غزارة الاطلاع، وسعة الأفق، وقبول الآخر، أهم سمات «المثقف» التي تأتي في شكل متتابع. والحقيقة أن غياب إحدى هذه السمات كفيل بإلغاء سمة الثقافة عنه. فعلى سبيل المثال، قد تجد من يمتلك قدراً كبيراً من المعارف والعلوم، ولكنه رافض لأي نوع آخر من العلوم التي تتعارض مع معارفه؛ أو ليس لديه أي استعداد لقبول الآخر صاحب الرؤية المختلفة عنه.
المثير فعلاً، أن ما سبق سمات لا يختلف عليها اثنان في العلن، أما على سبيل المعاملات والواقع المُعاش، وما نشهده من بعض مثقفينا الذين يجدون في منصات التواصل فرصة لعرض رؤاهم، فأصبحنا نجد التباينات الشديدة التي تنسف - حسب رأيي - سمة الثقافة عن ممارسيها.
من المهم تقديم توضيح حول سبب الاختلافات التي تنشأ عادة بين الناس، والتي تكون بسبب اختلافات الأصول الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي ينحدرون منها، وتؤثر على منظومة أفكارهم وقيمهم بلا أدنى شك، وهي اختلافات تؤثر على المثقف، كغيره من سائر أبناء تلك الطبقات، ولكن ما يجب أن يكون مختلفاً هو طريقة تعاطيه مع قيم غيره من المختلفين عنه، وهنا تبرز أهمية إدراك أن لا أحد يملك نتيجة نهائية وحتمية لأي شيء، وأن كل شيء قابل للمناقشة والتغيير، بل قابل للهدم وإعادة البناء. وهذا ما يطلق عليه سعة الأفق، وتعني القابلية والإقبال المستنير بإضافة الآخرين، وهذا تماماً ما على المثقف اليقين به والتعاطي مع الأمور على أساسه.
تأتي سمة الاطلاع وغزارة المعارف مقدمةً مهمةً لكسب صفة «المثقف»، ولكنها ليست الوحيدة، فهي مقدمة «فقط» لكون العلوم والاطلاع عليها، ستجعل فاعلها - هكذا يفترض - في حالة تأثر مستمر بقدرات الآخرين وإنتاجهم التي لا يملكها هو، ومعرفة ببيئاتهم التي لا تشبه بيئته، وتقديراً لأفكارهم وقيمهم التي لا تتطابق مع قيمه وأفكاره ولكنها سمحت للآخرين بإنتاج ما يطلع عليه. وهذا ما يعطي المطلع سمة سعة الأفق التي تجعله مقبلاً على الآخر من دون قيود الأحكام المسبقة، ومن ثم قبول الآخر.. لأنه يملك إضافة مختلفة.