الإثنين 13 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وهم «النزوة»

12 يونيو 2011 19:46
سقف المعرفة لا نهائي، ولا ينتهي إلا بالممات، ولا عيب أن نعترف بقصورنا المعرفي أمام محيط المعرفة اللا منتهي. بالأمس القريب بادرني سائل عبر رسائل القراء ـ ولست متأكداً إن كان سائلاً أو سائلةً ـ وانتقد وصفي لعلاقة ما بأنها «مجرد نزوة»، وراح يدافع ويطرح نظريته حول مفهوم «النزوة»، وربما هذا الطرح يعيد فهمنا للأمر بشكل جديد، ولا سيما ما يرتبط بالفعل من أبعاد سيكولوجية معقدة للغاية. .. يا سيدي: النزوة عندما تبكي، تزول مساحيقها وأقنعتها وألوانها، فيتضح قبحها الحقيقي، فهي تلك «السَكرة» التي قالوا إنها حين تذهب تليها فكرة لا ترحم. ربما لأنها ليست سوى وجبة إضافية لإنسان يمتلك وجبة أساسية. فمعظم النزوات التي تنفجر في حياتنا تظهر في حياتنا لإكمال نقص ما فينا، أو لسد جوع ما تفشل في سده وجباتنا الرئيسية. .. وهي كالمطب وسط الطريق، تفاجئنا في منتصف طريق العمر، أو منتصف طريق الحكاية، أو منتصف طريق الحلم، وتزداد خسائرها وخطورتها بـازدياد قوة اصطدامنا بهذا المطب المفاجئ، وحسب عمق «الحفرة»، وحالة «التوهان» أو الاستغراق في وهم «النزوة». .. بعض النزوات كومضة البرق، تبدأ وتنتهي سريعاً، ولها أقنعة ووجوه عدة، ومخادعة تبدأ بقوة حقيقية، حتى يخيل إلينا أنها مرحلة مهمة من حياتنا، ونستهلك الكثير من الوقت والجهد والجدل للدفاع عنها كـقضية العمر. ونزوة خبيثة.. تسبغ علينا من أثواب السعادة ما يصعب علينا التعري منها بسهولة، فنبقى تحت غطائها فترة أطول مما يجب. .. ونزوة محرمة، تتسرب إلينا عامدة متعمدة، كـصياد ماهر في ماء عكر، وتنغرس فينا كجرح طويل الأمد، ولا تغادرنا إلا بعد أن تطمئن إلى أن خسائرها فينا غير قابلة للترميم. .. ونزوة قاسية، تعترض طريق قافلتنا وتجردنا من أمتعتنا، وقيمنا ومبادئنا وأحلامنا السابقة، وتتخلى عنا حين لا يبقى لنـا سواها. .. ونزوة منتقمة، تنسف عند اكتشافها أركان حكاية أو علاقة حقيقية، فتخسر العلاقة أو الحكاية أبطالها، وتفاصيل من العمر والعشرة، ولا طاقة لنا على خسرانها. .. ونزوة حقيرة، تبدأ بإثم، وتنتهي بخطيئة، وتترك بصمتها على جبين العمر، فتسرد البصمة حكاية ضعفنا لكل من يمر، وهذا النوع من النزوات لا يُنسى ولا يموت سريعاً. .. ونزوة بشعة، تسلبنا من أنفسنـا الكثير، وتدخلنا في غيبوبة من الوهم، ولا نستيقظ منها إلا استيقاظ الموتى، فتصاحبنا بعدها حالة من الذهول تبقى طويلاً وعميقاً. .. ونزوة كالصفعة، نحتاج إلى الكثير من الألم والمحاولات، حتى نتمكن من مسح آثار ذلها من وجوهنا، والبدء بوجوه لم تتذوق طعم صفعتها. فمهما تعددت أنواع النزوات، أو اختلفت بشاعة نهاياتها، إلا أن كل بداياتها ممتعة. فعالم النزوة دائماً وردي اللون، مُسكر كالخمر، دافئ كالحلم. فإن قررتم يوماً مغادرة نزواتكم، فلا تغسلوا قبل الرحيل وجوهها، حتى لا يتضح لكم قبحها الحقيقي، وتتحول إلى مرآة تعكس لمرتكبها تفاصيل يود قذفها في محرقة الأيام والنسيان. المحرر | Khourshied.harfoush@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©