل في كل شيء. ممنوع اللمس كل شيء في المكتبة يدعوك إلى “عدم اللمس” - حتى لو لم تكتب يافطة بهذه الكلمات وتعلق فوق المخطوطات والكتب التي فتحت صفحاتها لتبدو واضحة أمام الجمهور - لأنها ببساطة معروضة بطريقة وفي أجواء من العناية والاهتمام تدفعك إلى عدم لمسها، ناهيك عن ظهور علامات القدم والعراقة على أغلفتها والتي تضفي عليها نوعاً من المهابة العلمية تجعلك تخشى إن لمستها أن تتلف شيئاً منها. فكلها من نفائس الكتب النادرة ذات الطبعات الفريدة في قيمتها العلمية أو التاريخية، والأخرى القديمة والمميزة في بابها، ناهيك عن كونها مصادر أساسية متخصصة في العمارة الإسلامية وفنونها وعلومها، تتمحور حول الحضارة الإسلامية كما تتبدى في تصورات الآخرين. أنت في حضرة ما مجموعه 50679 ملفوفة من المخطوطات العربية النفيسة والكتب النادرة والوثائق وطبعات للقرآن الكريم، طبعت في أوروبا خلال المدة الزمنية الواقعة بين (1537-1857) وتضم طبعات نادرة جداً، بعضها هو النسخة الوحيدة المتبقية، يأتي اقتناء المكتبة لها ضمن اهتمامها بالحفاظ على التراث العالمي المطبوع في شتى المجالات والعلوم والمعرفة. نسخ نادرة ولفائف ومخطوطات كتبت بـ 12 لغة... هنا كتاب عن”المصكوكات الإسلامية “ يعود تاريخ نشره إلى عام 1792 وصدر بروما، ويعد من الكتب القليلة النادرة التي تؤرخ للعملات في العصور الإسلامية المختلفة، وهناك كتاب عن “الفنون العربية” للفرنسي “بريس دي أفينيس”، صدر في باريس عام 1973 وهو يتحدث عن الفنون والآثار الإسلامية في القاهرة، ويركز على المساجد في مصر القديمة، واللافت أن كل الصور التي يتضمنها هذا الكتاب للمساجد القديمة في القاهرة، هي عبارة عن رسومات أصلية وليست صوراً فوتوغرافية. وفي الزاوية كتاب نادر صدر عام 1905 عن “ تصاميم السجاد في آسيا” ويشرح عبر رسومات أصلية، كيفية صناعة السجاد في بعض الدول مثل إيران والهند وباكستان وبعض الدول الآسيوية الأخرى. ويبدو الكتاب للناظر إليه أشبه بتحفة فنية، أوراقه من الورق المقوى الذي كان يستخدم في الرسم، ما جعلها تبدو مثل لوحات نقشت عليها تصاميم السجاد الموضوعة في غلاف مقوى من الجلد القديم يحضنه كأنه بيته. تتأمل كتاباً جميلاً عن “معالم الفن العربي” نشر عام 1897 وتأخذك قشعريرة زهو حين تشعر أنك أمام النسخة الوحيدة على مستوى العالم، ويغمرك الإحساس نفسه حين تحدق في نسخة صادرة عام 1921 من الدورية البريطانية “كتالوج الكتب المطبوعة” والتي كانت بدايات صدورها عام 1744. خزانة التسامح لم يظهر لفظ “مكتبة” في العالمين العربي والإسلامي إلا في العصور الحديثة، قبل ذلك، عرفت الثقافة الإسلامية مصطلحاً آخر هو “خزانة الكتب” وأحياناً كانوا يسمونها دار الكتب أو بيت الكتب. وقد نمت المكتبات حيث وجدت الثقافة، واشتعلت رغبة المعرفة والقراءة في نفوس الناس، وحيث ساد الاستقرار السياسي والاجتماعي فوجد العلماء والبحاثة والمتعلمون متسعاً للتفرغ لتحصيل العلم والمعرفة... بل إن البلاد التي يزدهر فيها العلم ويعم الاستقرار ويجد العلماء الأمان تصبح قبلة أنظار الدارسين، يفدون إليها من شتى أقطار الأرض للنهل