في ذلك الصباح الماطر المشوب برطوبة استوائية وجدتني متوجهاً إلى محطة القطارات الدولية، حيث سأجد قطارا يحملني مرة أخرى إلى الأراضي الماليزية، إلى ميناء جوهر، حيث سأسافر في قطار آخر باتجاه ولاية “سراواك” أكبر الولايات على الإطلاق في ماليزيا، وتقع في الجنوب الغربي من جزيرة “بورنيو”، وهي أرض بكر مليئة بالغابات المطرية والجبال الشاهقة والكهوف والأحياء البحرية والبرية وأجناس متنوعة من الناس. الرحلة طويلة منهكة على غير ما توقعت، ووجدتني أتساءل عما دفعني للقيام بهذه الرحلة ومغادرة سنغافورة المدهشة، ولم يكن هناك إجابة أو سبب غير أنني أواصل الرحيل حتى وإن كانت الوجهة غير واضحة أو محددة، كأنه ترحال عبثي بلا هدف أو نهاية، ربما لأننا جميعا مسافرون، راحلون، مجرد عابري سبيل في هذه المحطات المؤقتة التي تشكل حياتنا ويومياتنا، وجدتني اقنع نفسي بأن وجودي في مناطق “بورنيو” سيبعث في جسدي روح المغامرة من جديد لأخرج من ترهل المدن وكسل الفنادق. صباحات هذه المدينة لها طعم مختلف، أجواؤها منعشة، وتاريخها حافل بالبطولة والشاعرية والقرصنة والتمرد. وخضعت في يوم ما لحكم الأجانب عندما نصب سلطان بروناي “جيمس بروك” المغامر الإنجليزي حاكما للولاية عام 1841م لمكافأته على مساعدته في إخماد إحدى الثورات. من نافذة الفندق الذي يحتويني يمكنني أن أرى منظر النهر الذي يخترق المدينة ليشكل منظرا صباحيا بديعا ما أغراني بالخروج من الفندق الذي أتقوقع فيه لأخرج للفضاء الواسع، للغابة المطيرة، حيث توجد أقدم النباتات على وجه الأرض، وتحتوي على أقدم بقايا للإنسان في شرق آسيا ويرجع تاريخها إلى 40 ألف سنة، وهناك كثير من المخلوقات غير المؤذية، بينها ما يطلق عليه سكان هذه الغابات رجل الغابة أو “اورانجوتان” والذي لا يعيش إلا في هذه الغابات في هذه المنطقة من العالم، وهناك تقع بعض الكهوف التي تشتهر بها هذه الولاية، تلك الكهوف الضخمة تعتبر واحدة من أجمل المعالم الطبيعية في العالم، ولذلك فقد تم تحويل المنطقة التي تضمها إلى حديقة “مولو” الوطنية، ومن بينها كهف يطلق عليه “الغرفة”، يعد أكبر كهف في العالم، حيث يمكنه إيواء 40 طائرة بوينج 747 عملاقة. وعلى ضفاف ذلك النهر وجدت بضعة مغامرين لديهم قوارب “الكاياك”، وهي قوارب مطاطية رياضية، فركبت بمعيتهم ليحملنا تيار النهر الذي اكتشفت لاحقا أنه يصبح جارفا بشدة ولابد من العمل كفريق واحد من أجل توجيه القارب بالمجاديف الجانبية، وإلا انجرفنا وتقطعت بنا السبل، ثمة صخور وشلالات ومنعطفات علينا تجاوزها إلى أن يهدأ التيار الهادر الغاضب، كانت تجربة رائعة لرياضة خطيرة تفاجأت بالدخول في معتركها دون معرفة سابقة. rahaluae@gmail.com