الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ساحات 2011 ...

ساحات 2011 ...
28 ديسمبر 2011 22:58
يكتب الدكتور حمود أبو طالب يومياته في زمن الربيع العربي منطلقا من سؤال يؤرقه ويرى أنه مفتتح مهم للدخول إلى تلك اليوميات في كتابه “ساحات 2011 ، أخيرا الشعب يريد “لماذا الشباب ولماذا الآن؟ هذا السؤال الجوهري يتطلب أيضا البحث في الصيغة التي قُدمت لتشكل رأيا عاما وتعسفيا يملي على الجميع فكرة المؤامرة غالبا وذلك في تجربة “مصر – تونس – ليبيا – اليمن- سوريا” تلك الصيغ التي عرت أنظمة كانت تقوم على الاستبداد والمصادرة والقمع والظلم، لماذا الشباب ولماذا الآن؟ فتّش عن الذلّ يتحدث أبو طالب عن جيل صودر رأيه وصودرت أحلامه وسلبت حقوقه، وعاش مرحلة من الذل والهوان، فلم يعد بوسعه الانتظار أكثر ولم يعد يفكر سوى بخطوة طويلة المدى للتغيير، جيل يدعو إلى حقوقه التي تؤسس للاستقرار المفقود والسلم الاجتماعي وحماية الأوطان من الأخطار. يقدم أبو طالب يومياته الراصدة للراهن والمتأملة في صياغة مقالات صحفية كان معظمها قد نشر في الصحف، ولا تخلو من تأمل عميق للخبر وتداعياته فهو يعلق على هروب بن علي بأنه من الطبيعي أن يفعل وهو الهارب من شعبه 23 عاما، ويستشعر مرحلة مصر القلقة إبان المظاهرات المليونية وما يحدث في الآونة الأخيرة، وتلك المظاهر والمشكلات التي تشابهت فيها وسائل الإعلام في تلك الدول فكانت في قبضة الأنظمة مؤثرة وتحاول أن تصنع مشهدا مختلفا عمّا يحدث في الشارع بل وبدء القتل الذي أشعل الشرارة الأولى مع البوعزيزي في تونس ومع ثوار ليبيا وفي ساحات القاهرة ومع قناصة المتظاهرين في صنعاء. ولعلي هنا أقتبس جزءا من مقال “ضد القراءة” الذي يقول فيه: “من أهم أسباب غضب الشعوب وثوراتها حالة الانفصام بين مؤسسة الحكم والشعب التي يخلقها ويكرسها المنتفعون من الأوضاع السيئة والفساد يوهمون الحاكم بأن الذين يقولون الحقيقة ويحاولون التعبير عنها بصدق ليسوا سوى مثيرين للبلبلة والأكاذيب والإشاعات وأن الطبالين والمداحين والمنافقين هم الذين يعبرون بصدق عن نبض الشارع ومشاعر المجتمع وهنا المأساة التي تؤسس لنهاية أي مؤسسة حكم تعتمد على وضع كهذا “. وفي مقال “أحلام ليست كالأحلام” وفي إشارة إلى فهم حلمنا وكيف تكرس بعض الأغنيات مفاهيم سلبية “الحلم العربي انطلقت شرارته وتطايرت في أماكن كثيرة. الحلم العربي أن يشعر الجيل العربي في هذا الوقت بأن له أوطانا وأن له كرامة وأن له حقا مشروعا في تسيير حياته هذا هو الحلم العربي”. يتابع أبو طالب الحدث ويحلله، وهو كاتب رأي معروف في الصحافة السعودية، ويمكن أن يكون كتابه مرجعا مهما وسريعا لما حدث حيث يعمل في كل مقال مواكبا ومتسائلا شاجبا أو مؤيدا حزينا ومبتهجا وكل تلك المشاعر المختلطة التي عاصرها الناس خلال الفترة القريبة ولا زالوا يعايشونها، لم يكن هناك من