السبت 18 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

"مدق الحناء".. دراما الانفصام النفسي

"مدق الحناء".. دراما الانفصام النفسي
16 فبراير 2019 00:52

عصام أبو القاسم (الشارقة)

سجلت فرقة مزون المسرحية، من سلطنة عُمان، حضوراً مميزاً في الليلة الأولى من مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي من خلال عملها الموسوم «مدق الحناء»، وهو من تأليف عباس الحايك وإخراج يوسف البلوشي، وشارك في تجسيده فوق الخشبة نحو أربعين ممثلاً ومؤدياً، وتداخلت وتكاملت في وقائعه ولوحاته، وعلى نحو لا يعوزه الانسجام والانضباط، أشكال متنوعة من وسائل وطرائق التشخيص والتعبير المسرحي، كالموسيقى والاستعراض والطقوس والفنون الشعبية، وأضفى استخدام كل هذه العناصر على إيقاع العرض دينامية ملحوظة، وعلى مظهره العام بعداً بصرياً أخاذاً.
قدم العرض الذي جاء في جملة من المشاهد المتوالية، مقاربة رمزية لعلاقة الإنسان المعقدة بنزعاته النفسية، بين الكامن منها والبائن، أو بين المحجوب والمنظور منها؛ فحسبما يُظهره العرض، تنطوي النفس الواحدة على نزعتين متعارضتين؛ خيرة وشريرة، متسلطة وخانعة، قاسية ورحيمة، وهذه النفس تظهر بمظهر دون الآخر، أو يتغلّب أحدهما على الآخر، تبعاً للظروف التي تحيط بها لا أكثر!
فهكذا، وجد «رسلان» - قام بالدور عزيز خيون - أن الظروف باتت مواتية، بعد موت وجيه المدينة، فاستحوذ على السلطة مستعيناً بصاحبه «هجرس» - قام بالدور عبدالحكيم الصالحي - الذي وافق راضياً بمنصب «المساعد»، وعاون سيده في جلب ثلة من الجنود الغرباء لإحكام القبضة على المدينة وناسها، أي أهلهما.
ومع تقدم لحظات العرض، يتكشف أن المدينة بلا موارد ويتطلع ناسها إلى سفينة كانوا قد شرعوا في صناعتها قبل وفاة الوجيه، حتى تساعدهم في الصيد والغوص والسفر وتبدل أحوالهم إلى الأفضل. يسيطر رسلان على هذه السفينة، كمِلك له، فيبدأ الأهالي في التذمر بعد أن صار يعاملهم كالعبيد.
وتتوالى، من بعد، مقاومة الأهالي له وصحبه وجنوده الغرباء، على نحو يبرز ضعفه وهشاشته الداخلية؛ فهو ليس كما يبدو عليه؛ إذ سرعان ما يتداعى خائفاً ومتوهماً وتغمره الكوابيس.
وهو ما سيحصل لمساعده هجرس الذي صوره العرض كشخص يتخذ موقعه كمساعد ليكون في ما بعد في موقع الوجيه سيد المدينة، بيد أنه يجبن من أن يظهر رغبته الدفينة هذه إلا في حالات اللاوعي (السُّكر)، كما أنه هو أيضاً يتداعى، وأكثر من ذلك يهلع حين يضطر إلى قتل صديقه، بأمر من مغتصب المدينة رسلان، ويستغرق في تأنيب نفسه وتتفاقم حالته النفسية وتستحوذ عليه الهواجس وتتراءى له ابنة القتيل وقد جاءته لتثأر، ويبلغ أقسى حد في هذا الاتجاه فيعاقب نفسه بقطع يده، ولاحقاً يموت.
حتى «أم هجرس»، بائعة الحناء التي استلهم العرض عنوانه من وقع مدقها في ترميز دال على «الطّيب الذي يستخلصه الدق من الحناء»، فمع أنها بدت، على مدار العرض، جافة وقاسية حين تكلم ابنها الطامح في السلطة، إلا أنها حين يموت تدخل في حالة هستيرية يختلط فيها البكاء بالضحك في مشهد أدائي بالغ الأثر.
هكذا، تتقابل شخصيات العرض، في بنائية يتعامد فيها الشيء وضده، وصولاً إلى لحظته الأخيرة، حيث ضاق الجنود الأغراب بعجرفة رسلان وسرقوا السفينة وفروا. ويغلق العرض صورته وقد أحاط الأهالي برسلان في شماتة وتشف.
وقد تكاملت جوانب العمل على نحو مبدع: فمن الناحية الإخراجية، لعل الملمح الأبرز تمثل في توجه البلوشي إلى ترسيم وتلوين زمن العرض، من البداية إلى النهاية، بجملة من الحلول النابهة، فثمة صوت «مدق الحناء»، انخفاضاً وارتفاعاً، وهناك حركة بناء السفينة، فمع كل مشهد كنا نرى الأهالي يضعون قطعة في جسم السفينة الذي أخذ يتجسم مع نهاية العرض.
وهناك أيضاً المجاميع الأدائية بحركاتها التي وظفها المخرج لإضفاء الحيوية على مرئيات عرضه، ولتوضيح الحالات الشعورية وتفسير دوافع الشخصيات وتحولاتها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©