أحلام تشبه القمر
القمر كما هو في ذلك العلى المهيب، حيث يمتد البصر إليه دون أن ينكسر، تحدق فيه العين وهو صاف في شكله الأول وحضوره الأول حين تغنى به العشاق وكتب الشعراء فيه أجمل الكلام، ووصفت أجمل الوجوه البشرية به؛ توهجت القلوب بضوئه وتسامر الخلان وعزفت على الأوتار ألحانا تشبه نسيم الليل؛ القمر كما هو بعيد في فضائه، بعيد يزين المجرة مع النجوم المتلألئة كحبات من الألماس. القمر كما هو بلا ذاكرة لسفن الفضاء وخطوات الإنسان على أرضه، القمر كما هو حين يطل حتى اليوم علينا بضوئه الذي ما زال له وقع خاص في النفس.
بهذا القمر وفي قسوة الواقع نحتاج أحلاما تشبه القمر.. أحلاما صافية تذهب بنا إلى الهضاب المستندة على عواميد من نور، حيث يمكن أن نقفز ولا نسقط، نقفز ونطير عاليا، بجناحين نحلق في الفضاء الرحب ونحدق من العلى على الزمن والواقع في مشهديته المفتوحة، ولا نحط إلا على الأغصان الخضراء، قرب الماء الجاري؛ الماء الصالح لأن يروي الحياة، أن يجعلها تزهر ويفوح العطر؛ نحلق بعيدا عن الجفاف، عن القلوب الصخرية والأرواح المقيدة بالقسوة، بعيدا عن الوجوه الخالية من ملامح الجمال والبهجة التي ترسم عصفور الكناري في الهواء ليغرد في وجوه العابرين كلما التقتهم العين.
نحتاج أحلاما تشبه القمر وهو في صورته الأولى في مرأى البدائي ومرأى الأحاسيس وهي تتشكل في المساحات الملموسة بالجسد وبالعين.
في الجفاف نحتاج الى الوردة، وفي القسوة نحتاج الى الرقة، في الحزن نحتاج الى الفرح، في الحرب نحتاج الى السلم، في الكراهية نحتاج الى الحب.. هذا التضاد حاجة ملحة لعبور الواقع وقسوته، عبور المشهد الشرس الذي يحيط مساحة شاسعة من الأرض بالموت والفقر والعوز والمرض والتشرد والطفولة البائسة.
نحتاج ان نمد اليد وتضيء كالبلور، تقلب المعادلات المؤلمة وتدس في القلوب المحبة؛ تفتح شارع الروح كي يمر فيه الفرح.. نمد اليد كي نوقف الإبرة من أن تخيط رداء القبح المتشقق، أن ندعه يهترئ عله يختفي، عله يذوب في الملح، ويبقى الخيط المغسول بالمحبه ينسج حكاية جديدة تنشر أحلاما تشبه القمر.