الثلاثاء 14 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الطب البديل.. بين الخرافة والعلم

الطب البديل.. بين الخرافة والعلم
9 مارس 2019 02:13

عرض: وائل بدران

في فيلم الرسوم المتحركة الشهير «دمبو»، يمكن لفيل صغير، لديه أذنان كبيرتان، أن يطير برفرفتهما مثل الأجنحة، لكنه يرفض تصديق أن بمقدوره فعل ذلك. فيستخدم صديقه الفأر حيلة نفسية لإقناعه، ويخبره بأن الإمساك بـ«ريشة سحرية» ستمكنه من الطيران. ويمنح الفأر الفيل «دمبو» ريشة غراب عادية، فيستخدمها للطيران في استعراض بهلواني. وعندما تسقط منه الريشة، يخبره الفأر أنها لم تكن سحرية، وإن كل ما فعلته أنها عززت ثقته بنفسه، فيواصل «دمبو» الطيران من دونها.
وفي كتابها الجديد «تأثير الريشة السحرية: علم الطب البديل والقوة المدهشة للاعتقاد»، ترى الصحافية «ميلاني ورنر» «ريشة دمبو» مشابهة للطب البديل. وعلى رغم من أن ذلك التشابه ليس كاملاً، لكن الفكرة متقاربة، وهي أن مزودي الطب البديل يقنعون المرضى بقبول اعتقاد على أساس غير واقعي، ويكون للاعتقاد تأثير قوي كعلاج وهمي يوجّه العقل إلى معالجة الجسد. وعلى النقيض من ريشة «دمبو»، لا يتم إخبار المريض الذي تتحسن حالته بالطب البديل بأن علاجه وهمي. وتشير المؤلفة إلى أنه ليس هناك ما يسمى بـ«علم الطب البديل». فلو أنه كان يرتكز على أسس علمية، لما كان «بديلاً»، ولكان ببساطة جزءاً من العلم. وتؤكد أن الطب البديل هو «طب وهمي»، فالعلم لم يظهر أنه «مؤثر» بمنطق مقبول. وتعتبر أن تأثير الطب البديل يرتكز على الأدلة القصصية مثلما تبدو حالات الشفاء الإعجازية.

ويبدو سرد المؤلفة أحادي الجانب، فهي تؤكد فشل عمليات جراحية في الظهر وإخفاقات طبية أخرى، وتجري لقاءات مع أشخاص يعتقدون أن الطب البديل عالجهم؛ لكنها لم تقم بأي محاولة لموازنة روايتهم بلقاءات وروايات أشخاص تضرروا من جراء الطب البديل أو لم يساعدهم. بل إنها لم تذكر حتى الشهادات الموجودة على الموقع الإلكتروني «واتس هارم»، التي تجمع تقارير عن أشخاص تعرضوا للأذى أو توفوا لأنهم وضعوا ثقتهم في خرافات الطب البديل!
وتخصص المؤلفة عدداً من الصفحات لما يبدو شفاء إعجازياً من شلل رباعي نُسب إلى علاجات غير تقليدية.
ويشير «الريشة السحرية» إلى أن المؤلفة زارت مريضاً زعم شفاءه من سرطان الغدة الكظرية النادر بعد زيارته نبع الكهف المقدس في مدينة «لوردز» الفرنسية، وأدركت أن التشخيص ربما كان خاطئاً منذ البداية. لكنها تفترض أن أعراض المرض على المريض ربما كانت ناجمة عن ضغوط نفسية أفضت إلى أعراض جسدية، زاعمة أن التعافي من الضغوط النفسية يعتبر علاجاً إعجازياً. ويخبرها أحد الأطباء أن «إيماننا بالمعجزات له تأثير الدواء الوهمي الخيالي». لكنها لم تشر في كتابها إلى أنه من بين 200 مليون شخص زاروا مدينة «لوردز»، من بينهم 67 شخصاً فقط أكدت الكنيسة الكاثوليكية أن أمراضهم شفيت بـ«طريقة لا يمكن تفسيرها طبياً»، ومعظم من تم تفسير حالاتهم طبياً ثبت أنهم كانوا حساسين للتأثيرات النفسية الجسمانية. وتلك الإحصاءات تمثل برهاناً قوياً ضد نظرية «الريشة السحرية».