من معين المعرفة. حدث ذلك في حقب تاريخية ازدهرت فيها الثقافة الإسلامية وعرفت توافد العلماء على جوامعها التي كانت منارات للإشعاع الحضاري والعلمي والمعرفي إلى جانب وظيفتها الدينية المهمة. وما كان لمثل هذه الجوامع أن تلعب دوراً بهذه الأهمية من دون أن تكون لديها “خزانة كتب”، كان يخصص لها بناء خاص إلى جوارها، بينما للمرة الأولى في تاريخ الجوامع توجد المكتبة في المنارة كما هي الحال في مكتبة مركز جامع الشيخ زايد الكبير، وبذا تجمع المئذنة بين دلالاتها ووظائفها الدينية المعروفة والمعرفة المنفتحة على العالم، الداعية إلى التسامح. هذا التسامح هو الأصل في الفكر الإسلامي، وهو الذي لفت انتباه الباحثين الغربيين في موضوعة الجوامع ودورها العلمي والحضاري ومن بينهم دوزي الذي أشاد برعاية المستنصر للعلماء من مختلف الملل والنحل، مسلمين وغير مسلمين، وبيّن أن إغداقه على العلماء الإسبان (يعني المسلمين الأندلسيين) والأجانب (يعني النصارى) لم يعرف حداً، بل كان يشجع الجميع بمن فيهم الفلاسفة الذين طرحوا آراءهم بكل حرية وجرأة. ويبدو أنه الدور الذي تطمح إليه مكتبة مركز جامع الشيخ زايد الكبير في سعيها إلى استئناف روح التفاعل مع الآخر، والإفادة من المعارف العالمية، وتشجيع البحث العلمي الذي ميَّز عصور التقدم العربية الإسلامية، عن طريق توفير مصادر استثنائية تجعل منها، في غضون السنوات العشر المقبلة، واحدة من المكتبات المميزة في نوعية مقتنياتها العالمية الخاصة بموضوعة الحضارة الإسلامية كما تتبدّى في مرايا الآخرين، ومركزاً علمياً مرموقاً للحوار والتسامح والتفاعل بين الحضارات. ومن بين ما تهدف إليه المكتبة توفير مختلف أوعية الإنتاج الفكري وتنظيمها، من كتب ودوريات ومواد سمعية وبصرية ومخطوطة تتوزع على مجالات المعرفة المختلفة. والسعي لاقتناء النتاج الفكري المتعلق بالحضارة الإسلامية وعمارتها وفنونها وعلومها، المكتوب باللغات العالمية الحيّة، وتوثيقه بجميع أشكاله من الدوريات والبحوث والدراسات المتخصصة والمقارنة. ونشر المعرفة والثقافة المعاصرة والاهتمام بالموروث العربي والإسلامي والإسهام في إحيائه وتجديده وقراءته. وتوفير الخدمات المكتبية النوعيّة والمساهمة في إدارة الفعاليات والأنشطة بمركز جامع الشيخ زايد الكبير الخاصة بأعمال الترجمة والنشر العلمي في مجالات العلوم العربية والإسلامية، بما يحقق إضافة نوعية للبحث العلمي. وفي هذا السياق يأتي استخدام مركز جامع الشيخ زايد الكبير نظام الميلينيوم في المكتبة، وهو ما تحتّمه مرحلة الأتمتة الشاملة والمتسارعة التي تعيشها المؤسسات المعرفية والبحثية والأكاديمية في الدولة، مما يعد خطوة للأمام لتحقيق رؤية مركز جامع الشيخ زايد الكبير في الإفادة من التقنيات الحديثة، التي تساعد في تلبية الطلبات المتزايدة على الوثائق والمعلومات المطبوعة والرقمية على حد سواء، إضافة إلى الخدمة التي يمكن توفيرها للمستفيد في تسريع عمليات الوصول للمعلومات والبيانات. أكثر من ذلك، تتطلع المكتبة إلى تكوين قواعد للبيانات والحصول على مصادر المعلومات مخزّنة على أقراص بصرية، وبناء شبكة