الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اصطفاء الشعر

اصطفاء الشعر
9 يونيو 2010 20:29
القصيدة الجديدة في السعودية، والتي مثلها عدد من شعراء التسعينات والثمانينات من القرن المنصرم، مرحلة مهمة في الحركة الشعرية العربية والسعودية خاصة. القصيدة التي مثلتها تجربة قصيدة النثر التي عاشت في الظل مرات في المشهد الشعري، ولم تنكسر أو تنحسر إلا في تجارب أو فترات لا تكاد تذكر، بل كتبت بعيدا عن الآباء الشعريين وانعتقت من سطوة وسلطة الناقد والتجربة الأحادية، وظلت تقاوم كل الانكسارات والظروف الحرجة لخروجها وتوسع دائرتها حتى باتت مع مجموعة من الشعراء تشكل تجربة فريدة استلهمت الإبداع وأشكاله بكل ممكن. جيل من الشعراء المثقفين، الذين بذلوا الكثير في سبيل نصهم وترسيخ مفاهيم الكتابة الجديدة، التي امتدت أيضا قادمة من فضاء الانترنت في فترات لاحقة. وهي أيضا تجربة منعتقة من أعباء التجارب السابقة ومفهوم الدين كما يرى الناقد والشاعر عبدالله السفر في كتابه الجديد “اصطفاء الهواء.. القصيدة الجديدة في السعودية”، إذ يقرأ كل هذه المرحلة عبر القصيدة الجديدة في السعودية، بل يصف لنا في مقدمته العمل على النصوص بين هؤلاء الشعراء وانفتاحهم على فنون وتجارب مختلفة ليس فقط في الشعر بل والموسيقى والسينما والتجمعات النقدية الصارمة. ويقرأ السفر تجربة الشاعر ابراهيم الحسين بكل تداعياتها وظروف كتابتها بدءا من تجربته الأولى “خرجت من الأرض الضيقة” وما يحدث له من إغناء لتجربته في أعمال تالية. تجربة الحسين التي يرى عبدالله السفر أنها تكون في أوج اقتدارها حين تكون الكتابة عن الكتابة وعوالمها وطبيعتها وفلسفة الشعر، وهذا يبدو جليا فيما تمثله السفر من تلك التجربة الأولى. ويعتقد السفر أن تجربة الحسين واحدة من أهم تجارب القصيدة الجديدة التي كتبت في عزلة مضيئة وفي منطقة تهبه ذلك الهامش والتأمل والسكون. بلغة جميلة وابداعية يقرأ السفر نصوصا ً مختلفة من تجربة الشاعر. يضيء عباراته وقصائده ويقارب إبداعه بشكل مختلف عن القراءات النقدية السائدة، على الأقل فيما يخص لغته، وتباعا يقرأ تجربة الشاعر أحمد الملا في “ظل يتقصف” كصوت متميز ومدهش ، تلك القراءة التي تكشف لنا وتضيء كثيرا من عوالم أحمد الملا وجمالياته.. ومن خلال ذلك يناقش السفر أبرز ما يثار ضد القصيدة الجديدة، مستعرضا بعض الآراء النقدية المتحمسة في وقت سابق. ويستعرض في فصل “المشهدية” خصائص النص لدى الملا واكتراثه بالصورة واللغة البصرية، وهذه تبدو جلية من خلال تجربته في ديوان “خفيف ومائل كنيسان” حيث تعبق النصوص بالظل والحركة والضوء. كذلك في تجربة الشاعر زياد السالم الذي يرى السفر أنه يتكئ على السرد ويطيل في خيطه، ويعتبر إضافة نوعية في مشهد القصيدة الجديدة. وسعود السويداء الذي يهيمن على تجربته، حسب السفر، السرد الخالص. وقلق علي العمري الكوني والكياني العاصف الذي تهيمن عليه أجواء الجنوب ومناخاته، وضمن مجموعاته الشعرية “فأس على الرف” و”ولا يدري أحد” و”لا فوق لمثلك” حيث يرى أن “رغبة عالية في التجريب وسوق الكلام وصوغه في معابر ومسالك وشعاب”. ويرى اختلافا في تجربة غسان الخنيزي في بنائية الجملة وبنسيج خاص في أدوات تعبيره ، وتجربة فوزية أبو خالد التي يصدر لها كل عقد ديوانا كما يلحظ السفر ، و”سنابل في منحدر” لدى محمد الدميني التي يخرج بها من “سلطة الشكل الناجز إلى فضاء أرحب”، و”رياح جاهلة” لدى محمد عبيد الحربي، و”أسمر كرغيف” تجربة الشاعر عبدالرحمن الشهري ومجموعته التي تحمل نضجا ومغامرة ، والشاعر محمد حبيبي وعمله التجريبي “غواية المكان وحدقة تسرد”، بالإضافة إلى أعماله الشعرية، وما تحمله تجربته من مفارقات ورصد دقيق لكل ما يدور حوله، وعيد الخميسي في “البوادي” وفي “كنا” ودروب الذاكرة وشعابها والمخيلة البصرية ، وإطلالة أحمد كتوعة من خلال “كرة صوف لفت على عجل” وقلقه وعزلته وعبارته المختلفة، وكذلك في ديوانه الآخر “كما أشاء” حيث يمارس “تقنية الانفصال عن الخارج ويقوم بقطع الروابط التي تصله به كيما يحسن الرصد والسبر والمراقبة والتدقيق لإنضاج موقفه”، وعبد الله ثابت في “حرام” التي “تلتقط الفتات والنتف والهشيم وما هو متروك في الهامش”، وحمد الفقيه في “على طريقة لوركا” حيث “يشحذ الشاعر نايه في خلاء يرتج به وعليه، ينفث أنينا يكبر كلما أمعن في اختبار وجود هش ، يتقشر في ( خفة خاطر ) فيندلع الشعر في ثياب القصيدة”، ومجموعة “تماما كما كنت أظن” الصادرة حديثا أيضا. كتاب عبدالله السفر، الذي هو في الأصل مجموعة من المقالات النقدية قام بجمعها، يعد إضافة بارزة للمشهد النقدي وقيمته في أنه من الكتب النقدية النادرة تطبيقيا والتي تعنى بالقصيدة الجديدة وعوالمها ومرحلتها وتقف على أهم تجاربها منذ عقدين من الزمن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©