الأدوية الوهمية.. دراسات مضادة
ولعل أفضل أجزاء الكتاب هو ذلك الذي تضمن تحقيقاً أجرته المؤلفة بشأن الأبحاث العلمية حول «الأدوية الوهمية». فهي تستشهد بكثير من الدراسات والانتقادات لهذه الدراسات. وتشرح دور الحالة والإيحاء في علاج المريض.
ويمكن للمخّ أن يفرز مواد كيميائية طبيعية تُسكّن الألم. وتشير التجارب إلى أنه في مرض الشلل الرعّاش «باركنسون»، أفرز المخ الدوبامين عندما تم إخبار المريض أنه تم حقنه بعقار، على رغم من أن ذلك العقار لم يكن في الحقيقة سوى «محلول ملحي». وأظهرت دراسات أن عمليات جراحية وهمية حققت نتائج فعلية مماثلة للعمليات الجراحية الحقيقية، حيث كان المرضى يعتقدون أن الجراحة ستكون فعّالة في علاجهم!
والعيب الوحيد في تحقيق «ورنر» حول «الأدوية الوهمية» هو قبولها اليقيني لدراسات عديمة الجدوى تضيف العلاج البديل لقائمة الرعاية الطبية المعتادة. ويبدو أنها لا تدرك أن تلك الدراسات هي مجرد مضيعة للوقت، لأن النتائج لا يمكن توقعها. فهي ستظهر دائماً أن العلاج البديل «يجدي نفعاً» لأن القيام بأي شيء جديد هو أفضل من عدم فعل شيء. ومثلما يقول «إدزارد إرنتس»: لا يمكن أن تتمخض مثل هذه التجارب عن نتائج سلبية.
ويتناول هذا الفصل من الكتاب أبحاثاً حول التوتر والتأمل والأورام والهلاوس ومعية الإحساس وفن القتال الصيني «تاي شي»، والذي كان يُعتقد أنه يؤثر في الجهاز المناعي للجسم وله منافع أخرى. غير أن دراسة أظهرت النقيض، فقارنت الدراسة «تاي شي» بالعلاج السلوكي إدراكي على مرضى يعانون من «التهاب المفاصل». ولم يكن للعلاج السلوكي الإدراكي سوى تأثير ضئيل على الآلام والأورام. وأما في «تاي شي» فلم يكن له تأثير يُذكر ولا حتى على صعيد تخفيف الألم. ولم تُنشر الدراسة أبداً: لأن المؤلف لم يعرف كيف يشرح النتائج. لكنه أخطأ لأن العلم يتقدم بدراسة النتائج غير المفسّرة.

«الدواء الوهمي»
وفي زيارة لعيادة «طب بدني نفسي» في ألمانيا، وجدت «ورنر» أن المرضى قلما «يتعافون»، لكن يتطور لديهم شعور بالسيطرة والقوة وزيادة الاعتزاز بالنفس وثقة أكبر.
وإذا كانت أكاذيب الطب البديل قادرة على إثارة استجابة «الدواء الوهمي» التي تؤدي إلى التعافي، فإن كشف الحقيقة كان ينبغي أن يسمح باستمرار الشفاء كما سمحت الحقيقة التي كشف عنها الفأر لـ«دمبو» باستمراره في الطيران. لكن الأمر لا يمضي على هذا النحو. والأدوية الوهمية ليست مؤثرة، والأساطير التي يقدمها ممارسو الطب البديل للمرضى مقبولة لديهم أكثر من الحقيقة التي ستتطلب منهم رفض معتقداتهم الراسخة. والحقيقة أن المرضى اليائسين يبحثون عن ممارسين متعافين وواثقين، حتى إذا كانت العلاجات التي يقدمونها ترتكز على سخافات لا معنى لها.

