الثلاثاء 14 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
15 ابريل 2009 23:37
ابتدعت الصبية أسلوبا للحياة عن طريق الموت. عرفت كيف يمكنها أن تحصل على الدواء اللازم، العزيز، لمساعدة والدها في صراعه المرير مع المرض. راحت تحفر القبور، وتخرج رفات الموتى، وتنقلها عبر الحدود لكي «تبيعها» إلى ذويها الأصليين. هذه باختصار، حكاية فيلم «ملائكة ماتوا في التراب» من تأليف وإخراج وإنتاج الكردي العراقي بابك أميني. كان على بطلة الفيلم القصير، الذي عرض ضمن تظاهرات مهرجان السينما الخليجية في دبي، أن ترتب حياتها وحياة والدها باستثمار بقايا عظام الجنود الإيرانيين، الذين سقطوا خلال سنوات الحرب مع العراق ودفنوا فيه. تداخل في الفيلم الموقف من الحياة والموقف من الموت في سياق واحد، من دون التباس.. ولكن هل هو التماهي بين الحالين والمعنيين، باعتبار أن الحياة منحة والموت حق، بحسب التعريف الديني؟ لا تعنى فكرة الفيلم بهذا التعريف، بقدر إيغالها في تشريح «جثة» الحياة على طاولة الموت، من دون السقوط في العبثية. فالبطلة التي جسدت دورها دينا قيادي، ليست ضائعة، وسلوكها قابل للتفسير على عكس افتراضات مدرسة العبث. فمنح الحياة «حق» الاستمرار باستثمار الموت، هو انحياز لإنسانية الإنسان، حيا كان أو ميتا. هنا يصبح التعامل مع الجسد البشري، في حالتي الحياة والموت، تعامل مع قيمة تتسع لكل تأويل، ليس شرطا أن يكون من بينها الخلود، الذي سعى إليه الفراعنة بالتحنيط وقصدته الفلسفات الهندية عن طريق الفناء وسط نيران اللهب. وبرغم كل السوداوية الكابوسية التي تحتملها فكرة الفيلم، فإنها تحافظ على حيز للطهارة.. هي طهارة مضادة للحرب، التي تسببت بكل تلك الآلام للذين ماتوا، وللذين ما زالوا أحياء. وهو، على سبيل المثال، ما افتقده فيلم من السبيعينات، عنوانه Survivors (الناجون)، حين اضطر الناجون من ركاب طائرة سقطت فوق جبل ثلجي، إلى أكل جثث رفاقهم لكي يحافظوا على حياتهم. وهكذا فعل الأسرى الروس، في معتقل نازي، بعدما منع عنهم الطعام لمدة طويلة، فتغذوا بجثث رفاقهم، تحت أنظار حراسهم. فكرتا الحياة والموت في الحالتين، كانتا على طرفي نقيض، وكأن الوجود نفسه عاد إلى بدائيته المتوحشة، وهو ما يصبح أكثر فجائعية في المثال الذي يرويه الكاتب الإيطالي كورسيو مالابارتي في كتابه «الانهيار التام». فقد رافق ضابطا نازيا في جولة على الجبهة الروسية. كانت سيارة الجيب تمر بجنود، عند كل نقطة أو منعطف، تغمر الثلوج نصفهم الأسفل، فيما يشيرون إلى اتجاه الطريق بأذرعتهم الممدودة بثبات. أبدى مالابارتي خشيته من تعرضهم للموت في هذا الطقس الجليدي. رد الضابط الألماني: لقد تعودوا عليه. وشرح: إنهم قتلى من الجنود الروس، وضعوا كعلامات مرور! هنا يصبح الإنسان، ضحية للحياة والموت في آن واحد. عادل علي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©