المعلومات الداخلية التي تساعد على تنظيم المعلومات وتداولها. ها هنا تتحدث الحقائق المتجسدة على الأرض، فالمكتبة تنتظر أن تتلقى في غضون الأيام القليلة المقبلة قرابة 50 ألف مخطوطة من مخطوطات المكتبة البريطانية، على مصغرات فيلمية “ميكروفيش”، ستكون متاحة لرواد المكتبة عقب وصولها، وستعمل إدارة المكتبة على تحويلها من “ميكروفيش” إلى أسطوانات رقمية “ديجتال” ومن ثم وضعها على موقع المكتبة الإلكتروني لتكون متاحة للباحثين والمهتمين من كل أنحاء العالم، وهذه المخطوطات تتضمن موضوعات في الحضارة العربية الإسلامية وبعض المعارف والعلوم الأخرى. علماً بأن محتويات المكتبة كلها متاحة الآن عبر موقع المكتبة على شبكة الإنترنت، لكن من خلال وصف مادي وموضوعي للكتب والمخطوطات فقط، ويمكن لأي باحث أو مهتم البحث عما يريده من خلال إدخال اسم المؤلف أو عنوان الكتاب أو المخطوطة، ومن الخطط المستقبلية للمكتبة نشر نصوص كاملة لبعض الكتب التي تضمها ومن بينها الكتب النادرة، وجارٍ الإعداد لذلك الآن، من أجل التسهيل على الباحثين والمهتمين، كي يستطيعوا الاستفادة من محتويات المكتبة سواء كان ذلك من خلال الوجود داخلها أو من أي مكان آخر في العالم. أحلام مكتبة لا تكتفي المكتبة بالجهد العلمي الذي تبذله لرصد التراث العربي والإسلامي والإسهام في إحيائه ونشره بما يتلاءم ومتطلبات اللحظة الحاضرة، بل تقوم بنشاط مواز لهذا الدور يتمثل في خدمة المجتمع وتنميته على المستوى الثقافي، من خلال إقامة المؤتمرات والندوات والمحاضرات والمعارض والاحتفال بالمناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية، ودعم حركة البحث العلمي تأليفاً وترجمة ونشراً، وتوفير خدمات المعلومات، وتبادل الخبرات مع المؤسسات المتخصصة وتنظيم الزيارات، علاوة على قيامها بعرض مطبوعات المركز من الإنتاج الفكري الذي يدعم اهتماماتها ورؤيتها وأهدافها في نشر المعرفة والثقافة، وتبادله مع نظيراتها من المكتبات والمراكز. تساءلت: ماذا لو أن خمسة في المائة من المساجد المنتشرة في عالمنا العربي أسس كل منها مكتبة بين جنباته ووضع فيها كتب العلم والطب والفلك والرياضيات والمخطوطات والفقه والفلسفة و... إلخ. ماذا لو أن الفكرة انتشرت في بقاع العالمين العربي والإسلامي، وتحققت أحلام مكتبة مركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي التي باحت لي ببعضها، فقالت: أحلم بأن أحيي هذه الكنوز من المخطوطات والكتب والمعارف في صيغ تواكب العصر وتفوز برهانات الحداثة. وأن يكون وجودي استئنافاً للدور الحضاري لخزائن الكتب في الإسلام من منظور معاصر، يعي الثوابت ويفهم المتغيرات. أحلم بأن يكون إدخال الكتاب إلى فضاءات الجامع تعبيراً عن حقيقة الجامع الرمزية والتاريخية والحضارية. أحلم بأن تنتقل هذه العدوى الجميلة، عدوى القراءة والشغف بالمعرفة والكتاب إلى الجميع، بحيث يجد كل من يدخل المسجد ليصلي خزانة كتب، متنوعة، يشرف عليها اختصاصيون في علم المكتبات يقدمون له المعلومة المفيدة والنظيفة بشكل محترف. أحلم بأن تجتذب الفكرة مساجد أخرى في العالمين العربي والإسلامي، وتتحول