عدد اليوم
فاطمة عطفة (أبوظبي)
يعالج الكاتب والمفكر الأميركي جاك لندن في روايته (الناب الأبيض)، الصادرة بالعربية عن دار الحوار، ترجمة عدنان حسن، موضوعاً صعباً من خلال متابعته الإنسانية الدقيقة لموضوع شائك يجمع بين الموت والحياة، والإنسان والحيوان، من خلال قسوة الطبيعة القطبية بجليدها القاتل وتحدي المغامرين لتلك الظروف، وهم يواجهون الموت بلا تردد. رجلان ينقلان جثمان ميت على مزلجة لإيصاله إلى المحطة التجارية التي يستخدمها ألوف الباحثين عن الذهب، ومن هناك سوف ينقل الجثمان بالباخرة إلى لندن. والمزلجة تجرها ستة كلاب، وهم جميعاً محاصرون بقطيع من الذئاب الجائعة تطاردهم ليلاً ونهاراً، وليس في بندقية الرجلين إلا ثلاث طلقات. وتزداد ضرواة الذئاب في الليل ولا يجنبهم الخطر إلا النيران، رغم صعوبة تجميع الحطب الضروري. وخلال الصراع مع وحشة الليل والصقيع المحيط وضراوة الذئاب الجائعة، يفقد المسافران ثلاثة كلاب ثم يغامر أحد الرجلين فيهدر الطلقة الأخيرة ويذهب ضحية تهوره.
أما الرجل الآخر المشرف على الهلاك فينقذه حسن الطالع بفضل رجال آخرين كانوا مسافرين عبر تلك المنطقة الجليدية المقفرة. وهذه الأحداث تجري في إطار من الطبيعة القطبية القاسية وأخطار الذئاب. ويركز الكاتب الحديث على الكلبة- الذئبة (كيتشي) وهي هجينة من تلاقح الكلاب والذئاب، كانت تعيش على سرقة السمك من غذاء كلاب المزلجة. وهذه الكلبة كانت تصاحب ذئباً عجوزاً، ولها منه عدة جراء لم يسلم منها إلا الناب الأبيض. وتعود الكلبة مع جروها لتعيش مع صاحبها في المخيم، ثم تغادر المخيم تاركة الكلب الصغير ليعيش معهم في المخيم. ويتابع الكاتب بالتفصيل نشأة هذا الكلب- الذئب وتطور أحاسيسه وخبرته، وكأنه يرصد كائناً بشرياً. ويتنقل الناب الأبيض بين رجال عدة، ويشترك في معارك تجارية ويعاني الكثير من المصاعب. وفي الختام يشتريه القاضي سكوت وينتقل به إلى كاليفورنيا ليحظى بعيشة مرفهة. لكن القاضي كان قد حكم على أحد المجرمين بالحبس المؤبد، وتمكن المجرم من الهرب عازماً على قتل القاضي. وتنهض العائلة على ضجة صاخبة وصوت طلقات في الدور الأرضي، وتفاجأ بأن الكلب الوفي قتل المجرم من عنقه، لكنه كان مصاباً بطلقات عدة، حتى إن الجراح يخبر القاضي بيأس أن احتمال نجاة كلبه الوفي شبه معدومة، ورغم ذلك ينجو ويسترد صحته ويضطر للتآلف مع كلبة أليفة وجرائها. رواية شائقة ومثيرة وتعلمنا الكثير عن مواجهة الطبيعة القاسية وعن التربية وترويض الوحش الضاري حين نحسن التعامل معه معاملة إنسانية تعكس الحب والاهتمام.
