من يقرأ في الأحداث العربية، كمن ينبش في أجداث، فيها شيء من اجتثاث الفكرة، وفيها شيء من عدم الاكتراث بالعبرة، ويكذب من يقول: إنه يفهم ما يدور وما يفور، وما يغور، وما يمور، وما يخلدُ، وما يجلد، وما يحصدُ، وما يفسد، وما يسرد، وما يشرد، وما يجرد، وما يتحرك - شاشات معتمة مظلمة ظالمة، مدلهمة، مفعمة بالسرية والغموض..
يكذب من يقول: إنه يسير جنباً مع الأحداث، يسبر أخبارها وأطوارها وأسرارها، ولا تفوته شاردة ولا واردة، لأنه واعٍ لما يحدث، وما يدور من حوله من تقلبات الأجواء السياسية، وتدهور النظريات الأيديولوجية، وتشوه الأشخاص، بفعل ندوب التطلعات الانتهازية والوصولية ولو حتى على حساب المنجزات الوطنية.
يكذب المحللون ولو صدقوا، لو قال أحدهم إنه يعلم ماذا سيكون عليه مصير هذا التنظيم أو النظام.
أقول يكذبون، لأنني على يقين أن كل المحللين، والمنظرين، والمدجلين والمبجلين، والمجلجلين، والمدلسين كذبوا على العالم كثيراً، وقالوا إنهم علامو الغيوب، فلوحوا بأيديهم، وتطاير الزبد من أفواههم، وهم ينهقون ويشهقون، ويفرغون جل تخرصاتهم في وعاء الناس البسطاء .. أقول ذلك، لأن هؤلاء لو كانوا على درجة من الوعي، والدراية والعلم بما يتسرب من مياه ضحلة في بواطن الأوطان لرفعوا الراية عالية، واضحة صريحة، وقالوا بالعبارة الفصيحة.. لا تصدقوا ما نسجه الإخوان المسلمون من حكايات وروايات ومظالم، فهؤلاء عندما يكونون في الشارع يمثلون دور الضحية، وعندما يعتلون الكرسي يصبحون أشد ديكتاتورية، وقد استطاع هؤلاء خلال عقود من الزمن التسرب إلى وجدان الناس واحتلال مشاعرهم، والاستيلاء على إرادتهم الدينية، لأن الإخوان ألبسوا فكرهم الشوفيني لباس الدين، وأغلب الناس بسطاء لا يعنيهم كثيراً قراءة ما بين السطور، أو ما يندس تحت الحصير، من أنياب ومخالب.. المفكرون والمنظرون الأجلاء كانوا يجهلون أو يتجاهلون قوة العواطف التي تسلح بها الإخوان، وكانوا يعتبرون ذلك غثاء لا جدوى منه.. اليوم الأحداث تتوالى، والتحالفات الدولية تغير ألوانها وتشكل وجدانها حسب ما تقتضيه المصالح، والإخوان المسلمون خير من يتسلّق ويتحلّق ويتعلّق، ويطرق ويتطرّق، منتهزين الظروف الدولية لفرد أشرعتهم في محيطات هائجة مائجة، متدحرجة، منبعجة، مستدرجة، متدرجة، لاعجة، لاهجة، أما المنظرون فسيظلون يحلقون في غابات الضياع مكتفين بالمصطلحات الغليظة، مكتوين، بورم الذات المزمن.
وتبقى القضية الكبرى تحت جنح الأسئلة التي لا جواب لها سوى مواجهة هذا التنظيم الماكر بفكر يتجاوزه في التدبير، لإنقاذ الأوطان، من “إخوان الصفا” العصر الحديث، وحماية الناس من الوسواس الخنّاس، من شياطين الناس.


marafea@emi.ae