الى جوامع تمتلئ خزائنها بالكتب والرواد، فتتغير الصورة القائمة والكئيبة عن العرب الذين لا يقرأون، ويخرج الكُتّاب والمؤلفون والعلماء من إحباطهم الدائم بسبب عزوف القراء عن قراءتهم، وتنتهي مشاعر اليأس التي يغرق فيها الناشرون بسبب سوء توزيع الكتاب العربي، ويتغير الخطاب الذي يتردد عن أزمة القراءة والمقروئية. ومع المكتبة، نحلم نحن بأن تستعاد تلك العلاقة الدافئة والحميمة التي تقطعت أواصرها بين المثقف والجامع، وأن ينجز هذا التموقع الجديد والفاعل للمثقف إلى جانب العالم والفقيه حواراً رصيناً وجاداً يغني الطرفين. حوار يرتهن إلى الأصول والأصالة ويرتبط في الآن نفسه بالراهن المعاصر، ويكون نموذجاً للحوار الثقافي والحضاري الذي تعتبره المكتبة واحداً من أهدافها الأساسية. حوار جاد بعيد عن كل مغالاة أو غوغائية، حوار عالم مسؤول، حيث لا سلطة فيه سوى سلطة المعرفة التي لا تشوبها شائبة، وإنه هدف لعمري نبيل، وسلوك حضاري، لو اتبعه العالم الإسلامي، من شأنه أن يفعّل مؤسساتنا الدينية لتقوم بدورها في اقتراح الحلول لأزمات المجتمع الإسلامي المعاصر. تحلم المكتبة بأن تبني مع الأيام مسلماً قلبه عامر بالإيمان، وعقله عامر بالعلم، لأن المؤمن العارف خير من المؤمن الجاهل. بهكذا خطاب، ترفع إدارة مركز الشيخ زايد الكبير خطابها إلى مستوى حضاري متقدم، تخرج إلى الاجتهاد العالي الذي يتجاوب مع تحديات الراهن الحضاري والإنساني... فحين يؤمن الجميع بأن العلم عبادة أيضاً، ستتغير حتماً حالنا الثقافية، ويتغير خطابنا الحضاري، وتتغير صورتنا في العالم... ومن يدري ربما يعود لنا بنياننا الحضاري الذي كان الجامع مدماكاً رئيساً من مداميكه. موقع استثنائي تركت المكتبة تحلم بأن تحقق هنا على شواطئ الخليج ما حققته أخواتها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي من تنمية معرفية، وازدهار ثقافي، تحرر في رحابه الفكر وازدهر الجدل العلمي الرصين الباحث عن المعرفة الحقة، وخرجت إلى نسيم عليل يداعب نهارات المدينة في هذه الأيام، فيما يداعبني خبر أفرحني كثيراً تخبئه المدينة لعشاق الكتاب: افتتاح مكتبة عامة جديدة خلال العام المقبل. يجعل موقع المكتبة الاستثنائي منها مقصداً للباحثين والقراء ونقطة جذب للدارسين من مختلف أرجاء العالم، نظراً لسهولة الوصول إليها ووضوح المكان وبروزه، فضلاً عمّا يتصف به من جماليات معمارية. واختيار موقعها هذا له دلالة رمزية، توصل بشكل مجازي إلى مكانة المعرفة والعلم في الإسلام الذي احتفى بالعلماء وأعطى العلم المكانة العليا الرفيعة، لتعود المكتبة منارة ترشد إلى الحق والخير والجمال. خدمات متقدمة تقوم المكتبة في مجال خدمات المعلومات بتقديم المعلومات والإجابات عن الاستفسارات المباشرة، أو تلك التي ترد عبر وسائل الاتصالات المختلفة، وتقدم خدماتها بمستوى من الجودة يفوق مستوى توقعات المستفيدين من هذه الخدمات، ويلبّي احتياجاتهم ويرضي طموحهم، عن طريق بنية مكتملة الأركان من التجهيزات الحديثة والنظم المستجدة التي تتوافق مع متطلبات البحث العلمي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©