يقدر على التوقع الكامل أو يتنبأ بمآل محدد وهو ما يظهر في مقالات أبو طالب حيث كان تحليل الحدث والتعليق عليه رأي ٌ ممزوج بشعوره الخاص وفهمه للواقع السياسي لتلك الأنظمة ولرؤية شعوبها في ثورتهم، وفي كل ثورة كان هناك أمل ثم انحباس ثم يتسع الأمل وهكذا في دوامة معقدة وطويلة ، بل كانت لحظات يسيرة تفصل الحدث إلى مرحلة تالية ولا متوقعة أيضا، حبست الأنفاس عند خطاب حسني مبارك الأول ولكن سرعان ما أصيب الشعب بخيبة حين توقعوا أن يعلن تنحيه وبعدها بأيام تنحى.. وهذا ما حدث مع زين العابدين الذي فضل الهروب تاركا واحدة من القصص التي تشبه الأسطورة، والقذافي الذي ترك نهاية لا متوقعة بعد كل ضجيجه وبعد مشوار كامل للثوار في تخليص ليبيا من كتائبه المنتشرة في كل مكان، وكيف يستمر نظام بشار في التنكيل والمحاصرة لأمكنة بعينها وبجيش له ممارساته القبيحة، لتكون تلك الأمكنة عبرة للبقية. وتتوالى الجُمع؛ جمعة الكرامة والحرية والتخوين وكل جمعة هي موعد للشعب كأنما هو يلخص حالته ويحدد موقفه إزاء كل ما يعانيه، وتلك الأنظمة متشابهة في ردة فعلها وفي تعاطيها وفي إعلامها، حتى في أصعب الأوقات وأكثرها حرجا، حيث يتضح أن التفكير بالكرسي يتطلب حرق كل الأوراق التي لم تعد تخفى على شعوب كهذه.. شعوب لم تعد تجهل الأوراق ولم تعد تجهل لعبة المماطلات، وتمويت الوقت أو تفويت الفرص. ونفس الموقف يتكرر في الإصرار حتى الرمق الأخير فيقتل القذافي وينجو صالح من الموت ويظهر حسنى مبارك مريضا وفي وضع حرج ليحاكم ويبحث النظام السوري عن أي خلاص تحت أي ذريعة حتى تلك الذرائع التي لم يكن يؤمن بها. أخيراً.. الشعب يريد أخيرا هي إرادة الشعوب وأبو طالب يسجل أهم المراحل في وقت مبكر بل لعله من أول الكتب التي تصدر عن الآني والراهن القريب حتى إن بعض المقالات كانت تتحدث عن أحداث وتغيرات قبل طباعته بعدة أيام فقط؛ فهناك مقال عمَّا يجري في سوريا وآخر عن علاج صالح أو رحيله ، وقراءات في واقع تلك الثورات وما يتمخض عنها من أسئلة وتنبؤات يقوده إليها ما يقوله الزمن عن قطار لا يتوقف ولا تعود عجلاته للوراء. يقول في مقال “لقد أسمعت لو ناديت حيا” العالم كله منحاز للشعب السوري ورهان النظام على بقائه واستطاعته تصفية شعب ثائر بأكمله مجرد عبث. سيتحمل الشعب السوري آلاماً أكثر وأشد لكنه في النهاية سيتخلص من نظام استحل دمائه وكرامته وإنسانيته ..” . أكثر من سبعين مقالا كتبت في هذه المرحلة الحرجة خلال 2011 لتوثق ربما، لتقول شيئا للذاكرة العربية، لتبقى لأجيال ستأتي وأجيال تروي وهي الصياغة الأنسب من كل أشكال الكتابة الأخرى وخصوصا الأدبية فيما يتعلق بهذا المد الثوري؛ إذ قد يعتبر من الإساءة لمفاهيم الرواية أو الأدب الكتابة عن هذه المراحل وهي بعد لم تتمخض برؤيا كاملة على الأقل في وجدان الأدبيات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©