في روايتها “اسمه الغرام”، تواصل اللبنانية علوية صبح سيرتها الروائية... سيرة المدينة والمجتمع، التي بدأتها في “مريم الحكايا” بتعمق في الأسلوب وتعدد بزوايا الرؤية والحكاية في الواقع والتخييل.. في سياق الرواية، تتوارد الحكايات والشخوص في مرآة المأساة والخراب، مأساة الحرب الأهلية وغير الأهلية، وما بعدها، وحتى حرب تموز.. نهلة، سعاد، اللتان يصعب الفصل بينهما، كما يصعب الفصل بين الرواية وظلها.. هاني، سليم.. تخوض الشخصيات مصائرها وسط أمواج السرد المتدفق والحطام. مصائر رسمتها لنفسها وأخرى تنتظرها كفخاخ قدرية لا فكاك من الوقوع في براثنها، وهي تمضي نحو الاختفاء والموت.. رواية تقول الفاجعة الإنسانية في أقصى تجلياتها رعباً وتفككاً، حباً وقيماً تتوارى دائماً خلف حُجب العنف الشامل والمستشري على كافة جبهات الحياة. *** يحتل الجموح الشعري في عبارة صبح الروائية، حيزاً مختلفاً من الفضاء كنزعة أصيلة في مسار السرد، وهو موجود في الثنايا والتضاعيف، في قلب المشهد “الفاجعي”، شعريّة الخراب إن صح التعبير، لكن هذه الشعرية تحتل مقاطع أكثر من غيرها، وكأنها قصائد نثر مكثفة وعميقة. فإذا كان ثمة مقاطع في “دنيا” تجسّد بعمق هذه النزعة والجموح مثل مقطع “الأصوات” الصوت البشري أين يذهب؟ ويتلاشى، صوت الحضور والغياب صوت الأحياء وأولئك الذين طواهم الموت تحت خياله البعيد، الحب والكراهية... تلامسه الروائية، وتذهب به إلى تخوم شعريّة ميتافيزيقية فريدة. الصوت، ذلك الكيان الأثيري مستقلاً عن جسده ومصدره وقد استحال إلى ذكرى وعدم حارق. في “اسمه الغرام”، هناك مثل هذه المقاطع كمقطع الرضاعة، لحظة رضاعة الأم للطفل. تستّل علوية صبح هذه اللحظة الأموميّة الحانية من عاديتّها، لتدخل بها عبر التأمل وسبر أغوار المشاعر الخبيئة، تُحوّلها إلى لحظة فريدة في الزمان البشري. لحظة التصاق فم الوليد الغض المرتجف وهو يدخل دنيا البشر، حيث سيكون لاحقاً فرداً في هذا النسيج القاسي والمعقد، فم الوليد وهو يلامس الثدي ويمتص رحيق الأمومة في غيبوبة الدِعة الطفوليّة ورفاهيتها قبل عبور الزمن وانقلاب الأحوال، تلك اللحظة التي كأنما هي التمرين البدئي على أحلام جنة مستحيلة... في مثل هكذا مقاطع ولحظات، تتجلى قدرة الكاتبة، كما تتجلى في إبداع الفضاء الروائي بأدواته ومفرداته المختلفة، في إبداع تلك المشاهد الجنسيّة التي تحدث عنها البعض سلباً، وهي ليست إلا جزءاً عضوياً من نسيج هذه الدراما وهذا الخراب الضارب أطنانه في كل الأماكن والنفوس والتفاصيل.