انتقاد جائر للمتشككين
تنتقد المؤلفة المتشككين بسبب عدم وجود رغبة لديهم في تصديق دور العقل في الصحة والعلاج، على رغم من أنهم ربما مهتمون اهتماماً شديداً بدور العقل، لكنهم يصرون فحسب على تقديم دليل جيد.
وتحاول المؤلفة تجربة كل شيء بنفسها، فخضعت للعلاج بالطاقة والوخز بالإبر والسباحة في نبع الكهف المقدس، بل وتركت المعالج يضرب على رقبتها على رغم من إدراكها أن ذلك ربما تكون له مضاعفات مثل الجلطة أو الوفاة، وإن كان احتمالاً ضئيلاً. وربما تكون التجربة الشخصية مقبولة في إطار عمل صحافي مقنع، لكنها ليست علماً مثبتاً. فلو أنها لم تتحسن، لن يكون ذلك دليلاً على أن العلاج لن يجدي مع آخرين. والحقيقة هي أن الدراسات العلمية الموثوقة هي وحدها الطريقة الصحيحة لتقرير الحقيقة.
وفيما يتعلق بالعلاج بالطاقة، تكشف «ورنر» أنها كانت متحيزة بقولها: «لقد كنت متحمسة كي أجد سبباً للتصديق، فإمكانية وجود ظاهرة أخفق العلم في تحديدها أمر مثير». وتضيف: «على مرّ التاريخ، كانت هناك أفكار كثيرة غير منطقية ومستحيلة، وفي غياب دليل قوي، يبدو أن ما أحتاجه هو مواجهة شخصية مع قوة خارقة يقول كثيرون آخرون إنهم جرّبوها». وعلى رغم من أن المؤلفة حضرت دروساً لكنها عجزت عن تعلم مشاهدة الهالات أو خوض التجارب التي يقول آخرون إنهم خاضوها.

تقنية الإقناع
تقول المؤلفة في كتابها إن الداء والمرض مختلفان، فالداء تجربة مخبرية ذاتية، وأما المرض فهو تجربة معايشة يخوضها المريض.
وتدافع المؤلفة عن فكرة أن الطب البديل يقدم شيئاً ذا قيمة لبعض المرضى، وإن كان يتضمن إقناعهم لتصديق خيالات مثل نقاط الوخز بالإبر والطاقات غير المكتشفة، وغيرها من «الريش السحري» التي أشرنا إليها سابقاً. وعلى رغم من أن تغيير المفاهيم بشأن المرض قد يكون ذا منفعة، لكن من غير الأخلاقي أن يرتكز العلاج الأساسي على الكذب. والمؤكد أن الهدف الذي يمكن تحقيقه من خلال الطب البديل قابل أيضاً للتحقيق من خلال الطب التقليدي المرتكز على العلم، الطب السريري ليس فقط مسائل علمية، وإنما علم تطبيقي هدفه: العلاج أحياناً والتخفيف كثيراً والطمأنة دائماً!

قيمة الطب البديل
تكمن قيمة الطب البديل في اللقاءات المطولة مع من يمارسونه الذين يقدمون الدعم النفسي للمرضى ويجعلونهم يشعرون بأن هناك من يدعمهم وينصت إلى أوجاعهم، والذين يقدمون تفسيرات «واثقة» (عادة ما تكون زائفة) حول العلل التي يعاني منها المرضى، ويعدون بثقة أنهم سيعالجون المشكلة.
والتقت المؤلفة أحد «المعالجين» يبدو أن لديه حزمة كاملة من كل ما يقول باحثو «الأدوية الوهمية» إنه سبب لمقابلة علاجية فعّالة: انتباه قوي وتعبير عن التعاطف ومواهب إنصات واتصال بصري قوي وإظهار دائم للثقة ومكتب مزيّن بمجموعة من الرموز الإيحائية.

المؤلفة في سطور
ميلاني ورنر، مؤلفة وصحافية حرة متخصصة في الشؤون العلمية والصحة. ونشرت دار «سكربنر» كتابها حول الأغذية المعالجة المعنون «بيت الداء» في 2013. وعملت مراسلة لدى «نيويورك تايمز». وتعيش «ورنر» في هونولولو بولاية هاواي الأميركية.

*ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©